ليس هناك مجال للصدفة، فالمستقبل الذي ننتظره يمكن أن نصنعه بأيدينا عن طريق التخطيط ووضع الأهداف ثم اختيار أفضل وأسهل الطرق للوصول، لكن حتى تكون قادرًا على التخطيط الأفضل يجب عليك فقط أن تُضيف إلى قائمة اهتماماتكتخصصًا مهمًا يسمى "علم المستقبل".. ومن هذا الإطار انطلقت "وحدة الدراسات المستقبلية" من كلية الإعلام جامعة القاهرة، من أجل أن تشجع الشباب والمجتمع عمومًا على اكتساب مهارات التفكير والتخطيط للمستقبل بشكل علمي، حيث نجحت الوحدة في أن تتحول لمنصة حافلة بالأهداف والنشاطات التي لفتت الأنظار مؤخرًا عقب لقاء مؤسسيها وأعضائها-وهم أساتذة وعلماء وشباب- بالدكتور محمد عثمان الخشت- رئيس جامعة القاهرة-، فكيف بدأت هذه الوحدة وما أهدافها؟ وكيف تؤهل الشباب للتفكير والإعداد للمستقبل بشكل علمي ومدروس؟.. التفاصيل في سطور التحقيق التالي.
موضوعات مقترحة
في البداية، التخطيط للمستقبل يبدأ عمليًا بتحديد الأهداف بدقة، واتخاذ الخطوات المناسبة للوصول إليها خلال إطار زمني محدد، وذلك من خلال خطة محددة، وهذا المجال يفرض نفسه بقوة في الدول المتقدمة التي استطاعت أن تتحرر من عقدة البقاء في الماضي، لهذا تأتي هذه الوحدة لإلقاء حجر في الماء الراكد من أجل أن تلفت أنظار المجتمع حول أهمية علم المستقبل.
الرؤية والرسالة
وحول فكرة الوحدة وأهدافها وأهميتها للمجتمع، قالت الأستاذة الدكتورة عواطف عبدالرحمن- الأستاذ بقسم الصحافة، كلية الإعلام جامعة القاهرة، وصاحبة فكرة الوحدة-: إن الوحدة تسعى لنشر التفكير المستقبلي وتنشيط الوعي بالمستقبل نفسه، لأن كل الوعي السائد بيننا يتركز حول الماضي والحاضر، لكن المستقبل للأسف الشديد الاهتمام ضئيل به على مستوى الوطن العربي، على الرغم من أن هناك حوالي 600 مؤسسة أكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية تهتم بدراسات المستقبل، وهناك وزارة للمستقبل في السويد، كما أن هناك جامعة للدراسات المستقبلية في تايوان، فهناك إذن اهتمام متصاعد سواء في الدول الأفريقية أو الآسيوية بهذا المجال، بينما عندنا في العالم العربي لايزال الاهتمام ضئيلا، ومن هذا المنطلق وجدنا أن هناك ضرورة ملحة لإدراج مناهج ومقررات حول المستقبل حتى يدرسه الطلاب في الكليات النظرية المختلفة، مثل كليات الآداب والحقوق والاقتصاد والعلوم السياسية والتربية والإعلام وغيرها، فضلا عن أهمية غرس وتأصيل الوعي بالمستقبل لدى الباحثين الشباب، وسعيًا لتحقيق هذه الأهداف اقترحنا عمل وحدة الدراسات المستقبلية، وقد وافق عليها مجلس كلية الإعلام ومجلس جامعة القاهرة وكل الجهات المعنية، وحددنا العلاقات مع جميع المؤسسات لإجراء علاقات التعاون والاتفاقيات والشراكات. والتي تستهدف نشر الفكر المستقبلي على مستوى الرأي العام، وقد كونا فريقًا من الشباب والباحثين للقيام بهذه المهمة، وعندي أمل أن تفتح هذه البداية الواعدة كلالنوافذ، وأعتقد أن علم المستقبل خلال سنوات قليلة سيكون جزءًا أصيلاً من المناهج والمقررات الدراسية.
وأضافت د.عواطف أن الوعي بالمستقبل يساعد على التخلص من عقدة التفكير في الماضي، وبالتأكيد ليس هناك مانع من دراسة التاريخ الثقافي والاجتماعي لكن ليس للوقوف عنده، وإنما لنرى كيف قاد هذا التاريخ إلى الحاضر، ثم ننتقل من هذا الحاضر إلى المستقبل، والحقيقة أن دراسة المستقبل تستهدف تغيير الواقع إلى الأفضل من خلال التخطيط والاستشراف، فضلا عن تغيير طريقة تفكير المجتمع، فأكثر مشكلة تواجهنا سيادة التفكير القدري والعقلية الاتكالية على الشخصية المصرية، وهي مفاهيم وأساليب تفكير خاطئة لأن الله أعطانا العقل والإرادة لنفكر ونخطط، ودراسة المستقبل وإتقان مهارات التفكير المستقبلي تفتح مسام العقل وتنشط الذهن وتفتح الشهية للحياة، وتجعلنا نشعر أن الحياة تستحق.
استشراف المستقبل
أما الدكتورة ثريا البدوي- عميدة كلية الإعلام جامعة القاهرة- فذكرت أنه تم تدشين وحدة الدراسات المستقبلية بكلية الإعلام، بفضل جهود الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت- رئيس جامعة القاهرة- ودعمه لكل ما يصدر من كلية الإعلام من مشروعات، وبفضل جهود الأستاذة الدكتورة عواطف عبدالرحمن لأنها شكلت النواة الأساسية لهذه الوحدة، وعلى مدار سنوات مضت تم تنظيم دورات وورش عمل عديدة، ساهمت في تدشين الوحدة، التي تعد أول وحدة متخصصة في هذا المجال على مستوى الجامعات المصرية، حيث تهدف لخدمة طلاب الجامعة كما تخدم المجتمع والوطن بأكمله، والوحدة تستهدف استشراف المستقبل وتأهيل أي فرد على إعمال عقله، والوحدة تقدمت بمشروعين مهمين للجامعة،منهما مشروع إعداد الكوادر الشابة الواعية بأهمية التفكير المستقبلي، من خلال تنظيم دورات تدريبية تحث المتدربين على أهمية التفكير في المستقبل، وكيف يضعون سيناريوهات لمواجهة الأزمات المحتملة والأحداث القادمة، وأن تكون هناك قدرة على التنبؤ، والمشروع مهم على مستوى الجامعات المصرية، ونشاط الوحدة لن يقتصر على كليات الجامعة فقط، وإنما نهدف للوصول للمدارس من خلال ما يسمى بالتربية المستقبلية من أجل تنشئة الأطفال منذ الصغر على طرق التفكير المستقبلي، وعلى مستوى آخر تهدف الوحدة لنقل المجتمع من مفهوم "إدارة الأزمات" إلى مفهوم "إدارة القضايا"، بمعنى أن إدارة القضية في الحاضر بأسلوب علمي يمكن أن يجنبنا التعرض للأزمة في المستقبل.
التطبيق على الأفراد
وتقول الدكتورة نرمين الصابر- مدرس بقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وعضو الفريق المؤسس للوحدة-: إنهناك اتجاه عالمي جديد يتمثل في تطبيق علم المستقبل على الأفراد أو الأشخاص العاديين، وفي الحقيقة كنا في الماضي ندرس تطبيق قواعد وأدوات علم المستقبل على القضايا والمشكلات والظواهر الاجتماعية، كما كان هذا العلم أيضًا حكرًا على المؤسسات الكبيرة، لكننا مع الوقت وجدنا أنه من الضروري أن يتعلم الأفراد أيضًا كيف يطبقون هذا العلم على أنفسهم، وكيف يمكنهم الاستفادة من أدوات التفكير العلمي في التخطيط لمستقبلهم، وفي هذا الإطار تشكلت الوحدة داخل كلية الإعلام، وقد بدأنا عام 2019 بمجموعة من الورش التدريبية والتي حضرها الكثير من الشباب والباحثين والأكاديميين، والحقيقة أن الاتجاه نحو دراسة المستقبل بدأ يتصاعد في مصر، فهذه ليست الوحدة الأولى لدراسة المستقبل، وإنما هناك وحدة متخصصة في جامعة أسيوط، كما أن هناك أيضًا وحدة في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية.
وتذكر د.نرمين أن هناك 3 مستويات زمنية للتفكير والتخطيط للمستقبل، فهناك المستقبل القريب والذي يبلغ مداه 5 سنوات، وهناك المستقبل المتوسط والذي يصل لـ10 سنوات، أما المستقبل البعيد فيصل مداه إلى 20 سنة، ونركز في الوحدة على المستقبل المتوسط، حيث إن مدة الـ10 سنوات مناسبة جدا لإطلاق العنان للخيال، كما تتيح مرونة أكبر لمواجهة التغيرات وتحقيق الأهداف المطلوبة، ويمكن للإنسان أن يضع لنفسه خطة واضحة المعالم يتحرك فيها لتحقيق أهدافه خلال هذا المدى الزمني المناسب.
وتضيف د. نرمين أن وحدة المستقبليات تستهدف بشكل أساسي كل الناس، بهدف نشر ثقافة التفكير المستقبلي في المجتمع، ولذلك نسعى لنقل نشاط الوحدة خارج الجامعة، وأهم شيء في التفكير المستقبلي أن نميز بين الأحلام وبين الأهداف المستقبلية، فمثلا لو أردنا أن نطبق هذا المفهوم على الأفراد، فإنه لو أراد شاب مثلا أن يكون مهندسًا، فلكي يحقق هذا الهدف في المستقبل، فإنه يجب أن يجتهد وأن يضع أمامه هدف الحصول على المجموع المناسب، ثم يضع بعض البدائل والسيناريوهات، فمثلا لو لم يحصل على المجموع المناسب فما هو البديل الأقرب للهدف، أيضا ما التحديات التي سيتعرض لها وكيف يمكن التغلب عليها أو على الأقل التأقلم معها.
ورش ودورات
وتذكر د.نرمين أن الوحدة تقدمت بمشروعات عديدة خلال لقائها بالدكتور محمد عثمان الخشت- رئيس جامعة القاهرة- تتضمن إطلاق مجموعة من الدورات والورش التدريبية التي تستهدف تدريب الشباب والباحثين والمجتمع عموما وتمكينهم من امتلاك أدوات ومهارات التخطيط الاستراتيجي للمستقبل، بالإضافة إلى التعاون مع المؤسسات والجهات أيضًا، خاصة أن العالم يتجه الآن نحو البحث والتخطيط.
وحول الشباب المستفيدين من نشاطات الوحدة، تقول كريستين سعد- مدرس مساعد بقسم العلاقات العامة والإعلان، وإحدى المشاركات بورش تطبيق علم المستقبليات على الأفراد-: شاركت في الورش التي تم تنظيمها، والحقيقة تعلمنا من خلالها كأفراد كيف نفكر بطريقة علمية في المستقبل، وكيف نكون أصحاب نظرة مستقبلية في التخطيط لحياتنا، سواء كانت جوانب شخصية أو علمية أو ثقافية، وهذا التخصص مهم جدا حيث يساعد المجتمع والجهات والأفراد لاستشراف المستقبل والتنبؤ بطريقة علمية، وخلال الورشة تم عرض نماذج لعلماء استشرفوا أحداث عالمية قبل أن تحدث بسنوات وذلك من خلال قراءة وتتبع أحداث الماضي والحاضر، وبالتالي التنبؤ بالأحداث في المستقبل، والحقيقة أن ذلك يتم من خلال اكتساب مجموعة من المهارات مثل صياغة السيناريوهات المستقبلية وكيفية صياغة الأهداف والتغلب على الصعوبات.