الأسبوع الماضي، وبالتحديد يوم الإثنين استيقظ العالم على إعصار ضرب أسواق العالم، وكبدها خسائر قدرت بنحو ٦ تريليونات دولار، ومن لطف الله لم يستمر هذا الإعصار المالي طويلا، وسرعان ما تم احتواؤه وعادت الأسواق إلى طبيعتها، لكن لم يترك المحللون ولا صناع القرار هذا الحدث المخيف يمر دون التوقف عند أسبابه وتداعياته واحتمالات تكراره والتحوط منه.
وهناك مثل شعبي شهير يقول ربنا يكفينا شر المستخبي، وهذا المثل ربما يتطابق مع ما يمر به العالم، وما يحدث في منطقتنا من تطورات تحمل شرورًا تطالنا نيرانها ونكتوي بتداعياتها، وهو ما حدث بالفعل منذ العدوان الإسرائيلي على غزة.
ولا شك أن ما حدث يوم "الإثنين الأسود"، حسب ما أطلق عليه إعلاميًا، كان بمثابة جرس إنذار شديد الصوت وقوي الصدى للحكومات والمستثمرين وكل المتعاملين، بأن الأيام والشهور المقبلة ربما تحمل شرورًا اقتصادية تعصف بالأسواق، وأن الدول والحكومات والقائمين على السياسات النقدية والبنوك المركزية عليها أن تسارع وتتحوط لمثل هذا اليوم وتلك الأحداث التي قد تطرأ.
ولعل ما يبعث على القلق، أن أسباب ما حدث في "الإثنين الأسود" لاتزال غير واضحة، أو بمعنى آخر لاتوجد أسباب عليها إجماع من الخبراء، فهناك من أرجعها إلى تقارير تحمل مؤشرات غير مطمئنة عن الاقتصاد الأمريكي، وترجح دخوله إلى مرحلة من الركود، وهناك من يرجعه إلى تعثر قطاع التكنولوجيا وتعرضه لخسائر جسيمة، فيما ذهب فريق ثالث إلى أسباب جيوسياسية؛ وفي مقدمتها تصاعد التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط، الذي يجعلها مرشحة لنشوب حرب إقليمية.
وفي تقديري أن كل هذه الأسباب جميعها تجعل منها محفزا لأزمة اقتصادية ربما تكون أشد ضراوة وأكثر خطورة من سابقتها وهو ما يتطلب كل تحرك مسئول يحصن الاقتصاد من هذه التداعيات ويقلل من وطأة هذه التطورات.
ووفق تصريحات السيد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي الأربعاء الماضي فإن الاقتصاد المصري استطاع امتصاص صدمة "الإثنين الأسود"، ونجحت سياسة البنك المركزي في تحجيم خروج جزء محدود من الأموال الساخنة لم يتجاوز ٨% فقط، ولم يتأثر الاحتياطي النقدي بهذه التطورات.
لكن رئيس الوزراء كان أيضًا واضحًا وصريحًا، ولم يغفل تداعيات ما قد يحدث في المنطقة والعالم في ظل التطورات المتلاحقة للصراع الدائر في المنطقة، وتصاعد احتمالات اتساع دائرته إلا أنه بعث برسالة طمأنة تؤكد أن الأوضاع الاقتصادية في مصر تسير في مسارها الصحيح، وأن مصر لديها من الاحتياطي النقدي ما يدعم الاقتصاد ولا يخلق طلبًا غير عادي على الدولار، أو يعيد السوق السوداء للعملة مرة أخرى.
وأعتقد أنها رسالة مهمة من الحكومة وجاءت في توقيتها؛ لقطع الطريق أمام المتلاعبين في سوق النقد الذين يجدون في مثل هذه الأحداث فرصة لترويج الشائعات، وخلق طلب وهمي على الدولار يجنون من خلاله أرباحًا طائلة، كما حدث في فترات سابقة.
المؤكد أن هناك تطورات وتداعيات، ولا أحد يعرف ماذا سيحدث غدًا إذا ما أخذنا في الاعتبار ما يشهده العالم من أحداث؛ ابتداء بالولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أكبر اقتصاد في العالم التي تمر بفترة انتخابات رئاسية، وهي غالبًا ما تكون فترة غموض وترقب، وما إذا كانت ستمر وتنتقل السلطة بسلاسة أم لا؛ حيث لا تزال أحداث اقتحام الكونجرس وتهديدات أنصار المرشح الجمهوري دونالد ترامب تبعث برسائل غير مطمئنة.
كما أن تطورات الحرب على غزة، وكذا حرب روسيا وأوكرانيا تلقي بظلال قاتمة على الأوضاع الاقتصادية الدولية، وتجعل الأيام والشهور المقبلة حبلى ربما بمفاجآت غير سارة، وما حدث يوم "الإثنين الأسود" ما هو إلا نذير يجب التوقف عنده والأخذ بأسباب عدم تكرار تداعياته، وأحسب أن الاقتصاد المصري يمتلك من المقومات والركائز التي إذا ما تم تعظيمها سوف تدعم قدرته على امتصاص الصدمات وتجاوز الأزمات.
ولعل ما تقوم به الحكومة من تحركات مكثفة لتوطين الصناعة وزيادة معدلات الإنتاج والتصدير يعد في مقدمة السياسات التي توفر للاقتصاد القومي درعًا قوية في مواجهة الأزمات الوافدة من الخارج وما أكثرها هذه الأيام.
[email protected]