الحكومة المصرية تنبهت مبكرا وأطلقت عام 2022 الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050
موضوعات مقترحة
حكومات دول الخليج تتشدد فى تطبيق قرار حظر العمل تحت أشعة الشمس لحماية العمال
فاتورة باهظة يتكبدها الجميع لمواجهة «حر الصيف» ما بين زيادة استهلاك الكهرباء وصولا إلى مخاطر تهدد قطاع الزراعة
د. أشرف صابر: تزايد الإشعاع طويل الموجة العائد إلى سطح الكوكب
د. هالة يسرى: علاقة مباشرة بين تغيرات المناخ والحالة المزاجية
د. رشاد عبده: تؤثر سلبًا على الاقتصاد وتعطل عجلة الإنتاج
تشهد مصر مثل العديد من الدول العربية والعالمية، موجات حر غير مسبوقة تجاوزت فى بعض المناطق حاجز الـ 50 درجة مئوية، مع ارتفاع نسب الرطوبة فى ظل توقعات عالمية، أن يكون صيف 2024، أعلى من المعدلات المعتادة خلال السنوات الماضية، تأثرا بظاهرة الاحتباس الحرارى التى يمر بها كوكب الأرض، ووفقا للتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، يؤثر تغير المناخ على صحتنا وقدرتنا، على إنتاج غذائنا وسكننا وسلامتنا وعملنا، خلال الفترة المقبلة.
سارعت مصر وعدة دول عربية، خلال الفترة الماضية، إلى وضع خطط للتعامل مع التغيرات المناخية المستجدة، ومواجهة آثارها البيئية والاقتصادية والاجتماعية، تارة عبر تكثيف الاعتماد على الطاقة المتجددة، وإنشاء محطات للطاقة الشمسية والرياح، وتوطين صناعة الهيدروجين الأخضر، وتارة أخرى عبر فتح السوق أمام السيارات الكهربائية، والتوجه عامة نحو الاقتصاد الأخضر .
لا يكاد يمر يوم من أيام فصل الصيف، إلا وهناك حدث طارئ تتعرض له الشعوب العربية، وتتسابق حكوماتها لمواجهته، ولتقليل مخاطر تعرض العمال للإجهاد الحرارى، الناتج عن التعرض لأشعة الشمس خلال ممارستهم للأعمال المختلفة، لجأ عدد من حكومات دول مجلس التعاون الخليجى، لاسيما فى السعودية والإمارات إلى التشدد فى تطبيق قرار حظر العمل تحت أشعة الشمس، منذ منتصف شهر يونيو الماضى حتى منتصف سبتمبر المقبل، وتحديدا فى الفترة الممتدة من الساعة 12 ظهراً، إلى الساعة 3 مساءً، ودعت أصحاب العمل، إلى ضرورة تنظيم ساعات العمل، ومراعاة ما نص عليه هذا القرار، للمساهمة فى توفير بيئة عمل آمنة من المخاطر المختلفة، ورفع مستوى كفاءة ووسائل الوقاية للحد من الإصابات والأمراض المهنية، وحماية العاملين من الحوادث.
عواصف الغبار
تبذل حكومات دول مجلس التعاون الخليجى، جهودا لمواجهة التأثيرات السلبية لتغيرات المناخ، أبرزها ما تقوم به المملكة العربية السعودية، من إطلاق المبادرة السعودية الخضراء، وتستهدف زراعة 50 مليار شجرة، بالتزامن مع إنشاء المراكز الإقليمية المعنية بالتحذير من العواصف الغبارية والرملية، والتغير المناخى والاستمطار كجزء من مبادرة الشرق الأوسط الأخضر.
كذلك ذهبت دول عربية أخرى، مثل العراق ولبنان، والجزائر والمغرب وتونس، عبر المؤسسات المسئولة عن الأرصاد الجوية، إلى إصدار تحذيرات للمواطنين لتجنب التعرض لأشعة الشمس، خلال ساعات الذروة والحذر من اندلاع حرائق، وعدم ترك الأطفال والمواد القابلة للاشتعال داخل السيارات المغلقة، وذلك لتأثر البلاد بموجة طقس سيئ وارتفاع كبير فى درجات الحرارة، مصحوباً بكتل هوائية حارة، وذلك بالتزامن مع جهود أخرى تبذل للحفاظ على البيئة، وضخ استثمارات نحو التحول للاقتصاد الأخضر .
إستراتيجية وطنية
شهدت الأيام الماضية، من فصل الصيف نجاحا لافتا للحكومة المصرية فى التعامل مع أزمة “حر الصيف”، وتداعياته على قطاع الكهرباء وبعد فترة من اللجوء إلى سياسة تخفيف الأحمال، أعلنت عن نهاية تلك الأزمة، وتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة، وهو ما يمثل حلقة جديدة فى مسلسل الجهد الكبير، الذى يبذل لمواجهة تداعيات أزمة المناخ التى تضرب العالم، وكانت الحكومة المصرية قد تنبهت مبكرا لتلك الأزمة، أطلقت فى 19 مايو 2022، "الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050”، وتستهدف من خلالها 5 أهداف رئيسية وهى، تحقيق نمو اقتصادى منخفض الانبعاثات فى مختلف قطاعات الدولة من خلال التركيز على مصادر الطاقة المتجددة، والنظيفة وزيادة نسبة الاعتماد عليها، بالتزامن مع تخفيض الانبعاثات البيئية الضارة بالمناخ الناتجة عن استخدام المنتجات البترولية غير النظيفة، مع الاستغلال الأمثل والأكفأ للطاقة، وتبنى اتجاهات الإنتاج والاستهلاك المستدام للحد من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحرارى.
مواجهة طارئة
فاتورة باهظة يتكبدها الجميع لمواجهة “حر الصيف”، فمن تكلفة تشغيل أجهزة التكييف، والبرادات المختلفة فى البيوت والشركات، إلى مخاطر جمة يتعرض لها قطاع الزراعة، وتعرض محاصيل رئيسية للتلف، وتراجع الإنتاجية ناهيك عن أراض زراعية تعانى من ندرة المياه والجفاف، وهو ما حذر منه الدكتور أشرف صابر زكى رئيس الإدارة المركزية للبحث العلمى والمناخ، بالهيئة العامة للأرصاد الجوية قائلا: السنوات الأخيرة، شهدت زيادة درجات حرارة الهواء القريب من سطح الأرض، نتيجة تزايد الإشعاع طويل الموجة العائد إلى سطح الكوكب بمعدل أكبر، وهذه التغيرات الحادة أثرت فى أداء المجتمع المحلى نتيجة للظواهر الطبيعية الخطيرة التى تتفاعل مع الظروف الاجتماعية شديدة التأثر، مما يؤدى إلى حدوث آثار سلبية بشرية أو مادية أو اقتصادية أو بيئية واسعة النطاق، وتتطلب مواجهة طارئة لتلبية الاحتياجات البشرية.
وأضاف الدكتور أشرف صابر، قائلا إنه ومن أهم هذه الظواهر هى الاحتباس الحرارى، والذى يحدث نتيجة انعكاس لبعض غازات الاحتباس الحرارى الناشئة عن حرق الوقود الأحفورى، وتركيز هذه الغازات فى الجو تؤدى مباشرة لخلل فى تغير درجات الحرارة، وتحدث موجات شديدة الحرارة تستمر إلى أسابيع، فقد كان تغير المناخ فى مصر فى السنوات السابقة، لا يكون ملحوظاً بهذه القوة مثلما يحدث الآن، وأكد د. أشرف ذكى رئيس الإدارة المركزية للبحث العلمى والمناخ، أن ارتفاع منسوب مياه البحرين الأحمر والمتوسط، يؤدى إلى عدد من التداعيات السلبية على المشروعات السياحية، ومن مخاطر ارتفاع درجات المياه هى ابيضاض الشعاب المرجانية، وهروب الكائنات البحرية، مما يصعب من عمليات الصيد، بالإضافة إلى أن نقص الشواطئ الصالحة، فهذا كله يؤثر سلبا على الخدماتالسياحية، مما يؤدى إلى سرعة تدهورها، وبالتالى انخفاض معدلات السياحة وزيادة معدلات البطالة، لافتا النظر إلى أن المجتمعات التى تتعرض لمخاطر بيئية ستشهد حدوث ظاهرة تعرف بـ”مردودات التغيرات المناخية”، التى تحدث نتيجة ارتفاع سطح البحر، والذى سيؤدى إلى غرق أجزاء مأهولة بالسكان وتدمير أراض خصبة مثل “دلتا النيل”.
وقال: ومن مردودات تغير المناخ التى تؤثر على المدى القصير والمتوسط والبعيد، هى حدوث اختلال النظام الحيوى للكرة الأرضية بوجه عام، وزيادة متوسط درجة الغلاف الجوى، واختلال أنماط الأمطار سواء نوبات من الفيضان أم الجفاف، والتأثر السلبى على الأراضى الزراعية، والصحة العامة وانتقال الأمراض الوبائية، ويمثل الامتداد البيئى تحليل لكل المخاطر والتركيز فى الأساس على الأخطار الطبيعية، مشددا على أنه وبالرغم من أن ظاهرة التغير المناخى لها آثار سلبية، فإنها فى نفس الوقت لها جوانب إيجابية، وذلك نتيجة لزيادة الدفء العالمى بفعل غازات الصوبة، ومن الجوانب الإيجابية الأخرى تحسن خواص نمو النبات نتيجة لتحسن عملية التمثيل الضوئى.
تأثير اقتصادى
التأثير السلبى لحر الصيف، لا يتوقف عند حدود البيئة، إنما يمتد ليشمل جوانب اقتصادية عدة وخسائر مالية فادحة، وهو ما يحذر منه الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادى ورئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، وقال: التغيرات المناخية تؤثر بشكل كبيرة جدا على اقتصاديات الدول، ومن أبرز تلك الدول التى قامت بحدوث هذا الخلل هما الولايات المتحدة الأمريكية، ودولة الصين التى جارت على الطبيعة بأفعالها، مما شكل نسبة 50 %، من التلوث الذى يشهده العالم حاليا، فقد اختفت بحيرات من الخريطة مثل بحيرة تشاد، كما تأثرت دولة المغرب بعد سقوط الأمطار الموسمية بها، وحدوث حرائق بالغابات بشكل متكرر، ولعل كل الدول العربية ستدفع ثمن تغير المناخ اقتصاديا، لكن مجموعة دول قد تكون الأكثر تضررا، مثل لبنان والجزائر ومصر، وتونس والمغرب والسودان والصومال.
وأشار د. رشاد عبده، إلى أن تلك الظواهرتتسبب أيضاً فى ارتفاع درجات الحرارة والنقص المتوقع لموارد المياه المتاحة، مما يؤثر على إنتاجية النبات، وغرق وارتفاع ملوحة العديد من الأراضى الزراعية المنخفضة بالدلتا، نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، كما يؤدى ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة الحشرات والأمراض، التى تسبب الضرر للمحاصيل الزراعية.
وتابع الخبير الاقتصادى: كما تتأثر الأرض الزراعية بارتفاع درجات الحرارة، ويتسبب هذا فى ضرر بالغ بإنتاج المحاصيل الزراعية، مما يؤدى إلى حدوث شح فى المعروض لدى المستهلك، وبالتالى يؤدى هذا إلى غلاء فى الأسعار، فنحن الآن نعانى بشكل كبير من تلف فى المحاصيل، وشبح التراجع بدأ يظهر الآن من خلال الأزمات الاقتصادية التى تضرب حركة التجارة واقتصاديات الدول الكبرى ومعها، باقى الاقتصاديات النامية وارتفاع التضخم وتراجع سلاسل الغذاء نتيجة الجفاف.
تغييرات كبيرة
هناك جوانب اجتماعية لـ"حر الصيف"، على حياة الناس، وهو ما تؤكده الدكتورة هالة يسرى أستاذ علم الاجتماع، ورئيس قسم الدراسات الاجتماعية بمركز بحوث الصحراء، قائلة: هناك علاقة مباشرة بين تغيرات المناخ والحالة المزاجية للأفراد، وتغييرات كبيرة تحدث للجسم البشرى بسبب ارتفاع درجات الحرارة، والتى تصل إلى أن يتعرض الشخص لبعض ضربات الشمس التى تسبب له الوفاة، إذا لم يتم إسعافه بشكل سريع، كما يؤثر تغير المناخ بالفعل على الصحة بطرق عديدة، ومنها التسبب فى الأمراض نتيجة الظواهر الجوية المتطرفة التى تزداد تواترا، والعديد من مشاكل الصحة النفسية التى تؤدى لحدوث الجريمة فى بعض الأحيان، وهناك بعض الفيروسات التى تظهر فى الأجواء الحارة يصعب السيطرة عليها.
وتابعت الدكتورة هالة يسرى قائلة: ارتفعت درجة حرارة الأرض واحد درجة مئوية، وهذا الارتفاع يحاول العالم التعامل معه والوصول إلى حلول تحميه منه، كما اختلفت طبيعة الأمراض عن السنوات الماضية. وقد زادت أمراض الجهاز التنفسى والقلب والأوعية الدموية، وازداد عدد الوفيات المبكرة المتعلقة بظواهر الطقس المتطرفة، فمن المتوقع أن يترتب على تغير المناخ آثار غير مسبوقة على الأماكن، التى يستكن فيها الناس.
ونوهت رئيس قسم الدراسات الاجتماعية بمركز بحوث الصحراء إلى أنه ومع التقدم والتطور تسبب الأنشطة البشرية المختلفة فى الدول المتقدمة فى الصناعة بتصدير الصناعية الكثير من الانبعاثات الكربونية التى أدت على مدار الأعوام الماضية، فى انهيار الجليد بالقطب الشمالى بالتدريج وحدوث تغيرات جسيمة بالطبيعة، أضرت بنا جميعا على كل المستويات.