Close ad

بين الأساطير والتاريخ والسينما.. هل قدم المصريون "عرائس النيل" للنهر الخالد؟| صور

9-8-2024 | 11:01
بين الأساطير والتاريخ والسينما هل قدم المصريون  عرائس النيل  للنهر الخالد؟| صورلوحة تظهر احتفال المصريين بعيد وفاء النيل
محمود الدسوقي

يعتبر فيلم  "عروس النيل" أحد أهم أفلام السينما التي حظيت باهتمام صناع الدراما على مر العصور، فـ"هاميس" أو "عروسة النيل" تلك الشخصية التي تجسد المرأة المصرية بجمالها وقوتها وشخصيتها الفريدة، ألهمت العديد من الكتاب والمخرجين لتقديم أعمال درامية تتناول قصتها وحكاياتها.

موضوعات مقترحة

فنجد في فيلم "عروس النيل" الذي تم عرضه عام 1963م، بطولة لبنى عبد العزيز ورشدي أباظة ومن إخراج فطين عبد الوهاب، الجيولوجي "سامي ـ رشدي أباظة" يذهب إلى الأقصر لمتابعة عمليات التنقيب عن البترول بالقرب من منطقة المقابر الأثرية. 

ويُمنع سامي من التنقيب على أساس أن المنطقة تستخدم كمقبرة لعرائس النيل، وبعدها يرى سامي فتاة جميلة في زى عروس النيل تدعى "هاميس"، وتطالبه على الفور بوقف الحفر، وأخبرته أنها ابنة آتون إلة الشمس، وآخر عروس للنيل، وأن والدها أرسلها إلى الأرض لتمنع انتهاك حرمات مقابر عرائس النيل.

ومنذ عرض الفيلم حتي وقتنا الحالي وأغلب الناس مقتنعين تماماً أنه كانت هناك عرائس جميلة تُلقى في نهر النيل، وأن "هاميس" التي قامت بدورها الفنانة لبني عبد العزيز، هي بالفعل آخر عروس للنيل. 


الفنانة لبنى عبد العزيز في فيلم عروس النيل عام 1963م

بدوره يقول الدكتور محمود حامد الحصري، مدرس الآثار بجامعة الوادي الجديد لـ"بوابة الأهرام"، أن مؤلف الفيلم بنى قصته على معلومة تاريخية قد يكون أغلبها من وحي خياله، أو أنه اعتمد على روايتين، الأولى أوردها المؤرخ الإغريقي بلوتارخُس Plutarch، والتي تقول أن إيجبتوس ملك مصر أراد اتقاء كوارث نزلت بالبلاد، فأشار إليه الكهنة بإلقاء فتاة في النيل ففعل، ثم لحق به ندم شديد فألقى بنفسه وراءها.

أما الرواية الثانية فتعود إلي العصر الإسلامي، حيث أورد المؤرخ أحمد بن إياس الحنفي في موسوعته "بدائع الزهور في وقائع الدهور"، أنه في سنة 23هـ، جاء جماعة من الأقباط إلى عمرو بن العاص والي مصر وقالوا له:"أيها الأمير إن لنيلنا "سُنة" في كل سنة لا يدري إلا بها، فقال لهم فما هي؟، فقالوا إذا اثنتي عشرة ليلة تخلو من بؤنة من الشهور القبطية عمدنا إلى جارية بكر وأخذنها من أبويها غصبًا، وجعلنا عليها الزينة، ثم نُلقيها في النيل في مكان معلوم عندنا، ولهذا فإن نيل مصر محظوظ باحتضانه آلاف البنات والفتيات الجميلات اللاتي تم إلقاؤهن في مياهه؛ كي يفيض بالخير والخصوبة على مصر".

عيد وفاء النيل 

ويوضح الحصري، أن عيد وفاء النيل أو فيضان النيل كان من الاحتفالات الهامة في مصر القديمة، حيث كان يُحتفل به عند ارتفاع منسوب مياه نهر النيل إلى الحد الأقصى. وكان هذا العيد يُعتبر بمثابة بداية السنة الجديدة للمصريين القدماء.

و"فيضان النيل" يعني أن النهر يمتلئ بالكم الكافي من المياه كل عام، حيث يحتفل به المصريون كعيد سنوي لمدة أسبوعين بدءاً من 15 أغسطس، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن سبب هذا الفيضان من كل عام هو دموع إيزيس حزناً على وفاة زوجها أوزوريس.

لوحة تظهر احتفال المصريين بعيد وفاء النيل

أساطير وفاء النيل

ومن أهم الأساطير المرتبطة بعيد وفاء النيل، هي أن المصريين القدماء كانوا يقدمون للنيل المتمثل في الإله "حعبي" في عيده فتاة جميلة، وكان يتم تزيينها وإلقاؤها في النيل كقربان له، وتتزوج الفتاة بالإله "حعبي" في العالم الآخر، إلا أنه في إحدى السنين لم يبق من الفتيات سوى بنت الملك الجميلة، فأشار عليه الكهنة أن يلقوها في النيل، فحزن الملك حزناً شديداً على ابنته، ولكن خادمتها كانت تحبها حباً شديداً، فقامت بإخفاء الأميرة، وصنعت عروسة تشبهها من الخشب، وفي أثناء الاحتفال ألقتها في النيل دون أن يتحقق أحد من هذا الأمر، وبعد انتهاء الحفل أعادت الخادمة الأميرة لوالدها الملك الذي أصابه الحزن الشديد والمرض على فراق ابنته.

 ويضيف الحصري،  لقد رجح بعض الباحثين أن تكون هذه الواقعة حدثت بالفعل في مصر القديمة ثم تلاشت بعد ذلك، والبعض الآخر نفي حدوث تلك الواقعة من الأساس. وبالنسبة لأسطورة عروس النيل لا أحد يعرف إذا كانت موجودة فعلاً أو لا أو إن كان لها أصل مصري، لأنه لم يوجد أي نص يوضح ذلك الأمر، إلا أنها فقط أسطورة نسجها خيال المصري القديم تقديراً منه لمكانة النيل، ورغم ذلك عاشت تلك الأسطورة في خيال ووجدان المصريين وتناولها الأدباء والكتاب والسينما، وما زالت تتردد حتى الآن كواقع لدي الكثير من الناس، وهي أنه كل عام، كان المصريين القدماء يرمون عروسة حية في النيل ليرضوه، لكن المؤكد أن الأسطورة هي مجرد حكاية نسبت لمصر خطأ لأن الثابت تاريخياً أن ديانة المصريين ما كانت تسمح بتقديم قرابين بشرية. 

هل عرف المصريون فكرة "القرابين البشرية"؟ 

  لم يكن المصرين القدماء يضحون بالبشر، على عكس بعض الحضارات القديمة الأخرى. فكانت ممارسة التضحية البشرية نادرة جداً وخاضعة لقيود صارمة، وبشكل عام كان المصريون يفضلون التضحية بالحيوانات والممتلكات الثمينة للآلهة، وهذا ما وضحته المناظر المصورة علي جدران المقابر والمعابد التي أوضحت قوائم القرابين المختلفة التي قدمها المصريين القدماء للآلهة، ويقص الله علينا في كتابه الكريم قصة سيدنا إسماعيل الذي افتداه الله ـ سبحانه وتعالى ـ بكبش عظيم، بعدما كاد والده سيدنا إبراهيم أن يذبحه.

ويذكر عالم المصريات الإنجليزي فلندرز بتري Flinders Petrie، أنه قام بالحفر عن مقابر ملوك الأسرة الأولى بمقابر أم الجعاب Umm el-Qaab في أبيدوس بسوهاج، وقد وجد أن هناك مقابر فرعية حول مقبرة الملك الرئيسية، ويوجد داخل هذه المقابر دفنات عشوائية، وبعد فحصها اتضح أنها تضحيات بشرية، ولكن بعض العلماء رأوا أن هذه الأدلة تشير إلى أنهم لم يقتلوا لكي يدفنوا بجوار الملوك، ولكنهم قاموا بعملية انتحارية لكي يدفنوا بجوار الملك ليعيشوا معه في العالم الآخر. وقد نشر بتري Petrie كل هذه الأدلة، وقام كثير من المصريين، بل والأجانب، بمهاجمته وإنكار هذا الموضوع تماماً، بل قالوا أنه حاول أن يقلل من عظمة الحضارة المصرية القديمة. 

ويقول محمود حامد الحصري  أن عالم الآثار الألماني غونتر درير Günter Dreyer جاء ليعيد تلك الحفائر بمقابر أم الجعاب، وليؤكد هذه الحقيقة تماماً، وللأسف فهي غير مقبولة لدي العديد من الأثريين.

أشكال الاحتفال بوفاء النيل 

كان نهر النيل بالنسبة للمصريين القدماء أكثر من مجرد نهر، فهو كان رمزاً للحياة والخصوبة، ومصدراً لكل خير، لقد اعتبروه إلهاً يدعى "حابي"، وكانوا يقدسونه ويقدمون له القرابين والشعائر، وكان المصريون القدماء يحتفلون سنوياً بفيضان النيل، والذي كان يحدث في شهر يوليو أو أغسطس.

وكانوا يطلقون على هذا الفيضان اسم "الفيضان العظيم"، وكانوا يعتبرونه هبة من السماء. وكان الفيضان يجلب معه الطمي الخصب، الذي يغطي الأراضي الزراعية، مما يجعلها صالحة للزراعة وإنتاج المحاصيل، وكان الفيضان يضمن توفر المياه اللازمة للشرب والري، وبالتالي استمرار الحياة. 

وكانت تقام مواكب ضخمة تشارك فيها جميع طبقات المجتمع، حاملة التماثيل والأواني المقدسة، وكانت تقدم قرابين من الطعام والشراب والزهور للإله حابي، وكان العيد والمهرجان يستمر ويمتد لعدة أيام، تتخللها الرقصات والأغاني والمسابقات، حيث جمع هذا العيد المصريين من جميع الطبقات والأعراق؛ مما يعزز الروح الوطنية والانتماء.. لقد كان وفاء النيل أكثر من مجرد احتفال، بل كان تجسيداً للعلاقة الوثيقة بين الناس ونهر النيل على مر السنين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة