أبدأ مقالتي بقوله تعالى: (إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)، لا أدري ما الذي أصابنا، وما الذي يحدث لنا ولمجتمعنا؟! ألهذا الحد وصلنا من التدني القيمي والانفلات الأخلاقي؟! أليس منا رجل رشيد يوقف مثل هذه المهازل؟! ألهذا الحد بلغ الاستهتار بقيمنا الخلقية وعاداتنا وتقاليدنا؟! ألهذا الحد بلغت اللامبالاة مبلغها والاستهانة بديننا وشرائعنا التي تدعو جميعها إلى الفضائل والسمو الروحي بالإنسان، الذي ينعكس على ذلك إيجابيا على تعامله مع بني جلدته فيعامل الإنسانية ممثلة في شخصه؟!
ما هذا الذي نراه؟! حفلات راقصة أمام المدارس لماذا؟ احتفالا بانتهاء امتحانات الثانوية! وهل التعبير عن الفرح بالتمايل والطبل والرقص أمام اللجان؟! الاحتفال يكون بصلاة ركعتي شكر لله أن وفق أولادنا لإكمال امتحاناتهم.
ورب واحد يقول: "هذا تعبير عن كبت شهور طويلة من عناء المذاكرة"، لكني أطرح عليه سؤالًا، هل ترضى لابنتك أن يراقصها هي وأمها زميلها في المدرسة؟! أو تتمايل هي وزميلتها أمام كل الحضور؟! هناك طرق كثيرة للتعبير عن الكبت وعلاجه ما قاله النبي "صلى الله عليه وسلم": "روِّحوا القُلوبَ ساعةً وساعةً"، ترويح في طاعة الله لا بالمزمار البلدي والرقص والطبل!!
ألا يعلم هؤلاء أن تمايل الفتاة ورقصها أمام الجميع يثير الشباب؟! حقا صدق الله العظيم (إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ).
ثم التقاليع الجديدة التي لم نرها في جامعاتنا من قبل أيام ما كنا طلابًا، ما عرف بحفلات الترفيه فى الجامعة!!
يا سادة نحن لا نرفض الترفيه لكن ترفيه مقنن منضبط تحت إشراف بضوابط وبوجود رقيب، عندما يجد خروجًا أو خللًا عن المألوف يوقف مثل هذه المهازل، لكن للأسف، ندخل المحاضرة نجد ثلاثة أرباع الطلاب غائبين، وعندما نسأل عنهم، يرد الملتزمون بالحضور، إنهم في حفلة ترفيه الجامعة، الفصل الدراسي قصير، يكفي بالكاد إكمال مناهجنا التدريسية، ليس لدنيا رفاهية الوقت لنقضيها في حفلات ترفيهية، ثم هناك رعاية الشباب، التي تقوم بتنظيم مسابقات ثقافية وأدبية وغنائية وشعرية؛ يتم فيها اكتشاف المواهب بدلا من العربدة وترك المحاضرات، ويا ليت مثل هذه الحفلات يحييها مطربون بجد، وإنما هم ما سمعنا عنهم، أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، نسمع النشاذ ونحن في محاضراتنا حقًا، (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).
ثم نأتي إلى ما يسمى بحفلات التخرج، عندما كنا طلابًا، وتفوقنا كان الاحتفال في مكتب الوزير المحافظ، صافحنا وسلمنا شهادات استثمار وانصرفنا، تمام جدًا، يمكن كل زمن له أساليبه الحديثة المبتكرة، لكن هل علمتم أن حفلات تخرج تقام قبل إعلان النتائج، هل علمتم أن دروع التكريم والأرواب التي يرتديها الطلاب مدفوعة الأجر من أولياء الأمور الكادحين، ما هذا العته، ما هذا الهراء.
نأتي إلى جو هذه الحفلات طبعًا لا أعمم الأحكام ولا أطلقها على عواهنها، تجد بعض هذه الحفلات، حفلات راقصة على أنغام موسيقى تصيبك بالغثيان، وقد تحدث لديك تلوثًا سمعيًا، وما شاهدناه على مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" خير دليل على ما أقوله، طالبة ترقص وكأنها معلمة رقص تفوق أهل المهنة الحقيقيين، طالب، اعتذر على تلقيبه بهذا اللقب لكن هو طالب، المفترض أنه طالب علم، لا طالب رقص، يرقص وكأنه فعلًا رقاص وكأنها مهنته، والأدهى والأمر من ذلك أننا نجد أولياء أمور يرقصون بالعصا والمزمار، وكأنهم فرحين بتحرير بيت المقدس، ماذا ستقولون لأنفسكم بعدما ينفض المولد، ماذا ستقولون لأولادكم؟!
وتلك رسالتي إلى السيد الدكتور وزير التعليم العالي، والسادة رؤوساء الجامعات، استحلفكم بالله احفظوا هيبة الجامعة، واحفظوا قيمة محاريب العلم، فمحراب العلم كمحراب الصلاة، محراب العلم له قدسيته كمحراب الصلاة، فلابد من تقنين مثل هذه الحفلات حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه ويستشري خطرها ويستفحل أكثر وأكثر.
استقيموا يرحمكم الله!!
* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان