Close ad

الدواء.. الأزمة والحلول

18-8-2024 | 13:06

"من حكمدار العاصمة إلى المواطن أحمد إبراهيم القاطن بدير النحاس، لا تشرب الدواء الذي أرسلت ابنتك في طلبه، الدواء فيه سم قاتل"، جملة شهيرة حفظها المصريون عن ظهر قلب لرائعة كمال الشيخ من فيلم «حياة أو موت» (إنتاج 1954) لعماد حمدي ومديحة يسري.

 هذا المشهد السينمائي حمل معاني كثيرة، ورسائل متعددة، خاصة في كيفية تعامل المسئولين لإنقاذ حياة مواطن واحد أصيب بأزمة قلبية أرسل ابنته للحصول على الدواء، ولكن الصيدلي يكتشف تسببه بالخطأ في تركيب الدواء ليصبح سمًا قاتلًا، فيحاول بمساعدة الشرطة التي استخدمت كل الوسائل للبحث عن الرجل لإنقاذه قبل تناول الدواء.

ولكن نحن اليوم نستدعي هذا الموقف لإنقاذ حياة العديد من المرضي؛ لأننا بحاجة ملحة لأن تقوم الجهات المعنية بالاستفادة من الماضي، والعمل بالحاضر واستشراف المستقبل، خاصة أننا نعاني أزمة نقص في الدواء خاصة في أدوية إستراتيجية مختصة بالأمراض المزمنة؛ مثل أدوية الضغط والسكر والغدة والأورام وغيرها. 

نحن نعيش أزمة حقيقية السبب الرئيس فيها هو مشكلة الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم، وبالتالي تمر بها أيضًا مصر نظرًا للظروف المحيطة مع تغير سعر الصرف بالنسبة للدولار، ولكن هناك عدة عوامل أخرى نرجو أن نتخلص منها؛ حرصًا على حياة الملايين؛ وهي ستساهم في ضمان الدواء للمرضى، خاصة في ظل التوجيهات المباشرة من الرئيس عبدالفتاح السيسي للحكومة، بالعمل على توفير الدواء، وضمان خدمة طبية مميزة للمواطن، والجهود الكبيرة التي بذلت في الملف الصحي التي لا ينكرها إلا جاحد.

هيئة الدواء التي تولى مسئوليتها مؤخرًا الدكتور علي الغمراوي، صاحب التاريخ المشرف والرؤية المستقبلية، يقع على عاتقها مسئولية ملف الدواء كاملًا، وعليها أن تعمل جاهدة للعمل على ضمان عدم حدوث أي نقص للدواء، خاصة أن هذا الأمر يعد أمنًا قوميًا وإستراتيجيًا للدولة، ويمس حياة الملايين من المصريين.

إننا لا ننكر الجهود المبذولة في القطاع الصحي، ولكن يجب علينا قراءة المستقبل جيدًا، والتعامل مع أسباب المشكلة؛ لضمان عدم تكرارها، خاصة أن هناك عدة أسباب لحدوث نقص الأدوية؛ ومنها ما يعود إلى إحجام العديد من الشركات عن تصنيع عددٍ من أصناف الدواء الإستراتيجية في السوق، تجنبًا للخسائر المالية، بسبب بُطء آلية زيادة أسعار الأدوية التي أقرتها الحكومة في مايو 2024".

وقرار رفع الأسعار أثار تساؤلات بشأن إمكانية إنهاء الأزمة التي يعاني منها قطاع الأدوية في مصر منذ مارس الماضي، بعد شكوى الكثيرين من نقص أنواع مهمة من أدوية الأمراض المزمنة العديدة، سواء للمستورد أو لبديله المحلي.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل بعد رفع الأسعار تنتهي أزمة نقص الأدوية في مصر؟

الإجابة تتلخص في أنه من الطبيعي أن تشهد السوق نقصًا في الأدوية بين فترة وأخرى دون أن تطول، مع ضمان وجود بدائل لتلك النواقص، لكن ما ليس طبيعيًا هو خروج الأمر عن السيطرة، ويتحول الأمر إلى اختفاء تام لعدد من أدوية الأمراض المزمنة، بنسبة تصل إلى 70٪ لمدة كبيرة؛ مثل السكر والضغط والقلب، بالإضافة إلى بعض أنواع المضادات الحيوية وأدوية الغدة، والنفسية والعصبية، والأمراض المناعية، والهرمونات، وبعض أنواع الأنسولين، وبعض أدوية الأورام "وحسبما قال رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، علي عوف، إن هناك نقصًا في نحو 1000 نوع من الدواء من المضادات الحيوية والسكر والضغط.

ولقد هالني وأفزعني ما شاهدته من طوابير وسط القاهرة أمام صيدلية الإسعاف الشهيرة، التي يأتيها المرضى وذووهم من كل المحافظات، وتكدسهم  منذ ساعات الفجر أمام الصيدلية؛ للحصول على دورهم  ليتمكنوا من الحصول على الدواء أملًا في الشفاء، وهو أمر ينذر بخطورة الوضع؛  مما يتطلب سرعة التعامل معه، وضمان عدم تكراره  

ونحن بدورنا لا ننكر جهود اللواء طبيب بهاء زيدان رئيس هيئة الشراء الموحد لتعميم تجربة صيدليات الإسعاف فى جميع المحافظات، وحاليا يوجد 13 صيدلية بالمحافظات، ولكننا نطمح في المزيد، علاوة على قيام  الدكتورة ألفت غراب رئيس مجموعة أكديما الدوائية، التي تمتلك 17 شركة جميعها تعمل من أجل توفير الدواء، وتقوم بتصنيع ما يقرب من 35 مجموعة دوائية مهمة، و تستهدف توفير الأدوية الخاصة بعلاج الأمراض المزمنة -لا سيما الأنسولين- وهذا أمر مهم للغاية ويتطلب وجود مخزون إستراتيجي لدى هذه الشركات تحسبًا لأي ظروف.

ياسادة: الدواء سلعة إستراتيجية مهمة لاغنى عنها وليست رفاهية، و لا يجوز التخلي عنها، والحكومة تدرك ذلك جيدًا، والدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء يبذل جهودًا كبيرة لحل المشكلة منذ بداية توفير احتياجات قطاع الدواء للعملة الصعبة؛ لإستيراد المواد الخام، ووعد بالقضاء على الأزمة خلال الفترة المقبلة، واعترفت الحكومة بوجود نقص في بعض الأدوية في السوق المصرية؛ لذا آن الأوان بتحويل هذا القطاع من عبء على الدولة إلى قطاع يساهم في زيادة الدخل القومي من العملة الصعبة، خاصة أننا لدينا إمكانات كبيرة للتصدير إذا اكتملت المنظومة الدوائية؛ وذلك في ظل ارتفاع حجم الصادرات في القطاع الدوائي في 2023 بمليار و600 مليون دولار وفقًا لهيئة الدواء المصرية.

وخاصة أن رئيس مجلس الوزراء المهندس مصطفى مدبولي أكد أن احتياجات مصر من الدواء والمستلزمات الطبية بالعملة الصعبة تبلغ 250 مليون دولار شهريًا، وقد تزيد في بعض الشهور.

  إننا يجب علينا العمل بجد لضمان وجود مخزون إستراتيجي من المواد الخام بالمصانع، ومراجعة هيئة الدواء المصرية، وكذا مراجعة أسعار الأدوية المنتجة كل فترة دون بيروقراطية وتسهيل وسرعة الإجراءات الخاصة بمصانع الأدوية فيما يخص الإنتاج، وكافة الإجراءات وتشديد الرقابة، وضمان عدم التلاعب في الأدوية فيما يخص الإنتاج أو التوزيع، علاوة على تفعيل اللجنة المختصة بأولويات استيراد الشحنات والمستلزمات الطبية.

ونحن لا ننكر أن التحريك الأخير في سعر الجنيه مقابل الدولار كان عاملًا رئيسًا في ظل زيادة سعر الخامات في الفترة الأخيرة بنسبة تقارب 55%، وكذلك لجوء بعض شركات الأدوية إلى الشحن البحري لانخفاض تكلفته عن الطيران، لكن الاضطرابات في مضيق باب المندب وهجوم الحوثيين على بعض السفن ضمن تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، جعل سفن الشحن التابعة للهند والصين، اللتين تستورد مصر منهما بعض المواد الخام المستخدمة في صناعة الدواء، تلجأ إلى طريق رأس الرجاء الصالح؛ فأصبحت رحلة وصولها للموانئ المصرية تستغرق نحو ثلاثة أشهر، وبتكلفة أعلى من الشحن الجوي، التي انعكست بدورها على أسعار الدواء".

فضلاً على وجوب اتفاق هيئة الدواء مع شركات الأدوية بوضع خطة لتحريك سعري، محسوب ومعروف، لبعض المجموعات الدوائية حتى نهاية السنة، فهذا أمر جيد للغاية، ولكن على الهيئة وضع خطط، بالتعاون مع الجهات المعنية؛ لتوطين صناعة الدواء بمصر خاصة المواد الخام.
 
لضمان  عدم حدوث أي نقص في الأدوية خلال الفترة المقبلة، علاوة على استمرار التفاوض مع الشركات الأجنبية على ضمان توفير الدواء، والمحافظة على سعره، خاصة أننا لدينا ورقة ضغط كبيرة، وهي أن السوق المصرية للدواء تعد أكبر سوق بمنطقة الشرق الأوسط، ولدينا من الإمكانيات لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة الدواء، خاصة لإفريقيا والمنطقة العربية.

وتعد مصر من أكبر مستهلكي الأدوية في المنطقة، مع وصول عدد سكانها إلى ما يزيد على 106 ملايين مواطن، ينفق شعبها 35% على الدواء من إجمالي ما ينفقه المصريون على الرعاية الصحية.

إن توطين صناعة الدواء الحل الأمثل والآمن، حتى لا يظل سعر الدواء عرضة لتقلبات سعر الصرف واضطراب سلاسل الإمداد، ووضع خطط للتصدير، خاصة بعد بناء مدينة كاملة لمصانع الأدوية؛ لتحويل مصر لمركز إقليمي مهم في الشرق الأوسط في صناعة وتصدير الأدوية، خاصة أن مصر تنتج محليًا 94% من الدواء المطروح في الأسواق، في حين تستورد 6% فقط، ولكن المشكلة تكمن في أننا نعتمد على استيراد 95% من الخامات الدوائية من الخارج، وعدم وجود إستراتيجية واضحة لتصنيع المواد الخام محليًا، بدءًا من المواد الفعالة، ومرورًا بالورق والكرتون والأحبار والألمنيوم، التي تعد من مدخلات الإنتاج.

علينا أن نتوسع في زيادة عدد مصانع الدواء، وتشجيع الشركات، خاصة المصرية، على إنتاج البدائل للأدوية الإستراتيجية للقضاء على فكرة  الاحتكار لبعض الأدوية  في قطاع الأدوية في مصر، خاصة أن بعض الدول بدأت بتشجيع إعادة التصنيع على أراضيها؛ لتجاوز المشكلة، مع ضرورة تفعيل الحلول الرقمية والذكية؛ لمراقبة كميات الأدوية، خاصة أن عدد مصانع الأدوية المرخصة في مصر ارتفع من 130 مصنعًا بإجمالي 500 خط إنتاج في عام 2014 إلى 191 مصنعًا تمتلك 799 خط إنتاج في الفترة الحالية، بنسبة نمو 37% في عدد المصانع، و60% بخطوط الإنتاج، حسب هيئة الدواء المصرية.

علينا أيضا الاهتمام  بالبحث العلمي، ورفع إمكانات المراكز البحثية للمساهمة في توفير المواد الخام التي يحتاجها قطاع الدواء، وكذلك التركيبات الجديدة التي تساهم في علاج الأمراض بنسب شفاء عالية.

ومن ضمن الحلول المطروحة لحل الأزمة أيضًا سرعة تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل، التي أثبتت نجاحها في المحافظات التي تم تطبيقها بها، مع تطوير شركات الدواء المملوكة للدولة؛ لزيادة إنتاجها، وتغطيتها لاحتياجات سوق الدواء، جنبًا إلى جنب مع القطاع الخاص والشركات الدولية؛ حيث ينتج القطاع الخاص  نحو ٩٣% من إجمالي الإنتاج المحلي من الدواء، موزعة بنسبة ٧٤% للشركات المحلية، و٢٦% للشركات العالمية الموجودة في مصر، بينما يساهم القطاع الحكومي بنحو ٧% فقط من الإنتاج المحلي.

والخطورة الآن تكمن في النقص الشديد في الأدوية الإستراتيجية؛ مثل الأنسولين والمضادات الحيوية، وأدوية الأمراض المزمنة خاصة لمرضى التأمين الصحي، والذين يصل عددهم إلى 1.5 مليون مريض يحتاج لعلاج من مرض السكري مسجل في التأمين الصحي ويتم توفير الأنسولين بكافة تركيزاته لهم.

من جانبه أكد الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، أنه سيتم ضخ مليون عبوة من الأنسولين المستورد خلال الشهر الحالي، وذلك في ظل أن الطاقة الإنتاجية لمصنع الأنسولين في شركة المهن الطبية تصل لـ 18 مليون عبوة سنويًا، ويقوم حاليًا بتصنيع 12 مليون عبوة سنويًا.

علينا أن نضمن سعرًا عادلًا للمواطن في الدواء، خاصة في ظل الزيادات المتتالية التي حدثت بنسب تجاوزت 50% في بعض الأصناف الإستراتيجية، مع ضمان توفيره، خاصة في ظل عدم وجود مراقبة على أدوية الفيتامينات، والمُكمِلات الغذائية، التي لا تخضع أصلًا للتسعيرة الجبرية الحكومية، باعتبارها أدوية غير أساسية؛ خاصة أن هذه الأدوية، شهدت مؤخرًا ارتفاعات كبيرة دون ضابط، رغم أهميتها القصوى لبعض الحالات المرضية.

ويحسب لهيئة الدواء الجهود المبذولة للتعامل مع ملف الغش في الدواء، وذلك من خلال تطوير منظومة متكاملة للتتبع والرقابة؛ والجهود المبذولة  للحصول على اعتماد منظمة الصحة العالمية في مجال الأدوية، وذلك بعد الحصول على مستوى النضج الثالث في مارس 2022 في مجال اللقاحات، بما يؤكد استمرار الريادة المصرية على مستوى المنطقة العربية والقارة الإفريقية، والمشاركة في رسم الخريطة الدوائية العالمية، علاوة على جذب الاستثمار وزيادة الصادرات.

ولقد وعد الدكتور علي الغمراوي، رئيس هيئة الدواء، بحدوث انفراجة كبيرة في توفير الأصناف الدوائية التي يشكو المجتمع من نقصها، ونتمنى أن يسرع في القضاء على تلك الأزمة، في ظل أنين وألم بعض المرضى الذين يبحثون عن أدوية معينة، وتأخر إجراءات طبية لمرضى آخرين لنفس السبب، وتعرض حياة بعض المرضى للخطر؛ فالمريض يحتاج منا إلى التكاتف؛ للوقوف بجانبه والتخفيف من آلامه؛ لأن أصعب إحساس هو الشعور بالألم، ولا نجعله هو أو ذويه تائهين في ردهات الطرق، يبحثون عن دواء يشفي.

كلمات البحث
الأكثر قراءة