Close ad
12-8-2024 | 17:12

استكمالًا للمقال السابق عن (الأموال المهدرة نتيجة التعديات الموجودة على أراضي وحقوق الدولة).. فمما لا شك فيه أن الأراضي التابعة للدولة، والتي تم الاعتداء عليها خلال العقود الماضية، تشكل أرقامًا ضخمة، ربما لا يتوقعها المصريون ولا تتوقعها حتى الحكومة.

ومن ضمن هذه الملفات أراضي هيئة الأوقاف والإصلاح الزراعي، وهذا ماسنسلط عليه الضوء خلال السطور القادمة، خاصة في ظل لجوء البعض خلال العقود السابقة إلى التحايل والتزوير في حجج الملكيات والعقود ومستندات الملكية لمساحات كبيرة من هذه الأراضي والاستيلاء عليها وتحقيق مبالغ طائلة نتيجة للتحايل والاستيلاء على هذه الأملاك التابعة لهيئتي الأوقاف والإصلاح الزراعي، خاصة في ظل وجود تشابك ملكية بين هيئة الأوقاف المصرية والهيئة العامة للإصلاح الزراعي في بعض المحافظات.

ولا يستطيع أحد أن ينكر أنه خلال السنوات القليلة الماضية شهد ملفا (الوقف والإصلاح الزراعي) تحركًا غير مسبوق من جانب الدولة والرئيس عبدالفتاح السيسي، سواء على مستوى استعادة الأموال المنهوبة، أو فى ملف العوائد الاستثمارية الخاصة بالوقف، التى تحقّقت، والاستفادة منها لتحقيق المقاصد الشرعية من الوقف، وكذلك استرداد الأراضي المعتدَى عليها.

ولكن الخطورة في الأمر لا تكمن في تقنين الأوضاع واستكمال إزالة التعديات على أراضي الهيئتين والبدء في تقنين أوضاع الجادين، خاصة مباني بعض القرى الكاملة المقامة على أرض ملك الأوقاف والإصلاح الزراعي، وكذلك إنهاء النزاع حول بعض القضايا العالقة أو المتنازع عليها، خاصة المتعلقة بالمشروعات الاستثمارية، ولكن تكمن في أن هيئة الأوقاف حققت 2.7 مليار جنيه عوائد أرباح وإيرادات هذا العام بزيادة أكثر من 400 مليون جنيه على العام الماضي، وكذلك هيئة الإصلاح الزراعي، وهناك نقطة في هذا الأمر نود أن نلفت إليها النظر وهو لجوء هيئة الأوقاف -تحديدًا- برفع القيمة الإيجارية للأراضي الزراعية التابعة للهيئة بقيمة تتجاوز ثمانية أضعاف القيمة الإيجارية القديمة.

حيث كانت قيمة إيجار الفدان 500 جنيه، ثم تم رفعه عام 2018 إلى 4800 جنيه للفدان الواحد، وتم رفعه في عام 2019 إلى 6000 جنيه، وتم رفعه في عام 2020 إلى 7200 جنيه، ثم إلى 9600 جنيه على خلاف أسعار أراضي هيئة الإصلاح الزراعي.
 
وهذا الأمر أدى إلى لجوء بعض المزارعين بهجر تلك الأراضي التي ورثوها عن أجدادهم؛ نتيجة لعدم وجود عائد بسبب ارتفاع تكاليف الإيجار والزراعة، ونحن هنا لا نطالب بتخفيض القيمة الإيجارية في ظل مطالبتنا بحق الدولة بقدر ما نطالب بأن تكون القيمة عادلة طبقًا لطبيعة الأرض والمحاصيل المزروعة للحفاظ على الزراعة باعتبارها أمنًا قوميًا.
 
واللافت للنظر أنه في المقابل هناك أنشطة استثمارية مقامة على أرض تابعة لهيئة الأوقاف المصرية، وكذلك الإصلاح الزراعي، ولدي أمثلة عديدة؛ فالقيمة الإيجارية لتلك الأراضي لا توازي 1% مما تحققه من مكاسب للقائمين عليها، الأمر الذي أدى إلى قيام أصحابها بتأجيرها من الباطن، والاكتفاء بتلك المكاسب.

ونحن هنا نطالب بإعادة تقييم جميع هذه الحالات طبقًا للقيمة العادلة، إضافة إلى صفقات الاستبدال التي تمت بأسعار بخسة، وعدم المغالاة أيضًا في قيم الاستبدال الحالية، على أن تكون بالقيمة السوقية العادلة.

وكلي ثقة في كلٍ من الدكتور أسامه الأزهري وزير الأوقاف، وعلاء الدين فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي في ذلك الأمر؛ لقيامهم بالاجتماع خلال الساعات الماضية مع مسئولي هيئتي الأوقاف والإصلاح الزراعي، كل منهما على حدة، والتأكيد على اتخاذ الإجراءات العاجلة لإزالة أي تعدٍ موجود، مع ضرورة اعتماد الأمانة والكفاءة والنزاهة في تحصيل المستحقات لدى الغير، والإنجاز المتتابع في تحقيق الأرباح والإيرادات، وسرعة تحصيل أي متأخرات مالية، إضافة إلى مراجعة الأحكام واجبة النفاذ والتعويضات المستحقة، ووضع آلية للمتابعة والتفاوض مع الحفاظ على الزراعة والمزارعين.

ولابد أن نشير هنا إلى ضرورة الاستمرار في مشروع  ميكنة الهيئتين إلكترونيًّا بمعرفة هيئة المساحة ووزارة الاتصالات، وتنفيذ قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي رقم 300 لسنة 2016، بشأن حصر جميع أملاك هيئة الأوقاف المصرية، وإنشاء أرشيف إلكتروني لحفظ الحجج والخرائط وممتلكات الهيئة، وذلك بالتعاون مع الهيئة المصرية العامة للمساحة، ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مع ضرورة استمرار عملية حصر جميع أملاك هيئتي الأوقاف والإصلاح الزراعي بجميع أنواعها «الأراضى الزراعية - المبانى - المشروعات - مساهمات الشركات» وما عليها من مخالفات وتعديات، وذلك من خلال أرشيف إلكتروني معتمد على قاعدة بيانات ديناميكية تضم جميع المستندات الرسمية».

ويحسب لهيئة الأوقاف بالتعاون مع هيئات الدولة، بأعمال الحصر والرفع المساحي وإعداد قاعدة بيانات جغرافية متكاملة وإعداد أطلس الأوقاف بعدد 92 مجلدًا لمقارنة أملاك «الأوقاف» سنة 1924 مع الوضع الحالي، سواء داخل مصر أو خارجها وأبرزها بالخارج وقف أسرة (محمد علي) باليونان والمدرسة البحرية على بحر إيجه وقصر ومبنى بجزيرة تشيوس باليونان بمساحة 11 ألف متر، ومجمع معماري ضخم يُعرف باسم «الإيمارت».

حقيقة نحن بحاجة إلى ضرورة استمرار إصلاح الهيئتين وإدارتهما بشكل سليم، مع الاستعانة بخبراء اقتصاديين،‎ خاصة أن هيئة الأوقاف تمتلك أكثر من265 ألف فدان، وأكثر من 125 ألف وحدة عقارية، وأن قيمة محفظتها تقدر بـ 5 تريليونات جنيه في الوقت الحالي بعد تضاعف قيمتها وفق معدلات ‏التضخم، والتي كانت قد بلغت خلال عام 2019 ما يتجاوز تريليون ونصف جنيه، مع وجود 37 ألف حالة تعدٍ على أراضي الأوقاف؛ نتيجة عدم استغلالها بالشكل الأمثل، علاوة على وجود تعديات بالهيئة العامة للإصلاح الزراعى على الأراضى الزراعية التابعة لهيئة الإصلاح من الأراضي الخصبة ما يزيد على 110 آلاف حالة على مساحة تزيد على 5 آلاف فدان  طبقًا لآخر تقرير نشرته هيئة الإصلاح الزراعي، ونحن لا ننكر أنه ربما يكون تم اتخاذ إجراءات لإزالة جزء من هذه التعديات، ولكن ليس بما يوازي هذه الاعتداءات، بل تحول جزء كبير منها إلى أمر واقع، وتحول معظمها إلى منازل سكنية ومشروعات، الأمر الذي يهدد بالقضاء على الرقعة الزراعية الخصبة، ويؤثر على الإنتاج الزراعى من المحاصيل خاصة المحاصيل الإستراتيجية من الحبوب.

وفي النهاية فنحن لا ننكر الجهود المبذولة من جانب الدولة ومسئولي الهيئتين، ولكننا نريد سد الثغرات الموجودة، واستعادة حق الدولة، خاصة ممن يتربحون من ذلك، ومراجعة كل القرارات والإجراءات التي ساهمت في استغلال البعض لهذه الملكيات، وتحقيق ثروات طائلة من وراء ما لا يمتلكون، مع الحفاظ على حق المواطن البسيط وعدم تسليط القانون على رقبته وحده، وترك حيتان الأراضي ينهبون ويسرقون من مقدرات الدولة وممتلكاتها وخيراتها بلا وازع ولا رادع.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة