تعمدت وضع فلسطين وليس غزة وحدها في العنوان؛ فطوفان الأقصى شمل كل فلسطين ويؤثر على حاضرها ومستقبلها أيضًا..
وسأبدأ بالخسائر؛ فهي تشمل فلسطين كلها، وليس غزة فقط، وإن كانت الأخيرة لها النصيب الأكبر من الخسائر..
من أهم الخسائر معاناة عشرات الآلاف من الجرحي والمصابين والمفقودين ومعهم أسرهم وأحباؤهم، أما الشهداء فقد ارتقوا وهم أحياء عند ربهم يرزقون، ولن يكونوا من الخاسرين أبدًا بمشيئة الرحمن، فقد اصطفاهم الرحمن للشهادة، ويتقبل أسرهم شهادتهم "برضا" وطمأنينة، وإن غمرتهم مشاعر الحزن للفقدان بالطبع.
من الخسائر التي ستحتاج لوقت طويل وأموال كثيرة "لتعويضها"؛ تدمير الصهاينة للبنية التحتية لغزة تمامًا، كما تم تسوية غالبية المباني والمستشفيات والمدارس والمنازل بالأرض، بعد "تعمد" الصهاينة إنهاء كل إمكانية لعودة الحياة الطبيعية في غزة بعد انتهاء حرب الإبادة والتجويع والموت قصفًا أو جوعًا وعطشًا.
تعرض الغزاويون لكل أنواع التشريد بعد تعمد الصهاينة استنزافهم وإنهاكهم؛ فبعد محاولاتهم و"مجاهدتهم" للفوز بأي قدر من الاستقرار "والتكيف" في مكان تم إجبارهم على النزوح إليه؛ يباغتهم الصهاينة بحتمية النزوح لمكان آخر، وتتكرر المآسي وتتضاعف المعاناة، وتبدأ من جديد محاولات "التعايش" مع النزوح الجديد وتحمل أقصى الوجع "وتنفس" الصبر من جديد وزرعه في القلوب والعقول.
في الضفة الغربية والقدس، هناك خسائر من نوع آخر؛ فقد "ابتلع" الصهاينة الكثير من أراضي الضفة، واستغلوا طوفان الأقصى واستولوا على بعض أموال السلطة الفلسطينية، وأحرق "المغتصبون" -أو كما يُطلقون على أنفسهم- المستوطنون مزارع وبيوت وسيارت لفلسطينيين في الضفة.
وفي القدس تهدمت بيوت منفذين عمليات طعن لصهاينة، وزاد الصهاينة من التضييق على المقدسيين في كل تفاصيل حياتهم..
نصل للمكاسب وأولها إحياء قضية فلسطين ومنع وأدها؛ كما كان مخططًا لها منذ أعوام طويلة، وعادت لتحتل "بقوة" صدارة الاهتمام في العالم؛ ليس بوصفها مشكلة تخص بعض اللاجئين الفلسطينيين الذين يريدون العودة لوطنهم، أو لأقلية تبحث عن "تحسين" لوضعها تحت الاحتلال الصهيوني؛ بل عادت كقضية "شعب" يناضل بشجاعة غير مسبوقة أطفاله ونساؤه ورجاله وشيوخه جنبًا إلى جنب مع مقاومته التي "انتزعت" إعجاب العالم ببسالتها "ووضعها "جيش الصهاينة"؛ في أكبر "مأزق" يعيشه منذ عام 1948..
فلم يحقق أي نصر في غزة بعد أكثر من عشرة أشهر على الحرب، "ولا" يبدو أنه سيحققه بمشيئة الرحمن؛ رغم المجازر والمذابح المتكررة، ولا يستطيع إنهاء الحرب حتى لا يعترف "بهزيمته"، رغم وقوف أمريكا والغرب بجانبه عسكريًا واستخبارتيًا وماليًا وإعلاميًا..
ولأول مرة نسمع كلامًا مثل أن الصهاينة يواجهون تهديدًا وجوديًا على لسان قادتهم، ونسمع انتقادات علنية أثناء الحرب لرئيس وزراء، والمطالبة باستقالته وحدوث مظاهرات كثيرة ضده..
قال ناحوم برنيع في يديعوت أحرنوت: "نتنياهو الجديد من إدارة المخاطر إلى إدارة القمار".
ولأول مرة تنضم جبهات أخرى لمساندة غزة كحزب الله والحوثيين في اليمن والعراق، ووجدنا في الصهاينة من يعلن عن "خوفهم" من ذلك خاصة بعد اغتيال كل من إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وفؤاد شكر القائد العسكري الكبير في حزب الله.
وسيسجل التاريخ قول يوآف غالانت وزير الدفاع الصهيوني: "عدونا يحاول زرع الخوف، والرد على هذه المحاولات هو أن نعيش حياتنا بشكل طبيعي، ونحن سنقدم إنذارًا في حال اندلع شيء ما".
بينما قالت يديعوت أحرونوت: "شبه هلع يسيطر على أجزاء كبيرة من الجمهور الإسرائيلي".
من المكاسب المهمة؛ تغير رأي غالبية الشعوب في العالم، وتعاطف عالمي غير مسبوق من جميع الأعمار، وليس في الجامعات فقط، فرأينا كبار سن ينضمون لمظاهرات، بل وفنانين عالميين؛ ومنهم من حصل على الأوسكار، وفي مهرجانات سينمائية عالمية تم رفع علم فلسطين، لأول مرة، أو ترديد فلسطين حرة.
من مكاسب فلسطين والمقاومة أخلاقيًا فوزهم على الصهاينة؛ ويكفي مشاهد الأسرى الصهاينة وهم يغادرون الأسر ويبتسمون لمن "أسروهم" بود واحترام وظهورهم على الشاشات وهم "يشيدون" بحسن معاملة حماس لهم، ومنهم من أخذت كلبها معها في الأسر واعتنوا بها وبكلبها..
بينما ينكل الصهاينة بالأسرى الفلسطينيين؛ ومنهم من تعرض لبتر الأقدام، وكلهم فقدوا الكثير من أوزانهم، وتغيرت ملامحهم، وبعضهم تعرض للاغتيال داخل سجون الصهاينة.
من مكاسب فلسطين انتصار المقاومة عسكريًا وسياسيًا على الصهاينة، وقد سجلت المقاومة المئات من الفيديوهات التي "توثق" تفوقها العسكري على الصهاينة، بينما لم يقم الصهاينة غير بتصوير مشاهد تدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، ومشاهد لجنود صهاينة يتبولون على جثث شهداء من غزة، وأخرى لجنود يرتدون ملابس داخلية نسائية في بيوت من غزة بعد اقتحامها وسرقتها؛ وهو ما يمكن لأي لصوص فعله، وليس جيشًا تساعده وتمده بالجنود والعتاد أقوى دول العالم.
كما تضاعفت أعداد الجنود الصهاينة الذين يرفضون العودة للخدمة في غزة، وكثيرون أصبحوا مرضى نفسيين، ومنهم من صرحوا بأنهم لا يستطيعون النوم ليلًا، ويصرخون رعبًا ويتبولون على أنفسهم!!
سياسيًا عادت غزة لتحتل الصدارة ولتسجل صمودًا غير مسبوق في تاريخ الصراعات في العالم، وتنال "احترام" شعوب العالم، ولأول مرة تجتمع محكمة العدل الدولية؛ لإدانة الصهاينة، وسمع العالم أسره ما يفعله الصهاينة في غزة!!
من المكاسب وحدة الفصائل الفلسطينية وتحديها للاحتلال، "وصمود" الشعب الفلسطيني، وتجديد عزيمته في النضال؛ لاسترداد فلسطين كلها والأقصى، ومنع هدمه، كما كان مقررًا قبل طوفان الأقصى.