Close ad

مفتي الجمهورية الجديد.. أمانة الرسالة وثقل المسئولية

13-8-2024 | 17:02

إذا كانت الأمم الحية تقاس بقدر علمائها وعقول مفكريها، فإن مقام الإفتاء في الأمة الإسلامية هو ذروة سنام العلم، ورأس هرم الفقه، ودرة تاج الفهم الصحيح للإسلام، فهو ليس ذلك المنصب العلمي الأرفع، وليست تلك الوجاهة العلمية البارزة، وليست هي تلك المكانة المرموقة والعليا في الداخل والخارج، بل إنها الأمانة العظيمة والمسئولية الجسيمة التي تتطلب من حاملها أن يكون على علم واسع وفكر ثاقب، وبصيرة نافذة؛ بحيث يكون مؤهلًا لحمل الأمانة بأمانة، وفك معضلات الأمة، وهداية أبنائها إلى الصراط المستقيم، هو ذلك الامتحان القاسي للعلماء الربانيين الذين يغوصون في أعماق النصوص، يستنطقون مقاصدها، ويستنبطون من معينها ما يحقق الخير للناس في دنياهم وآخرتهم، إن مقام الإفتاء ليس مجرد موقع يشغله عالم أو فقيه، بل هو منارة تهتدي بها الأمة، وبوصلة تقود سفينتها في بحر الحياة المتلاطم الأمواج، إنه ذلك المقام الذي يشع منه نور الحكمة، وينبثق من جنباته ضياء الفقه المستنير، ليبدد ظلمات الجهل والتعصب، ويقود القلوب والعقول إلى الحق والرشاد.

إن القائم على أمر الإفتاء في كل عصر هو وريث الأنبياء، يقف على مشارف الزمن متأملًا هموم الأمة وأوجاعها، مستخرجًا من معين الشريعة ما يروي عطش السائلين ويشفي جراح المتألمين، يحمل بين جنبيه قلبًا متقدًا بالإيمان، وعقلًا مضاءً بنور العلم، وروحًا شفافة تلامس أوجاع الأمة وتستشعر حاجاتها، ففي زمن كثرت فيه الفتن وتشابكت فيه المسالك، يصبح دور المفتي أكثر أهمية وضرورة، فهو الذي يزن الأمور بميزان العدل، ويفصل بين الحق والباطل بسيف العلم، ويعطي لكل مسألة حقها من النظر والتدبر، ليخرج لنا حكمًا ناصعًا كبياض النهار، يريح النفوس ويطمئن القلوب.

إن المسئولية التي يتحملها القائم على أمر الإفتاء مسئولية تهز الأركان وترجف لها القلوب، لكنها أيضًا شرفٌ لا يناله إلا من اصطفاه الله ليرفع راية الحق ويثبت دعائم العدل.

ونحن نشهد الله العلي القدير أننا عرفنا المفتي الجديد، فضيلة العالم الجليل والأستاذ الكبير أ.د نظير عياد، أول ما عرفناه، عالمًا فذًّا، ومفكرًا عظيمًا، ومفتيًا حكيمًا، تتجلى فيه كل معاني الأمانة والمسئولية، يمزج بين غزارة العلم وعمق الفكر، يشع من عينيه بريق البصيرة، وينطق لسانه بحكمة العلماء الربانيين، يتحدث بعفة اللسان، ويفكر بعقل راجح لا يعرف الغلو أو الإفراط.
  
ومع كل ذلك، كان وما زال  يتسربل برداء التواضع، فهو لم يكن ليرى نفسه فوق أحد، بل يرى في كل إنسان قيمة، ويعامل الناس بروح الأخوة والمحبة، يحترم الصغير قبل الكبير، ويوقر العالم كما يوقر المتعلم، يرفع الناس بأخلاقه قبل علمه، ويتربع في قلوبهم قبل عقولهم.

لقد شرفني الله بمعرفته والجلوس في حضرته، والنيل من بحر علمه الغزير، حيث كان أستاذي ومناقشي في رسالة الماجستير.

إننا إذ نشهد بذلك، لا نقولها تزلفًا أو مداهنة، بل هي شهادة حق لرجل عرفناه في ميادين العلم والفكر، وفي محافل الأدب والأخلاق.

نسأل الله أن يبارك  في علمه وعمله، وأن يجعله منارة تهتدي بها الأمة في حاضرها ومستقبلها، وأن يعينه على حمل هذه الأمانة الثقيلة التي تنأى الجبال الرواسي على حملها، وأن يحفظ بلدنا الحبيبة مصر من كل مكروه وسوء.

* عضو المركز الإعلامي للأزهر - الباحث متخصص في فلسفة السلام وحوار الأديان

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: