وسط عالم يموج بالمتغيرات، لم تعد الثقافة هي التي تجسد وتقدم أشكالًا للتعبير الثقافي بغض النظر عن قيمتها التجارية كما عرفتها منظمة اليونسكو.
الثقافة الآن، في واقع هذا العالم المتغير تتغير أشكالها هي الأخرى وإن كانت المضامين واحدة، ولكن الأدوات تختلف طبقًا لطبيعة العصر.
ونظرًا لهذا التغير، فقد تعالت عدة مفاهيم لتتصدر المشهد على مدار العقدين الماضيين منها مفهوم "التعددية الثقافية"، التي تتعايش مع مختلف الثقافات الأخرى، كذلك مفهوم "العدالة الثقافية"، بمعنى أن تشمل هذه الثقافة، كل الافراد بمختلف انتماءاتها وأيدولوجياتها وطوائفها، ولا تقتصر على المركزية، وإنما تمتد إلى المحلية متمثلة في الأقاليم.
التطور السريع والمتلاحق، الذي يشهده العالم كل لحظة في تكنولوجيا الاتصال، أثر بشكل كبير على صناعة الثقافة، ومع هذه الصناعة ظهرت صناعة أخرى؛ وهي "صناعة الترفيه"، وهي صناعة تتضمن بعض المنتجات الثقافية، لكن يغلب عليها العنصر الترفيهي، وهو الذي يسود العالم في كل شيء الآن، بل إن الكثير من الاقتصاديات الكبرى، أصبحت قائمة على "صناعة الترفيه"، التي تمثل مصدرًا رئيسيًا للدخل القومي.
وجاءت "صناعة الترفيه" لتشعل المنافسة بكافة الأدوات والأشكال، وأصبحت منافسًا رئيسيًا للثقافة التقليدية في الوجود على الإعلام الرقمي، الذي غزا حياتنا وتحركاتنا اليومية.
كلنا تابعنا على مدى الأيام الماضية، فعاليات مهرجان العلمين الجديدة، وهو الذي يقدم نماذج مختلفة بين صناعتي "الثقافة والترفيه". وللحقيقة فإننا يجب أن نتوقف أمام المبادرة المهمة التي أطلقها الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة للمكتبات المتنقلة، بالتعاون مع مكتبات مصر العامة في 10 محافظات حدودية.
وفي اعتقادي أن ذلك يمثل صلب "العدالة الثقافية"، التي يجب أن تتحقق ما بين المراكز والمحافظات الحدودية، التي لا تتمتع بقدر كبير من الصناعات الثقافية مثلما تتمتع به العاصمة.
وعلى هامش إطلاق المبادرة تفقد وزير الثقافة يرافقه عمرو الفقي الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، المنطقة الشاطئية، التي تضمنت معارض مفتوحة ومراكز الإبداع وتنمية القدرات وخاصة لذوي الهمم.
هذا هو الدور الحقيقي لوزارة الثقافة، وهو ما تسعى إليه الدولة المصرية بكل امكاناتها، في العمل على زيادة الوعي الجمعي، لكن ذلك يتطلب - في نفس الوقت- ضرورة تطوير البنى التحتية لقصور الثقافة، وتدريب الكوادر العاملة بمختلف المؤسسات الثقافية، لكي يمكنها المنافسة.
قبل سبعة عقود من الآن قدم الدكتور ثروت عكاشة نموذجًا فريدًا في صناعة الثقافة، عندما أسس قصور الثقافة الجماهيرية. هذه الفكرة، كانت من أنجح الأفكار في وقتها، ولكن مع التطور الذي يشهده عالمنا الآن أصبح لزامًا أن يكون هناك توافق بين صناعتي الترفيه والثقافة، وهذا لا يعني أن تتخلى الثقافة عن دورها التقليدي، بل يجب أن تتوافق مع صناعة الترفيه في مسألة الربح التجاري.
وهذا المبدأ هو الذي سيساعد الثقافة المصرية، على أن تنهض؛ لأنه بلا دعم مادي لن تستطيع المؤسسات الثقافية المصرية، أن تصمد في وجه هذا المد الكبير من صناعة الترفيه..
التطور الكبير الذي يشهده العالم.. يتطلب تطورًا في الفكر والمنافسة..
[email protected]