في أحد المشاهد التي يتعجب منها البعض، في أحد الأفلام القديمة، للص يتسلق المواسير، وآخر ينزل عليها، فيتقابلان ويتعارفان، ويقول الهابط للصاعد: "ربنا معاك"؛ باعتباره أنجز مهمته بنجاح، فيدعو الصاعد ربه بستره!
لا خلاف على أن السرقة حرام، ولكن الخلاف على رؤية الحرامي للسرقة، فهو يرى أنه عمل، يتمنى من الله أن يتمه على خير.
هذا حال كثير من البشر، إنسان يسرق من آخر، ويتمنى أن يستره الله، وإنسان سٌرق، يدعو الله أن يسترد ما سٌرق منه.
وهناك المعتدلون، قانعين بما رزقهم الله، ويسعون دون كلل أو ملل للرزق، فما أتى به الله من حلال فهو طيب، ومبروك، تلك البركة كفيلة بأن تكون الحياة هنية، طيبة، ممتعة.
دعني أشرح لك؛ أسرة بسيطة، أب مكافح يعمل بمهنة تجعل دخله صغيرًا، له من الأبناء ثلاثة، تخرج الثلاثة في كليات مرموقة، يبرون أباهم وأمهم، ويفتخرون بهما أمام الملأ، باعتبارهما أحسنا تربيتهم، تلك الأسرة البسيطة المكافحة، كانت تحوطها بركة الله من كل جانب، وكانت كفيلة بحفظهم وسترهم، ومن ثم تحققت آمال الأب والأم في أبنائهما.
أسرة ثانية، مختلفة تمامًا، لأب يعمل في عمل مرموق جدًا، دخله كبير للغاية، له من الأبناء ثلاثة أيضًا، ولكن الأب ناقم دائمًا، يعتقد أنه يستحق مكانًا أفضل، رغم أنه في مكانه متميز جدًا، ومن ثم متأفف غير راضٍ، عن عمله ودخله، الأبناء في مراكز علمية متدنية، يعتقد أنه بنفوذه يمكن أن يوفر لهم عملاً متميزًا دخلاً ومكانة، ولكن اعتقاده خاب، حينما فشل الأبناء فيما أسند إليهم من عمل، وبات عليه أن ينفق عليهم!
والنماذج المعبرة كثيرة غير متناهية، كلها ترسخ لفكرة أن القناعة بقضاء الله كنز من كنوز الجنة، ففي الأخير لن يصير شيء دون إرادته، وبالتالي، فالأمر أمره، واللجوء له، لأنه صاحب الأمر.
وفي محكم آياته قال الله تعالي: "وَعَسَي أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَي أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" سورة البقرة، الآية 216، وهذا دليل قوي على أن ما تكرهه قد يحمل لك خيرًا، ولأن فوق كل ذي علم عليم، وهو عالم الغيب والشهادة، فيقينك بالله كفيل بتهدئة روعك، والاقتناع بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك ما كان لصيبك. فلتهدأ.
وللحديث بقية ننهيها في المقال المقبل.
[email protected]