Close ad

السيارات الكهربائية تصطدم بالحروب التجارية

19-8-2024 | 15:12

تتعدد وتتشابك الحروب التجارية بين كبريات الدول الصناعية، نتيجة تزايد الحمائية، والتي تحد من حركة التجارة العالمية وانسياب السلع والبضائع بين الدول.

الحروب التجارية طالت الكثير من السلع والمواد الخام، غير أن أكثرها ضراوة تلك المتعلقة بمنتجات الطاقة النظيفة، والتي يحتاجها العالم بشدة لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ومواجهة التغير المناخي الذي يعد الخطر الأكبر والأهم على الاقتصاد العالمي.

في الفترة الأخيرة، باتت السيارات الكهربائية ساحة جديدة للحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من جهة، والصين من جهة أخرى.

هذه الحروب التجارية ستؤثر بشكل متزايد على قطاع السيارات الكهربائية الفترة القادمة، الذي شهد طفرة صناعية وتكنولوجية كبيرة، وأصبح يشكل حوالي خُمس مبيعات المركبات في العالم بنحو 14 مليون سيارة خلال العام الفائت.

كما تصيب شظاياها بعض المستهلكين الذين سيواجهون ارتفاعًا في أسعار السيارات الكهربائية، بعد أن كانوا يمنون النفس بتفادي أعباء فاتورة البنزين والصيانة الدورية للسيارات التقليدية، وأضرت المصنعين أيضًا الذين استثمروا بكثافة لتطوير منتجاتهم.
 
رسوم عقابية
انطلقت التوترات التجارية من جانب الإدارة الأمريكية، التي تستعد للانصراف، حيث سعت إلى الحد من دخول المركبات الكهربائية الصينية، وضاعفت الرسوم الجمركية من 25% إلى 100%.

لم تكتف بذلك، بل رفعت التعريفة الجمركية على بطاريات الليثيوم المستخدمة في السيارات الكهربائية من 7.5% إلى 25%، ورسوم مكونات البطاريات من 7.5% إلى 25%.

والرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على منتجات الطاقة الخضراء هي جزء من مرسوم أوسع أصدره الرئيس جو بايدن في يونيو الماضي؛ شمل منتجات صينية بقيمة 18 مليار دولار، يتضمن سلعًا أخرى، كالصلب والألمنيوم والجرافيت الطبيعي والمغناطيس والرافعات البحرية، وغيرها.

على الجانب الآخر، رفع الاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية على وارداته من السيارات الكهربائية الصينية إلى 48% في يوليو الماضي، لتتصاعد بذلك الحرب التجارية ضد المنتجات الصينية الخضراء.

ودائمًا ما يوجه زعماء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، انتقادات إلى بكين على خلفية الدعم الحكومي؛ الذي يقولون إنه أدى إلى طوفان من الصادرات الرخيصة، وهدد فرص العمل في أسواقهم.
 
لماذا الصين؟
في السنوات القليلة الماضية، أصبحت الصين وجهة صناعية رائدة على مستوى العالم بقطاع السيارات الكهربائية، وتمكنت من جذب كبار مصنعي السيارات من أوروبا وأمريكا لإقامة مصانع بها، كما ضخت بكين استثمارات ضخمة في هذا المجال؛ نظرًا لأهميتها البيئية والاقتصادية.

وتشير الإحصائيات إلى الهيمنة الصينية اللافتة على سلاسل توريد المركبات النظيفة، فهي تنتج 86% من بطاريات أيونات الليثيوم، حيث تضم أكبر مصنع في العالم لبطاريات السيارات الكهربائية، وهي المكون الأهم في المركبات الكهربائية.

وتكشف بيانات وكالة الطاقة الدولية عن استيعاب السوق الصينية لنحو ثلثي مبيعات السيارات الكهربائية في العالم خلال العام الماضي.

كما تستحوذ السيارات الصينية على 18%؜ من سوق السيارات الكهربائية الأمريكية، و8% من مبيعات "الكهربائية" في أوروبا، وسط توقعات أن ترفع حصتها إلى 15% بحلول عام 2025.

وفي اعتقادي أن صادرات الصين من السيارات الرخيصة وعالية الجودة باتت تؤرق صناعة السيارات الأمريكية والأوروبية، لأنها لم تتطور بالقدر الكافي، مقارنة بما نراه حاليًا في المركبات الصينية التي تشهد طفرة تكنولوجية هائلة.

لذا فإنه من الواضح أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يواجهان منافسًا صناعيًا قويًا، الصين، يتمتع بتوافر جميع العناصر اللازمة للإنتاج من مصانع وعمالة مدربة ورأس المال والتكنولوجيا، ما يعزز قدرتها التنافسية.
 
رد الفعل الصيني
إن زيادة الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على السيارات الكهربائية، ما هو إلا إجراء حمائي، قد يكون فعالًا على المدى القريب، حيث يعمل على "فرملة" تصدير السيارات الصينية الكهربائية إلى أمريكا وأوروبا، ولكنه لن ينجح بمنعها.

فالحمائية، يمكن أن تكون عبئًا في الأجل القصير على مصنعي السيارات الكهربائية الصينيين، الذين يهدفون إلى التوسع عالميًا بشكل سريع، ولكن من غير المرجح أن يوقف هذا الإجراء انتشار السيارات الصينية الكهربائية على المدى الطويل.

في تصوري أن الشكوى التي رفعتها بكين مؤخرًا ضد بروكسل أمام منظمة التجارة العالمية، قد لا تجدي نفعًا إذ إنه من المتوقع أن يستغرق نظر القضية نحو عامين على الأقل حتى يتم البت فيها، حتى لو حكمت المنظمة لصالح الصين في نهاية المطاف، فستجد مركباتها الكهربائية صعوبة في استعادة حصتها السوقية المفقودة.

وبالتالي فإن بكين لديها أوراق عدة استخدمتها وقت التعريفات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018، ويمكن إعادة استخدامها حاليًا، مثل وضع قيود صارمة على تصدير السلع الصناعية المهمة، بل ويمكنها أيضًا خفض سعر صرف اليوان، ما يزيد تنافسية سياراتها بأمريكا وأوروبا.

كما أن الشركات الصينية تراكمت لديها الخبرات في التعامل مع مثل هذه المواقف الحمائية، فقد تتحرك بسرعة أكبر لإنشاء مشروعات مشتركة مع شركات أخرى في أوروبا وأمريكا، بهدف خفض تكاليف التصدير.
 
 زيادة الحواجز التجارية
إن الحرب التجارية على السيارات الكهربائية، تعكس حالة التصدع الشديد الذي تعاني منه التجارة العالمية والتفتت الاقتصادي، وهو يمثل اتجاهًا عامًا اشتدت حدته بعد الأزمة المالية العالمية، وقفز بعدد القيود التجارية إلى أكثر من 3 آلاف قيد متبادل على التجارة الدولية خلال العام الفائت وحده.

وتلقي السياسات الحمائية والتوترات المتزايدة في العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادات العالم، الأمريكي والأوروبي والصيني، بآثارها السلبية على التجارة والازدهار العالميين.

والتشتت والتشرذم الذي تعانيه السياسات التجارية الدولية من شأنه أن يقلص التعافي الاقتصادي العالمي، مع تضرر الدول النامية أكثر من غيرها في هذا المجال.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة