طغت حوادث الاغتيالات على الحرب الدائرة في غزة منذ 10أشهر، وتعاقبت الأحداث والمفاجآت حتى خرجت عن الطبيعي، أو أي مجرى للأحداث، ثم أصبحت حرب الاغتيالات وأعقبتها حرب اختطاف ليس للرهائن أو لقتل الأشخاص فقط، بل لخطف المنطقة إلى مسار لا يعرف أحد نهايته، نحن لا نصف مسرحًا خياليًا من قصص ألف ليلة وليلة، أو قصص الحروب الطويلة التي هزت عالمنا، لكننا نصف مسرح الشرق الأوسط منذ أكتوبر 2023 حتى الآن.
مرت أشهر العام الراهن 2024، ثقيلة على كل أهالي هذه المنطقة من عرب وإسرائيليين وفرس وكرد وأتراك، وأخيرًا دروز، إلا أنهم أصبحوا جميعًا مشتركين في الآلام والأوجاع، التي تقتل الجميع، وتدفعهم إلى ما يسمى بحرب إقليمية دولية.
الرئيس الأمريكى وجد أن إسرائيل في مأزق كبير، فقرر حشد قواته وبوارجه وغواصاته الكبرى في البحار الأوسطية كلها، ولم يتوقف فأرسل أكبر جنرالاته كوريلا إلى إسرائيل، ليقود الترتيبات الميدانية في المنطقة وإطارها حشد التحالف الدولي الإقليمي، ليكون جاهزًا للعمل، إذا ما استدعت الضرورة ذلك، أمريكا والناتو والاتحاد الأوروبي، ستدخل معًا حربًا منتظرة في الشرق الأوسط، وقد تتطاير شرارات النيران إلى كل شبر في المنطقة العربية، حتى أن الرئيس التركي أردوغان هدد بضرب إسرائيل إذا لم ترتدع، وتوقف حربها ضد الفلسطينيين فى غزة؛ لأنه يدرك أن هناك معركة كبرى ستدور رحاها، وأن بلاده - تركيا- لن تكون بعيدة عن نيرانها.
المفاجآت هي سمة منطقتنا الآن، من صاروخ مجدل شمس،إحدى قرى الدروز، في الجولان المحتل، التي وجدها رئيس وزراء إسرائيل فرصة ذهبية لاختطاف المنطقة كلها، ومحاصرة إيران بجناحيها، فكانت مفاجأة اغتيال رأس حماس، هنية، في قلب طهران، وقبلها بساعات غارة أخرى فادحة فى قلب بيروت أو ضاحيتها تغتال (فؤاد شكر) وأراهنكم أن تجمعوا الصورة، فالأكيد لم يكن وراءها تخطيط بشري فقط، بل دخلت فيها العقول الصناعية “الذكاء الاصطناعي”، وأرجوكم أن تروا الصورة كاملة، فإذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة.
لذلك أشعر معكم بالعجز في أن أبحر في الصورة الكاملة في المنطقة العربية والشرق أوسطية التي يكاد أصغر عضو يغلقها كلها فى وجه الملاحة العالمية، ليؤثر على العالم ويدفعه إلى أن يمد بصره نحو ما يحدث في الشرق الأوسط الذي غطى على ما يحدث في أوروبا، خصوصًا فى الحرب الروسية - الأوكرانية التي توارت أمام أحداث المنطقة العربية.
وهكذا أثبتت الأحداث أن الشرق الأوسط أعمق تأثيرًا في الإستراتيجية العالمية من أوروبا وآسيا، أو قلب أوروبا أو الصراعات في بحر الصين بين أمريكا والصين على تايوان، ماذا سيحدث في مسرحنا العسكري، هل ينفجر؟!
هل هناك ارتباط بين ما يحدث في الانتخابات الأمريكية وفي مسارح الحرب في منطقتنا، سواء في غزة أم جنوب لبنان، وصولًا إلى سوريا والبحر الأحمر في اليمن، أو قلب طهران، وما يجري حول كرسي إمبراطور أمريكا الحالي في البيت الأبيض.
هل هناك عقل يدرك ما يحدث ويخطط له ونحن لا ندرك كنهه حتى الآن، أو أن هذا المسرح نبهنا للمفاجآت المدوية كما نرى.
كل ما نراه أن الدماء العربية الفلسطينية تسيل في غزة كل يوم، ولا يشفق عليها أحد، وأن ضمائر العالم سكتت عن قتل الاطفال وهدم المدن.
مازالت الدول العربية المتابعة لأحداث غزة أو المجموعة السداسية، مصر والسعودية والإمارات وقطر وفلسطين والأردن، قادرة على دفع الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات، وأن ينتقل المسرح بديلًا عن الصواريخ والمسيرات والاغتيالات إلى الحسابات والعقول، والتسليم بأن الحروب لا يلجأ إليها إلا ناقصو العقول والمجانين والمتهورون، لكننا في عصر جديد مختلف، تقوده العقول الجامدة والتكنولوجيا المتطورة، التي لا تستطيع أن تلجم السفهاء والمجانين وتدفعهم إلى التفكير العقلاني، بعيدًا عن الحروب العبثية وضياع الأرواح والأموال والأهداف، وتدمير الكيانات وصناعة الكراهية.
هل مازلنا نحلم تحت وقع المفاوضات؟!