Close ad

مرض "نقص الطبيعة"

7-8-2024 | 15:54

التواصل مع الطبيعة والتفاعل مع مفرداتها، هو أحد أسس السلامة النفسية والصحة العقلية، هكذا يرى ويعتقد خبراء التربية وأخصائي العلوم السلوكية والتواصل المجتمعي، ويؤكد هؤلاء أن غياب هذا التواصل، وإهمال التفاعل مع عناصر الطبيعة وغياب المساحات الخضراء، يولد المشاعر السلبية والتوتر، ويقلل من مستوى التركيز، كما يؤدي إلى تراجع الثقة بالنفس.

وتتزايد أهمية ما يقوله العلماء والخبراء، لأننا نعيش في بيئة رقمية لا نعلم إلى أين تأخذنا، لكننا نتيقن إلى أنها تأخذنا إلى المجهول، ونتعايش مع شرائحها وشاشاتها السالبة للسلامة النفسية، حيث نعمل ونتعلم جميعًا، كبارًا وصغارًا، في بيئة رقمية تلتهم أوقاتنا وتحجب العديد من الحواس البشرية من أجل التركيز على الشاشة أمام العيون وقضاء الساعات في حالة تيبس الحواس وحبس الفطرة الطبيعية.

والنظر والمشاهدة وقضاء اليوم كله، إلا فيما ندر، لرؤية آلاف المشاهد والتجارب المعلبة والمواقف عبر الشاشات، حيث يولد ذلك نوعًا يسمى بـ"ضريبة البعد عن الطبيعة"، وهو ما ينتج عنه تراجع استخدام الحواس، وصعوبات التذكر والانتباه، وارتفاع معدلات الأمراض الجسدية والعاطفية، وارتفاع معدل قصر النظر، وسمنة الأطفال والبالغين، ونقص فيتامين د، وغيرها.

وكما يفعل المد وتغير المناخ، ويؤدي إلى تآكل الشواطئ وتراجع اليابسة، فإن الحياة الرقمية تحمل مخاطر ضد الإنسان والطبيعة لا حدود لها، فقد بادر "الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة والموارد الطبيعية – IUCN"، بوضع إستراتيجيات تعليمية مختلطة تشمل التعليم البيئي، وطرق المعرفة المحلية، والتثقيف المناخي والتنوع البيولوجي، والتعليم من أجل التنمية المستدامة، والتعليم في الهواء الطلق والتعليم التجريبي، واليقظة، والتعلم الاجتماعي والعاطفي، وبرامج التثقيف البيئي والتعليم من أجل التنمية، والتعليم القائم على الطبيعة، الذي يعيد الطبيعة إلى جوهر التعلم.

يعيد الخبراء العالميون، تصور التعليم البيئي والمناهج التعليمية الحالية، بإعادة معالجة العلاقة بين الإنسان والطبيعة، باعتبارها نظامًا إيكولوجيًا شاملًا للتعليم القائم على الطبيعة.

ونتساءل: هل يعاني أطفالنا من اضطراب نقص الطبيعة، وهل هم في حاجة للحماية من اضطراب نقص الطبيعة، يشرح الخبير والعالم "ريتشارد لوف –  Richard Louv" كيف يمكن للآباء والمعلمين والعلماء مساعدة الأطفال على إعادة التواصل مع الطبيعة - قبل فوات الأوان.

يحذر لوف، المؤسس المشارك والرئيس الفخري لشبكة الأطفال والطبيعة ومؤلف كتاب Last Child in the Woods، The Nature Principle، وكتب عن أهمية الطبيعة للأطفال وما يفوتهم بقضاء الكثير من الوقت في الداخل، حيث ألهمت كتبه العديد من الآباء والمعلمين لدمج التجارب الخارجية بشكل أكثر تفكيرًا في الحياة اليومية للأطفال.

وينبه قائلًا: "يقضي أطفال اليوم وقتًا أقل وأقل في الهواء الطلق، وهذا يؤثر على صحتهم ورفاهيتهم. أظهرت الأبحاث أن الأطفال يقومون بعمل أفضل جسديًا وعاطفيًا عندما يكونون في المساحات الخضراء، ويستفيدون من المشاعر الإيجابية، والحد من التوتر، ومولدات الطبيعة لاستعادة الانتباه".

ولعل ما يحدث في حرب الاحتلال الصهيوني على غزة حاليًا، يجسد كيف تتعامد الطبيعة وتتحالف عناصرها مع أصحاب الأرض، رغم قلة عددهم وعتادهم وعدتهم، أمام قوى الاحتلال بمساندة ودعم العالم الغربي، كما يشرح ذلك أيضًا، ما يحدث في فلسطين المحتلة، فإن العلاقة الجيدة مع الطبيعة كانت دائمًا مع المقاومة، وهكذا يحدث مع كل حركات التحرر الوطني في العالم، فالمقاوم يلتحم مع مفردات الطبيعة، أما المحتل فإنه لا يحارب إلا من وراء جدر، داخل المدرعة أو في خندق، أو في برج مراقبة، ولا تراه في المشاهد المصورة، إلا هاربًا يلجأ للحماية هربًا من الطبيعة وأصحاب الأرض، والمقاوم يحافظ على كل ما هو قائم، من شجر أو حجر، أو طريق، أو أي ساتر، على النقيض منه المحتل، الذي يهدم ويحرق، وينسف، ويغتال البشر والحجر والشجر.

مع مرور الوقت، يتحول عرض"اضطراب نقص الطبيعة" إلى مرض، فهو ليس تشخيصًا طبيًا، ولكنه مصطلح مفيد لوصف ما يعتقد الكثير منا أنه ضريبة البعد عن الطبيعة، وتراجع استخدام الحواس، وصعوبات الانتباه، وارتفاع معدلات الأمراض الجسدية والعاطفية، وارتفاع معدل قصر النظر، وسمنة الأطفال والبالغين.

تشير الدراسات إلى أن التعرض المباشر للطبيعة يمكن أن يخفف من أعراض اضطرابات نقص الانتباه، وبالمقارنة، فإن الأنشطة في الداخل - مثل مشاهدة التليفزيون - أو الأنشطة في الهواء الطلق في المناطق الحضرية وغير الخضراء، تجعل هؤلاء الأطفال يعملون بشكل أسوأ، حيث ينفق الأطفال والبالغون، الذين يعملون ويتعلمون في بيئة رقمية مسيطرة، طاقة هائلة تحجب العديد من الحواس البشرية؛ من أجل التركيز بشكل ضيق على الشاشة أمام العيون.

وتوفر المساحة الخضراء بعض الفوائد للصحة العقلية والجسدية في المناطق الحضرية، يمكن العثور على المزيد من المناظر الطبيعية في حديقة، أو زاوية هادئة بها شجرة، أو عدة أواني بها خضراوات تنمو في الخارج، أو حتى مكان هادئ يطل على السماء والغيوم.
العودة إلى الطبيعة في جوهرها هي السلامة المطلقة، وهي العودة إلى الروح وإلى الحياة.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: