مما لا شك فيه أن شيخ المؤرخين تقي الدين المقريزي (764 ـ 845هـ) يُعد واحدًا من أبرز مؤرخي المسلمين، حيث تميز عن غيره من المؤرخين بنقده وتمحيصه للمعارف التي تلقاها عن شيوخه، وتطويرها بأسلوب جديد في كتابة التاريخ الإسلامي، وقد استفاد من أعمال من سبقوه، وأثر بدوره فيمن جاء بعده.
موضوعات مقترحة
في هذا السياق، حاول محمد مكرم عبيد (الباحث في التاريخ والحضارة الإسلامية) تقديم ترجمة جديدة للمقريزي في كتابه "المقريزي كما عشتُ معه" الذي صدر مؤخرًا، حيث يري أن بن خلدون (732 هـ - 808هـ) رغم أنه شيخ المقريزي الأول وأكثرهم تأثيرًا به، رغم أنه كان صاحب فكر جديد ونظرة إستشرافية في كتابة التاريخ عند المسلمين، إلا أن المقريزي تفوق علي شيخه من ناحية التطبيق والابتكار في تناول التاريخ بأسلوب يتسم بالتحليل والتفصيل والوضوح أكثر.
وفي الفصل الأول من كتابه يتناول المؤلف مظاهر تكوين ونشأة المقريزي الاجتماعية والنفسية، والتي أسهمت في تطور شخصيته العلمية الموسوعية، التي جمعت بين التاريخ والجغرافيا وعلوم الشريعة، ويشير في الفصل الثاني إلى فضل المقريزي في تأسيس ما يسميه بـ"مذهب المقريزي الجديد" في كتابة التاريخ الإسلامي، وهو مذهب وضع أسسًا جديدة سار عليها من تبعه من المؤرخين، ونالت اهتمام الباحثين والمستشرقين بالدراسة.
أما في الفصل الثالث، فيسلط الضوء على إسهام المقريزي في ابتكار علم الجغرافيا التاريخية بمفهومه الحديث، مشيرًا إلى كيفية تجسيد هذا المفهوم في مؤلفاته، ولا سيما كتاب "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" المعروف اختصارًا بـ"خطط المقريزي"، والذي يُعد درة مؤلفات المقريزي و أفضل ما كتب مؤرخ في تأريخ خطط مدينة إسلامية.
وأخيرًا، في الفصل الرابع، يناقش المؤلف الآراء التي أثيرت حول شخصية المقريزي من معاصريه وتابعيه، سواء بالثناء أو الاتهام، علي سبيل المثال شمس الدين السخاوي (831 ـ 902هـ) الذي اتهم المقريزي بالانتحال والسطو على مؤلفات غيره.
يستعرض المؤلف كل هذه الآراء من خلال سرد تاريخي متوازن وتحليل فلسفي عميق، مبرزًا كيف سعى بعض المدلسين إلى تشويه سمعة المقريزي والتقليل من إنجازاته، رغم ما له من فضل وسبق .
الباحث محمد مكرم عبيد باحث بالتاريخ والحضارة وشاعر وموسيقي