هل ما زال الحلم الأمريكى موجودا؟ سؤال بات يطرح كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية، وكان يطرح قبل ذلك بنحو عشر سنوات أيضا، لكن بنسبة أقل. فما الأسباب؟ وهل هناك أمل فى أن يعود الحلم الأمريكى لامعا ومزدهرا كما كان؟
موضوعات مقترحة
منذ ستينيات القرن الماضى، حتى منتصف التسعينيات تقريبا، كان عشرات الملايين من البشر حول العالم، يحلمون بالهجرة للولايات المتحدة الأمريكية، للعمل والإقامة الدائمة والحصول على الجنسية الأمريكية، وفى سبيل تحقيق هذا الحلم، كان يضحى هؤلاء بأهلهم وأوطانهم، وفى كثير من الأحيان بتقاليدهم وعاداتهم. ومن ثم، يأتون إلى أمريكا لبداية حياة جديدة، يملؤها النجاح وتحقيق الأحلام وضمان استمرار الطموح، ويحصل أبناؤهم على أفضل نوعية تعليم متاحة فى العالم، وأفضل فرص توظيف بعد التخرج.
يستمر المهاجرون جيلا بعد جيل فى تحقيق أحلامهم، والاستفادة من كل المزايا التى تقدمها الدولة الأمريكية لمواطنيها وللمقيمين على أراضيها بشكل شرعى، دون أن تكون هناك حدود للنجاح والازدهار إلا لمن أراد ألا ينجح.
وقد لاحظت تغييرا دراماتيكيا فى مفهوم الحلم الأمريكى، ومدى وجوده فى الأصل من عدمه، وهل ما زال من الممكن أن تكون هذه الفكرة مسيطرة على عقول الملايين حول العالم يسعون لتحقيقها أم أنها أصبحت من الماضى؟
طبعا الرغبة للهجرة للولايات المتحدة الأمريكية، ستظل موجودة دائما، لأنها حتى اللحظة لا تزال الدولة الأقوى اقتصاديا، وعسكريا، وفرص العمل، مقارنة بكثير من دول العالم، ما زالت متوافرة، ولو بالقدر الأقل عما كانت عليه قبل عشر سنوات تقريبا.
لكن ما الذى تغير؟ وما مدى تأثيره على وجود الحلم الأمريكى من عدمه؟ وهل المغامرة بالهجرة إلى أمريكا لا تزال فكرة ناجعة أم أنها أصبحت من الماضى؟
فى رأيى أن المجتمع الأمريكى تغير كثيرا، تحديدا منذ وباء كورونا وحتى اليوم، مرورا بالحرب الروسية - الأوكرانية، وضلوع الولايات المتحدة، فيها بشكل غير مباشر، عن طريق تقديم عشرات المليارات من الدولارات لأوكرانيا، من أموال دافعى الضرائب، مما بات يؤثر بشكل واضح على الاقتصاد الأمريكى، الذى يعانى من نسبة تضخم عالية وارتفاع أسعار الفائدة.
وباتت لهذين الأمرين آثار سلبية كبيرة على توافر فرص العمل، بسبب عدم قدرة الشركات على إنشاء فروع جديدة، أو الاقتراض لتحسين الأداء والانتشار، سواء داخليا أم خارجيا.
كذلك ازداد العبء على الحكومة التى فتحت المجال على مصراعيه للهجرة غير الشرعية، ما أدى لدخول أكثر من عشرة ملايين مهاجر غير شرعى إلى البلاد، خلال أقل من أربع سنوات، وكان لهذه الإجراءات دور سلبى كبير فى تجفيف كثير من منابع الدولة الأمريكية، خصوصا تلك التى تعنى بتقديم الخدمات العامة للمواطنين الأمريكيين. فأصبحت معظم المؤسسات لا تستطيع تقديم الخدمات لمستحقيها، بسبب عدم توافر التمويل اللازم لذلك.
وبالتالى تضرر أيضا المهاجرون الشرعيون، لأنهم كانوا يستفيدون من هذه المخصصات الحكومية، والتى كانت تسهل لهم العيش فى الولايات المتحدة والحصول على الدعم اللازم، ومن ثم التوظيف وإدماجهم فى المجتمع.
وباتت الولايات المتحدة اليوم قاب قوسين أو أدنى، كما يرى كثير من المراقبين الاقتصاديين للدخول فى مرحلة ركود اقتصادى كبير، ربما سيؤدى لخسائر لا تحمد عقباها للاقتصاد الأمريكي، وبالتالى للاقتصاد العالمى.
وبعد أن كان تحقيق الحلم الأمريكى، يتطلب فقط الحصول على موافقة الهجرة للولايات المتحدة، عن طريق القرعة، أصبح اليوم يتطلب أكثر من ذلك بكثير. حيث من الممكن أن تجد نفسك، وبعد أن قمت ببيع كل ما تملك فى بلدك الأصلى، وجئت إلى الولايات المتحدة - تجد نفسك أنك لم تحقق أى شىء، بل فى كثير من الأحيان ستضطر أن تعمل، ربما فى محطة للوقود أو بقالة صغيرة لتوفر لقمة العيش لك ولأسرتك، وسيتحول الحلم الأمريكى إلى سراب يصعب تحويله إلى حقيقة.
وهناك حالات كثيرة هاجرت إلى الولايات المتحدة، ولم تستطع التأقلم خلال فترة إقامتها فى بلاد العم سام، مع المعطيات الاقتصادية الجديدة التى فرضتها التغيرات الداخلية والخارجية على المجتمع الأمريكى.
ومن ثم، عادوا أدراجهم إلى بلادهم الأصلية دون تحقيق أى نوع من أنواع النجاح، بل إنهم ندموا على هذه التجربة التى لم يحققوا خلالها أى شىء، مما كانوا يعتقدون أنه سيكون الحلم الأمريكى. فالحياة فى الولايات المتحدة عالية التكلفة، والإيجار مكلف، والرواتب والأجور لا تحقق، فى غالب الأحيان، كل ما تتطلبه الحياة من تكاليف.
والسؤال الذى يطرح نفسه، هل بالفعل انتهى الحلم الأمريكى إلى الأبد، أم أننا فى مرحلة انتقالية، ربما نشهد بعدها انتعاشة كبيرة للاقتصاد الأمريكى، وفى مفهوم هذا الحلم مما يعيده مرة أخرى لظهور من جديد؟
هذا السؤال ستجيب عنه الإدارة الأمريكية الجديدة، بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة فى نوفمبر نهاية هذا العام، إذا ما قررت أن تغير من السياسات التى يتم انتهاجها حاليا إلى سياسات أخرى، تدعم الدولة الأمريكية داخليا فى اتجاه تحقيق الرخاء والرفاهية للمواطنين الأمريكيين، كما كان الوضع كذلك قبل ما يزيد على عشرين عاما.