Close ad

مهزلة أخلاقية جديدة

11-8-2024 | 17:06

ما أكتبه الآن، أسجله وأنا في قمة الاستياء والحنق على ما نشاهده على وسائل التواصل الاجتماعي، وما وصل إليه سلوك طلابنا خريجو الجامعات في مظاهر الاحتفال بتخرجهم، منظر مهين، ومشين، غير أخلاقي، مستفز، أصبح دَيْدَن ما نشاهده بحفلات تخرج طلاب الجامعات، ألا وهو رقص الطلبة والطالبات على (واحدة ونص)، من تحت المنصة، وحتى وصولهم إلى المنصة أمام العلماء الذين سيكرمونهم، في رقص مبتذل على أغاني ما يسمى بالمهرجانات المتخلفة، لفظًا، وأداءً، وموسيقى.

إذ انتشر أمس الأول على مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو مستفز يوثق قيام طالب بكلية التجارة بالزقازيق بوصلة رقص، على إحدى أغاني المهرجانات، أمام أساتذة كليته وزملائه بالكلية، أثناء الاحتفال بتخرج الدفعة وتسلمه شهادته، حيث أعرب الكثير من المتابعين عن استيائهم لتصرف الطالب.

هذا الفعل لم يكن الأول من نوعه، بل أصبح -كما قلت- ديدن حفلات تخرج الطلاب في جامعاتهم، وسبقه واقعة رقص الطالبة المعروفة إعلاميًا باسم "طالبة جامعة أسيوط"، وقد تعرضت هي الأخرى لانتقادات شديدة، بعد تداول عدد من النشطاء مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت خلاله وهي ترقص على أغاني المهرجانات خلال حفل تخرجها، وكذلك طالبة النوبة التى أشعلت مواقع التواصل برقصها على أنغام الفلكلور النوبي، مرتدية زيًا مفتوحًا لا يليق بقدسية وحرم الجامعة، وكذلك ظهور فتاة في مقطع فيديو، وهي ترقص رقصًا، مثيرًا، غير لائق وسط زملائها من الشباب، بحفل تخرجها في كلية التمريض بأكاديمية قناة السويس للعلوم المتطورة في الإسماعيلية.

إضافة لما رأيته بعيني بمقطع فيديو متداول ومنتشر لولي أمر، وهو يؤدي وصلة رقص مبتذلة في حفل تخرج ابنته، والأمثلة كثير، وما عليك سوى البحث عن مقاطع لهذا على وسائل التواصل الاجتماعي، وسترى العجب العجاب المخزي والمؤسف، لقيمنا، وتقاليدنا، وعاداتنا الأصيلة.

ولرب ضارة نافعة، فبعد انتشار هذا المقطع المهزلة لطالب تجارة الزقازيق، هبت الأصوات الغيورة على قيم، وتقاليد، وأعراق، وأعراف مجتمعنا، وتربيتنا، وجامعاتنا، في الذود عنها، والمطالبة الجادة والحثيثة بالعودة إلى مكارم الأخلاق، ومكانة وقدسية وحرم جامعاتنا وعلمائها وزيهم العلمي الموقر، فكان أن قررت جامعة الزقازيق، إحالة الطالب صاحب الواقعة للتحقيق، مصدرة بيانًا قالت فيه: إنه إيماء إلى الفيديو المتداول على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حول واقعة تجاوز أحد الخريجين، والخروج عن التقاليد والأعراف الجامعية بإحدى حفلات التخرج بقاعة الاحتفالات الكبرى باستاد جامعة الزقازيق… مؤكدة أهمية التمسك بالتقاليد والأعراف الجامعية، والأخلاقيات والآداب العامة بالمجتمع، والتي يتم ترسيخها في نفوس أبنائها من الطلاب والطالبات، منوهة أن هذه الواقعة هي تصرف فردي للتعبير عن فرحة طالب بتخرجه، معترفة بأنها خرجت عن السياق العام والمألوف، بشكل لا يتوافق مع خصوصية، ومكانة الجامعة كبيت للعلم والعلماء، وبناء على ما سبق تم بحث الموضوع، وإحالته للتحقيق".

كما كتب وعلق الغيورون الكثيرون من علمائنا، أساتذة الجامعات، وعمداء الكليات المختلفة -وعبر صفحاتهم الشخصية- بالسوشيال ميديا، مقالات وكلمات، تستنكر ما فعله الطالب وأقرانه ممن سبقوه، في مشهد بات مألوفًا، بل وأضحى حقًا مكتسبًا لهم تحت دعاوى "فرحانين بالتخرج، لم يفعلوا شيئًا مشينًا، ده رقص بريء وفلكورى"، وغيرها من الدعاوى والمبررات السامة، الهدامة، المستفزة، إذ الذي تعلمناه صغارًا وتربينا عليه أن: "العيب عيب، والصح صح"، ولا وسط بينهما.

وكم كانت كلمات فضيلة الدكتور عباس شومان أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف هي الأخرى؛ ممثلة ومعبرة عما يجول في خاطرنا وعقولنا جميعًا، حين صرح بأن ما يحدث في حفلات التخرج تجاوز كل الحدود، ليس من الخريجات والخريجين فقط، ولكن من بعض أولياء الأمور، وبعض هيئات التدريس.

الجميل فى الأمر أن هذا المشهد المستفز فجر بركان -ليس فحسب- علمائنا الجامعيين الغيورين، بل بعض نوابنا أيضا بمجلس النواب، الذين تقدموا باقتراح برغبة، إلى الدكتور حنفي جبالي، رئيس المجلس، موجه إلى وزير التعليم العالي أيمن عاشور، لإصدار قرار وزاري مُلزم للجامعات في مصر، بحظر الرقص في حفلات التخرج السنوية.

ووجه الدكتور محمد كمال، أستاذ مساعد القيم والأخلاق بجامعة القاهرة، رسالة لوزير التعليم العالي، وأمين المجلس الأعلى للجامعات بشأن حفلات التخرج في الجامعات المصرية، وانتشار هذه الظاهرة خلال هذه الفترة، موضحًا لهما أن قانون تنظيم الجامعات حرص على الاهتمام بالجوانب الأخلاقية، بنص المادة 1 الداعية إلى اهتمام الجامعات بالتقاليد الأصيلة للمجتمع المصري، والمستوى الرفيع للتربية الدينية والخلقية والوطنية، كما نصت المادة 124/ 3 من اللائحة التنفيذية على أن قيام الطلاب بأي فعل يتنافى مع الشرف والكرامة، أو مخل بحسن السير والسلوك داخل الجامعة أو خارجها مخالفة تأديبية، وألزم القانون في مادته 96 أعضاء هيئة التدريس بالتمسك بالتقاليد والقيم الجامعية الأصيلة، والعمل على بثها في نفوس الطلاب، وعاقب القانون في المادة 110/ 4 بالعزل من الجامعة كل عضو هيئة تدريس يقوم بفعل يزدري بشرف عضو هيئة التدريس، أو من شأنه أن يمس نزاهته وكرامته وكرامة الوظيفة.

ختام قولي: نحن لا نحجر على الفرحة والابتهاج بالنجاح والتخرج، لكن ما نراه من هذه المهازل، تحتاج من كل غيور على المجتمع بتقاليده وأخلاقه، والتعليم بعراقته ومكانته، لوقفة جادة، لمخالفته كل هذه القيم، كمجتمع شرقي محافظ، وعاداته، وتقاليده، وأعرافه الاجتماعية.. فالأمر استفحل، وزاد على حده، وأصبحت صورتنا عالميًا على وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الشكل مزرية، فقط نريد حفلات للتخرج خارج الجامعات لا تتضمن أمورًا غير لائقة، ولا تتعارض مع الدين والقيم والعادات والتقاليد.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
رؤساء الهيئات الإعلامية والصحفية.. عندما تتحدث الإنجازات

ثمة حقائق نؤمن بها دائمًا، تكون نورًا وبرهانًا هاديًا لنا فى مسيرتنا الحياتية والعملية، من هذه الحقائق سنة التغيير والتبديل، التي تنتهجها دولتنا المصرية

علو الهمة.. لهيب الحياة ونور الطريق

من الصحابيات الجليلات اللواتي كان لهن مواقف مشهودة فى الإسلام وأكثرهن كذلك- الصحابية الجليلة الشفاء بنت عبدالله القرشية ، هذه المرأة التى شرفت بكونها

اللاجئون في يومهم العالمي

بعد أحداث الحرب العالمية الثانية المفزعة، ونتائجها وتداعياتها التي قلبت مصير العالم، ومنها البؤس الإنساني بشتى وجوهه، التي طال أغلب بقاع الأرض، كان الهرب