ما الذي يريده المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية المعنية لإدراك هذه الرغبة المحمومة والجامحة لدى الكيان الصهيوني المحتل في اشتعال الحرب واتساعها بمنطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي سيستتبع بالضرورة صراعًا أكبر قد يصل إلى حربٍ عالمية ثالثة تطال جميع القوى.
أحداثٌ متوالية وواضحة تؤكد هذا التوجه الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا على طول الخط، ويأتي في القلب منها استمرار حرب الإبادة والمجازر المستمرة على مدار عشرة أشهر بقرابة الـ300 يوم متصلة على أطفال ونساء ورجال قطاع غزة المنكوب، واستمرار قصف المنازل والمساجد والمستشفيات ومدارس ومخيمات الإيواء، والإمعان في عدم وصول الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية، حتى صارت الساحة الفلسطينية عدادًا لا يتوقف للشهداء والمصابين، وحتى كتابة هذه السطور، استشهد خمسة عشر شخصًا بينهم أطفال في قصف للاحتلال استهدف مدرسة تؤوي نازحين بقطاع غزة.
كل ذلك في شاشة عرض مفتوحة على مصراعيها وعلى مدار الساعة أمام المشاهدين في العالم كله، وبالرغم من جميع التحركات والتي ـ يا للعجب ـ تكون واشنطن أحيانًا طرفًا فيها، مثل مفاوضات وقف إطلاق النار وإعادة الرهائن، تلك المفاوضات التي يتم إفشالها بسعي إسرائيلي وتشجيع أمريكي، وعلى الرغم من التنديد والشجب وتظاهرات شعوب العالم في وجه حكوماتها منددة بالإجرام الصهيوني المدعوم، وعلى الرغم من الإدانات والاعتراف الرسمي من قبل محكمة العدل الدولية بممارسة الكيان المحتل للإبادة الجماعية، وكل ذلك لم يمنع الاحتلال من مواصلة إجرامه واستفزازاته، ومحاولات الدفع بالحرب إلى نطاق أوسع.
وقد شهدت الأيام الماضية تطورات وأحداثًا تشير بوضوح إلى أهداف الكيان ليس في استمرار الحرب فحسب، وإنما في اتساع رقعتها، فبعد زيارة رئيس وزراء الكيان لأمريكا، ووقوفه أمام الكونجرس متحدثًا وقد نال تصفيقًا كبيرًا من أعضائه، بينما كان محيط المبنى يعج بالمتظاهرين، الذين نددوا بوجوده كمجرم حرب ورفعوا علم فلسطين، تم استهداف مبنى في الضاحية الجنوبية بلبنان، واغتيال فؤاد شكر، أحد أبرز القادة العسكريين لحزب الله، وبعدها بساعات تم في طهران اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس ورئيس الوزراء الفلسـطيني الأسبق، وقد كان في زيارة رسمية لحضور تنصيب مسعود بازشكيان الرئيس الإيراني الجديد، والحادثان يمثلان انتهاكًا للقوانين والأعراف الدولية والدبلوماسية، وكفيلان بتعريض أي دولة لفرض عقوبات عليها من قبل مجلس الأمن، لكن الأمر يختلف إذا كان هذا الكيان إسرائيل وراعيته الأبدية أمريكا؛ ليزداد مستوى التصعيد والمواجهات إلى درجة خطيرة، وتصبح المنطقة على شفا حرب واسعة، لأن المرجح أن إيران، وقد صارت في موقف محرج، لن تمرر هذا الاعتداء الذي تم على أراضيها، باستهداف هنية القائد السياسي لحماس، ومن قبله أبرز قادة حزب الله اللبناني، خصوصًا أن الأمر متكرر بصورة فجة تُظهر إيران مجرد بوق في المنطقة ليس بمقدوره أكثر من إطلاق صواريخ مهما، بلغ عددها فإنها ليست ذات تأثير مباشر، وهو ما حدث من قبل بعد توعد إيران بالرد على ضربات جوية إسرائيلية استهدفت قنصليتها في دمشق، ومقتل سبعة من ضباط الحرس الثوري بينهم اثنان من كبار العسكريين، لكن هل يختلف الأمر هذه المرة ويتحقق ما ينشده الكيان المحتل، بأن الرد سيكون كبيرًا وغير متوقعًا، على الرغم من الحديث المسبق لحسن نصر الله وتوعده؟ فمن المستفيد من هذا التصعيد الذي يتجه الاحتلال بقوة إليه؟ فسواء انطلق الرد الإيراني من لبنان أو جبهات الإسناد الأخرى أو جميعها في وقت واحد، فمن الطبيعي أن سيكون هناك رد إسرائيلي متوقع عليه، لتدخل المنطقة في حسابات معقدة، ودوامة من الضربات المتبادلة، مع احتمال كبير دخول الولايات المتحدة على خط المجابهة، وقد أكدت عبر رؤسائها المحتملين دعمها الكامل والمستمر لإسرائيل ولحقها ـكما يرددون- في "الدفاع عن نفسها"، وسوف يشمل التصعيد إرسال إيران قوات على الجبهة السورية، وتبادل قوات الحشد الشعبي العراقية الضربات مع القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، فضلًا عن تصعيد اليمن للضربات، لتكون المنطقة بوضوح عبارة عن كتلة لهب واسعة، لن يكون من السهل السيطرة عليها، ولن تكون مجرد معركة محدودة.
فإذا ما طرحنا هذا السؤال: لماذا تعمد الاحتلال اغتيال شخصية بارزة في حزب الله ومن بعده اغتيال إسماعيل هنية في ساعات؟ ولماذا هاجم اليمن وقصف سوريا في الوقت ذاته؟ فالإجابة ربما محاولة الإفلات من دور الجاني الذي يمارس مهامه بانتظام في غزة؛ ليتمثل دور الضحية الذي تهاجمه إيران وحزب الله والمقاومة، وكل المناطق التي تسعى لاتساع دائرة الصراع فيها، ويُغذي رواية أن هناك من يتحرك لتدمير إسرائيل، هذا الكيان الذي بدأ الإبادة ويتحرك لاستكمالها، ويبحث عن وضع جميع العراقيل أمام كل مطالبة بسلام حقيقي مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة منذ 67 وبموجب مبادرة السلام العربية، ليواجه كل تحرك في هذا السياق بمزيد من التصعيد، وبمباركة أمريكية على طول الخط.