Close ad

هل أنظمتنا جاهزة للذكاء الاصطناعي؟! شاشات الموت الزرقاء

5-8-2024 | 19:18
هل أنظمتنا جاهزة للذكاء الاصطناعي؟ شاشات الموت الزرقاءصورة أرشيفية
تقرير: إيمان عمر الفاروق
الأهرام العربي نقلاً عن

مع تزايد التوترات الجيوسياسية فى السنوات الأخيرة، عملت الصين وعدد آخر من البلدان بشكل متسارع، على تطوير تدابير الأمن السيبرانى والبنية التحتية الرقمية الخاصة بها، مع تراجع الفوضى العالمية واستمرار عودة الإنترنت إلى الأنظمة، فإن الانقطاع الهائل فى تكنولوجيا المعلومات، الذى تسبب فى شلل دراماتيكى فى مختلف أنحاء العالم يوم 19 من الجاري، يكشف عن بعض الحقائق المثيرة للقلق حول أسس حياتنا الرقمية ومدى هشاشتها، اللحظة «صفر»، كما يطلق عليها خبراء التكنولوجيا، بالإضافة إلى فضح الشبكة الخفية لتوابع الانهيار الرقمى بالمجتمع والاقتصاد العالمى، سلطت الضوء أيضا على الأبعاد الجيوسياسية لتلك الكارثة، خصوصا أن كلا من بكين وموسكو قد أفلتتا من تلك دوامة الشلل الرقمى، فعلى ما يبدو أن «شاشات الموت الزرقاء» رمز الموت السريرى لأنظمة التكنولوجيا، تخفى بأسلاكها روابط سياسية متعددة، قابلة لإحداث ماس كهربائى عالمى على مدى العامين القادمين وفق تحذيرات «المنتدى الاقتصادى العالمى».

موضوعات مقترحة

أعاد انقطاع خدمة مايكروسوفت إثارة المخاوف المشابهة لتلك التى أثارتها جائحة «كوفيد» التى أدت إلى تجميد للحياة وتوقف العالم

حالات الفشل الأمنى السيبرانى أبرز التهديدات العالمية فى العقد المقبل
مع تزايد التوترات الجيوسياسية فى السنوات الأخيرة، عملت الصين وعدد آخر من البلدان بشكل متسارع
الاضطراب فى أنظمة الطيران لا يعطل جداول الرحلات الجوية فحسب بل يؤثر أيضا على سلاسل التوريد العالمية التى تعتمد على الشحن الجوى

لقد نزع هذا الانقطاع ورقة التوت، عن الشركات العملاقة مثل شركة مايكروسوفت، بمواردها المالية واستثماراتها الضخمة، والتى تشكل قلب البنية التحتية لكثير من أجهزة الكمبيوتر حول العالم، ففى نهاية المطاف عندما تتذبذب هذه الأنظمة، ليس أمامنا من إجراء أو خيار سوى "التحلى بالصبر"، لكل من وقع فى دوامة الاضطراب.

يعتمد العالم بشكل متزايد على الاتصال الرقمى، الذى يعمل فى الغالب بهدوء وسلاسة وعلى نحو غير مرئى فى الخلفية، فكيف إذن أدى تحديث واحد للبرنامج إلى تعطيل نصف الإنترنت؟
إن انقطاع شبكة تكنولوجيا المعلومات العالمية فى 19 من الجاري، يعد بمثابة تذكير صارخ للعالم بمدى ضعفنا، فى مواجهة الأعطال التكنولوجية مجرد تحديث برمجى خاطئ واحد، يسفر عن تأثيرات دراماتيكية على الأمن السيبرانى، شركات الطيران، غرف الإعلام، البنوك وتجار التجزئة بالعالم، إن هذا الحادث الذى تم وصفه بأنه "أكبر انقطاع لتكنولوجيا المعلومات فى التاريخ"، يذكرنا بشبكة واسعة من الترابط بين تكنولوجيا المعلومات التى تدعم البنية التحتية الرقمية، والعواقب المحتملة بعيدة المدى عندما يحدث خطأ ما.

لقد تحول ما بدأ بتأخير الرحلات فى المطارات، إلى إلغاء رحلات جوية على نطاق واسع، إن الاضطراب فى أنظمة الطيران لا يعطل جداول الرحلات الجوية فحسب، بل يؤثر أيضا على سلاسل التوريد العالمية التى تعتمد على الشحن الجوى، مما يكشف الطبيعة متعددة الجوانب للأنظمة البيئية لتكنولوجيا المعلومات الحديثة.
وفى تلك الأثناء، انقطع البث فى العديد من محطات التليفزيون والإذاعة، وتوقفت حركة البيع والشراء فى محلات السوبر ماركت، وجميع المعاملات بالبنوك.
موقعeconomictimes شبه الأمر "بالوباء العالمى الجديد"، فى تقرير خطير له بعنوان"حدث كارثى: تهديد عالمى بمستوى الوباء ظهر للتو"، فمن الرحلات الجوية إلى القطارات إلى أسواق الأوراق المالية إلى البنوك إلى متاجر التجزئة، تعطلت حركة الحياة اليومية بسبب انقطاع خدمة مايكروسوفت العالمية، واجه ملايين مستخدمى ويندوز على مستوى العالم شاشات الموت الزرقاء، مما أدى إلى إغلاق أجهزة الكمبيوتر، أو إعادة تشغيلها بشكل غير متوقع.
لقد أعاد انقطاع خدمة مايكروسوفت، إثارة المخاوف المشابهة لتلك التى أثارتها جائحة "كوفيد"، والتى أدت إلى تجميد للحياة وتوقف العالم. وينظر إلى الفشل السيبرانى، على أنه وشيك فى ظل الوضع العالمى الراهن المشحون بالتوترات السياسية.

أدرج المنتدى الاقتصادى العالمى فى عام 2021، حالات الفشل الأمنى السيبرانى، ضمن أبرز التهديدات العالمية فى العقد المقبل، وذكر تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى، أن من"بين أعلى المخاطر احتمالية فى السنوات العشر المقبلة، الطقس المتطرف وفشل جهود العمل المناخى والأضرار البيئية التى يسببها الإنسان، فضلا عن تركيز القوة الرقمية وعدم المساواة الرقمية وفشل الأمن السيبرانى"، وأدرج استطلاع للرأى العام «حول المخاطر العالمية»، فشل الأمن السيبرانى باعتباره رابع أكبر تهديد بعد الأمراض المعدية، الأزمات الاقتصادية والتغيرات المناخية المتطرفة.
وعلى الرغم من أن انقطاع خدمة مايكروسوفت، ليس له زاوية أو أبعاد هجومية إلكترونية متعمدة، فإنه أعاد إحياء المخاوف من تهديدات الأمن السيبرانى، التى يمكن أن تعرض الحياة اليومية لمخاطر تخرج عن السيطرة.

"هجوم إلكترونى كارثى خلال العاميين المقبلين"، كان العنوان العريض البارز لتقرير توقعات ا"لأمن السيبرانى العالمى 2023 "، الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى، والذى جاء به "إن عدم الاستقرار الجيوسياسى يؤدى إلى تفاقم خطر وقوع هجمات إلكترونية كارثية، يعتقد أكثر من 93 ٪ من خبراء التكنولوجيا، و86 ٪ من قادة الأعمال أن "حدثا إلكترونيا كارثيا بعيد المدى من المرجح أن يحدث خلال العامين المقبلين" وهناك فجوة مهارات حرجة تهدد المجتمعات والبنية التحتية الرئيسية.

استندت نتائج تقرير توقعات الأمن السيبرانى العالمى 2023، إلى استطلاعات للرأى العام، وورش عمل ومقابلات مع أكثر من 300 خبير ومدير تنفيذى، وقال نصف مدراء الشركات الذين شملهم الاستطلاع إن المشهد الحالى، يدفعهم لتقييم الأوضاع بالبلدان التى تعمل بها مؤسساتهم، ويسلط التقرير الضوء على الحاجة إلى معالجة نقص المواهب والخبراء المهرة.
والخطير فى الأمر وفق ما أشار التقرير، إلى أن الجغرافيا السياسية تعمل على إعادة تشكيل البيئة القانونية والتنظيمية والتكنولوجية، وقال جيرمى جورجنز - المدير الإدارى للمنتدى الاقتصادى العالمى -"مع تزايد مخاطر شبكات المعلومات بسبب عدم الاستقرار العالمى، يدعو هذا التقرير إلى التركيز مجددا على العمل التعاونى، يجب على الجميع من أصحاب المصلحة من القطاعين الخاص والعام، المسئولين عن البنية التحتية الرقمية المشتركة أن يعملوا معا لبناء الأمن والمرونة والثقة".

لقد ساعد عدم الاستقرار الجيو - سياسى العالمى، فى سد الفجوة بين وجهات نظر قادة الأعمال والقادة السيبرانيين، حول أهمية إدارة المخاطر السيبرانية، حيث يعتقد 91 ٪، أن حدثا سيبرانيا بعيد المدى بات وشيكا.
ومن المثير للدهشة، أنه على الرغم من العديد من الخبرات والتجارب السابقة المماثلة إلى حد ما، مثل كارثة انهيار قسم تكنولوجيا المعلومات فى عام 2018، التى أثرت على ملايين العملاء لبنك TSB فى المملكة المتحدة لم يتم طرح برامج معالجة على مراحل، الذى تعرض على إثرها إلى خسائر قدرها 105، 4 ملايين جنيه استرلينى، فضلا عن خسارة 80 ألف عميل.
موقع sciencealert، ركز فى تقرير خطير له على الأبعاد الجيوسياسية للكارثة التقنية التى شهدها العالم يوم الجمعة الماضى، لقد شعرت البلدان التى تربطها علاقات قوية مع شركتى مايكروسوفت، وكراود سترايك بالقدر الأكبر من التأثير، لكن على الجانب الآخر، فإن الشركات فى بلدان مثل الصين، التى تتمتع ببنية تحتية لتكنولوجيا المعلومات معزولة وخاضعة للرقابة نسبيا، يبدو أنها تأثرت بدرجة أقل تكاد تكون غير محسوسة.
مع تزايد التوترات الجيوسياسية فى السنوات الأخيرة، عملت الصين وعدد آخر من البلدان بشكل متسارع، على تطوير تدابير الأمن السيبرانى، والبنية التحتية الرقمية الخاصة بها، والتى ربما خففت من آثار هذا الحادث التاريخى.

وربما أسهم تركيز بكين على استخدام التكنولوجيا المحلية، وتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأجنبية أيضا، فى الحد من الآثار الناجمة عن هذا الخلل التقنى على أنظمتها.
وكشفت شركات الطيران الصينية الكبرى، مثل شركة "هاينان للطيران"، وشركة خطوط جنوب الصين الجوية، بل مطار العاصمة بكين الدولى، عدم مواجهة أى عقبات بسبب الخلل العالمى فى خدمات تكنولوجيا المعلومات لأنها تستخدم أنظمة مختلفة.

أما بالنسبة لروسيا، فقد أعلنت وزارة التنمية المعلوماتية الروسية أن العطل التقنى الذى ضرب مؤسسات العالم لم يمس روسيا، فيما لفت أحد الخبراء إلى أن سبب عدم تأثرها بهذه الجائحة، يرتبط بالعقوبات الغربية ضدها، حيث صرح رئيس مجلس إدارة صندوق تنمية الاقتصاد العالمى غيرمان كليمينكا قائلا:"إننا ببساطة لا نمتلك هذا البرنامج الغربى الذى تعطل لأن روسيا تخضع للعقوبات"، ويؤكد هذا الحادث أهمية الاعتماد على برامج تقنية وطنية.

إن هذه الحادثة بمثابة جرس إنذار، بأن التبعات التكنولوجية يمكن أن تترجم إلى نقاط ضعف جيوسياسية، حيث تحتاج السلطات الحكومية بشكل متزايد إلى النظر، ليس فقط للآثار الاقتصادية، والخسائر المالية، لكن أيضا، وبذات القدر لتحالفاتها الإستراتيجية والسياسية فى مجال تكنولوجيا المعلومات.

علاوة على التساؤلات الجدية التى تمت إثارتها، حول مدى مرونة تدابير الأمن السيبرانى لأنظمة التشغيل، سلطت هذه الحلقة الكارثية الضوء على المخاطر الإستراتيجية المترتبة على الاعتماد على مصدر واحد للتكنولوجيا، فقد أظهر هذا الانقطاع العالمى مدى أهمية إقامة تحالفات تكنولوجية متنوعة لتعزيز الأمن الوطنى والاستقرار الاقتصادى، فى حين أثار المخاوف بشأن إمكانية استغلال الدول المعادية لمثل تلك الثغرات.
وسوف تضيف هذه الحادثة مستوى جديدا من الإلحاح إلى التعاون الدولى فى مجال الأمن السيبرانى والتدخلات السياسية.

ومع عودة الاستقرار للخدمات واستئنافها، ينبغى أن يكون هذا الانقطاع بمثابة تجربة خاطفة، ليس فقط لمحترفى تكنولوجيا المعلومات وقادة الأعمال، بل أيضا صناع السياسات على حد سواء.
من الواضح أن هناك حاجة ملحة لإعادة تقييم، بل وحتى إصلاح إستراتيجيات الأمن السيبرانى، وممارسات إدارة تكنولوجيا المعلومات الحالية، ويجب أن يحتل تحسين مرونة النظام لتحمل الاضطرابات واسعة النطاق أولوية عالمية.

إن الانقطاع التكنولوجى العالمى، يمثل تذكرة فى الوقت المناسب ومنعطفا حاسما لإجراء مناقشات جادة حول المرونة الرقمية، ومستقبل حوكمة التكنولوجيا على مستويات الأعمال، والبنية التحتية وسياسات التحالفات التكنولوجية.

وعلى مستوى التعافى والآثار المترتبة على الأزمة، فإن الطريقة التى تعاملت بها القطاعات المتضررة مع هذه الأزمة، تعكس قوة ونقاط ضعف إستراتيجيتها الأمنية، وإستراتيجيات التعافى من الكوارث، لقد تم تحديد المشكلة الأساسية وتمت معالجتها، وسوف تٌظهر عملية التعافى البطيئة القادمة التحديات الخطيرة التى ستواجهنا فى استعادة استمرارية الخدمة داخل أنظمتنا الرقمية المعقدة، والمترابطة بشكل عميق.
وماذا عن الذكاء الاصطناعى؟ سؤال غاية فى الأهمية طرحه فنج لى -رئيس قسم إدارة المعلومات، والبحوث والابتكار بكلية بايز للأعمال جامعة لندن -"هناك شىء آخر لا نعرف إجابته بعد هو: إذا كان خطأ واحد برمجى قادر على إسقاط شركات طيران، وبنوك ومحلات بيع بالتجزئة ومحطات إعلامية وغيرها، فهل أنظمتنا جاهزة للذكاء الاصطناعى؟".

لعلنا فى احتياج إلى الاستثمار بشكل أكبر فى تطوير موثوقية البرمجيات ومنهجياتها، بدلا من التسرع فى طرح برامج المحادثة الآلية، وسوف تكون صناعة الذكاء الاصطناعى غير المنظمة، بمثابة وصفة للكارثة، خصوصا فى عالم يشهد توترات سياسية متزايدة، يوما بعد يوم، تتسع رقعتها على نحو خارج السيطرة، فى حين أنه من الضرورى احتضان التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعى، يحتاج مشغلوها إلى التأكد من أن ممارسات إدارة وصيانة تكنولوجيا المعلومات الأساسية قوية وموثوق بها، وقادرة على التعامل مع أى تهديد بدءا من الهجوم السيبرانى إلى تحديث بسيط للبرامج.

ختاما، لقد تجمدت أوصال الحياة بلحظة ما قابلة للتكرار، ولا أحد يعلم مداها زمنيا ومكانيا، لنجد أنفسنا أمام الموت الإكلينيكى لأنظمة حياتنا المتصلة بدوائر الشركات العملاقة الهشة، كخيط العنكبوت ليصاب العالم بالسكتة التكنولوجية، إلا بعض الدول التى تنبهت بيقظة مبكرة لتنويع أنظمتها، والاعتماد على أنظمة وطنية بديلة مثل بكين أو أنقذتها العقوبات مصادفة من دوامة الشلل الرقمى مثل موسكو، فلنستعد للجائحة القادمة، ونبدأ فى صناعة الأمصال المضادة للهجوم السيبرانى الوشيك الذى حذر منه المنتدى الاقتصادى العالمى، والذى بات قاب قوسين أو أدنى، بفعل الاحتقان السياسى بخارطة العالم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: