أثار الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، اهتمامًا واسعًا خلال زيارته الخارجية الأولى؛ حيث لاقت آراؤه استحسانًا كبيرًا من وزراء ومسئولي الدول الإسلامية.
موضوعات مقترحة
وفي حوار خاص مع "بوابة الأهرام"، على هامش المؤتمر التاسع لوزراء الأوقاف والشئون الإسلامية في مكة المكرمة، تطرق إلى قضايا جوهرية تواجه الأمة الإسلامية.
قلت في كلمتكم المهمة "وجاء القرآن الكريم محملًا بكل القيم الإنسانية ومخاطبة كل إنسان على وجه الأرض لجمع شمل البشر على الخير والهدى"، كيف ينتصر هذا الخطاب في مواجهة موجة التعصب والتطرف والكراهية التي تضرب كل دول العالم؟
نعم القرآن الكريم جاء محملًا بكل القيم الإنسانية ومخاطبة كل إنسان على وجه الأرض لجمع شمل البشر على الخير والهدى والسلام، فالقيم الإنسانية المشتركة التي ننادي بها نحن المسلمين في كل أنحاء الدنيا، ترتكز على مستويات متعددة من الهداية.
ومسألة مواجهة الغلو والتطرف وقضية تحصين المنابر التي يناقشها المؤتمر تهدف إلى أن تحتشد جهود وزارات الأوقاف والمؤسسات الدينية في دول العالم الإسلامي جميعًا ضد كل صور الغلو والتكفير والتطرف والإرهاب، ولنكون جميعًا صفًا واحدًا لدعم أوطاننا في مواجهة قوى الشر.
ولقد نجحنا في تأمين مصر من هذا الشر ولابد من مواصلة هذا الجهد لمواجهة تيار الإرهاب ومفاهيمه مهما تعددت صورها وأشكالها، وذلك حتى نطفئ معًا نيران العنف والإرهاب، ولنكون في زماننا هذا أمناء على ديننا وعلى أوطاننا ولنقتدي بسيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) حين خاض المواجهة الجريئة الجسورة العلمية التي فكك فيها فكر التطرف والتكفير في زمنه، ليكون نبراسًا لكل صاحب منبر وقلم من الأمناء على الدين والوطن أن يخوضوا معركة مواجهة التطرف بكل جرأة وجسارة، لنحمي ديننا وبلادنا وأوطاننا .
كيف تواجه مصر خطاب التطرف الذي يقزم شأن الوطن وغيره من الأفكار الهدامة؟
إن أحد أهم أهدافنا التي نعمل عليها ونزكيها ونجتهد في إيصالها إلى الناس أجمعين، قضية الوطن والانتماء الوطني والوطنية والمواطنة، وهذه القضية قضية شديدة الأهمية في ظل زمن وعقود مضت نشطت فيه جماعات الإرهاب والتطرف في تقديم خطاب يقزم شأن الوطن ويصغره، فمن قائل إن الوطن حفنة تراب، وقائل إن الوطن مجرد حدود صنعها الاستعمار يريد التهجم على أحوال أوطاننا ودولنا القائمة، ومن قائل إن الوطن مقابل لفكرة الأمة فيرفض، إلى غير ذلك من منظومة الأفكار المغلوطة، فشأن الوطن شأن عظيم وقد جاء الشرع الحنيف ليعلم الإنسان أن يبجل شأن الوطن، وفي تاريخ أئمتنا وعلمائنا ما يؤكد ذلك فالجاحظ ألف كتابًا عن حب الوطن، وصالح بن جعفر بن عبد الوهاب صنف كتابًا في الحنين إلى الأوطان، ووجدنا الإمام الحافظ أبا سعد بن السمعاني ألف كتابًا في النزوع إلى الأوطان ووجدنا أبا حاتم سهلا بن محمد السجستاني ألف كتابًا وغير ذلك كثير من المعاصرين، فمن أعظم ما نجتمع عليه أن ننادي في آفاق الدنيا وفي سائر شعوبنا وبلادنا وأوطاننا بتعظيم قيمة الوطن وبتعزيز انتماء الإنسان إلى وطنه وبترسيخ قيمة المواطنة العادلة التي تحمي أبناء الوطن جميعًا.
وقد قطعنا في مصر شوطًا كبيرًا في دراسة قضية المواطنة والانتماء الوطني بكل أبعادها من خلال الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والمؤسسات الدينية والكنيسة المصرية وذلك لمواجهة خطاب التطرف الذي يقزم شأن الوطن ويشوهه وغيرها من الأفكار المنحرفة التي قمنا بمواجهتها ونعمل علي رفع شأن الوطن كشأن عظيم وتعزيز انتماء الإنسان إلى وطنه من خلال مفهوم المواطنة، والتجربة المصرية في هذا الشأن معروضة علي الدول الإسلامية للاستفادة منها، خاصة دراسات ومؤلفات كبار العلماء في الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف والتي دحضت كل حجج الفكر المتطرف المشوهة لمفهوم الوطن، ومؤكدة من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أن الإنسان المؤمن الحق لابد وأن يكون شديد البر والانتماء لوطنه معتزا به ومدافعا عنه، وهذه هي قيمة ومعني المواطنة.
يطرح عالم الذكاء الاصطناعي والسوشيال ميديا تحديات كبيرة على الأمة الإسلامية أن تواجهها، وكيف يمكن الاستفادة من هذه الوسائل لدعم الدعوة الإسلامية؟
لابد لنا من عمل جاد لمواجهة المخاطر التي تطرحها هذه الوسائل والعمل علي الاستفادة منها في مجالات الدعوة والإرشاد وخاصة بيان الإسلام الصحيح ومواجهة مختلف الظواهر السلبية التي تطرحها وسائل الاتصال الحديثة، خاصة محاولة الجماعات المتطرفة دينيًا أو المتطرفة في اتجاه الإلحاد والانحلال اختطاف عقول الشباب والميدان ووعي الإنسان المصري، ما يفرض علينا تحديات كبرى، خاصة ضرورة إطلاق منصات تقدم زادا علميا وتوعويا صحيحا وبشكل تفاعلي شديد الانتشار، وذلك لتحقيق هدف زيادة الوعي العام في مواجهة هذه المخاطر، ومن ثم فلابد من وجود مشرف وبناء للمسلمين في هذه المنصات الحديثة لمواجهة هذه التحديات وغيرها وليكون لنا فعل ايجابي من خلالها؛ حيث يموج العالم من حولنا بطوفان هادر من الأفكار والتيارات المتناقضة، لذا من الواجب ملأ هذا الفراغ بما نقدمه من مقاصد الشرع الشريف ومعاني الهداية وتفكيك كل الأفكار المغلوطة.
هناك ورقة مقدمة من وزارة الأوقاف المصرية عن سبل مواجهة ظاهرة الإلحاد أمام المؤتمر نريد معرفة أبرز ما جاء فيها؟
إن قضية الالحاد من أخطر القضايا التي تواجه أمتنا حاليا ومنذ سنوات مضت، وقد قامت وزارة الأوقاف المصرية بإخراج عدة كتب في مواجهة الإلحاد وتفنيده وتفكيكه، وكان هذا عملا مؤسسيا مهما وبجواره أعمال أخري ستصب في الفترة القادمة لهذا الوعاء المؤسسي وداخل اصدارات وزارة الأوقاف.
ولقد عملنا علي مدار 12 سنة مضت علي رصد مظاهر قضية الإلحاد وجذورها وتضاريسها، وللأسف وجدنا أن العالم يشهد تصاعدًا ونموًا لهذه الظاهرة منذ سنة 2005، ووجدنا أن الملحدين 4 شرائح، فهناك الملحد المطلق، والملحد الربوبي، والملحد اللا أدري، والملحد المنفجر نفسيًا، والأخير هو الأكثر وجودا وانتشارًا والأقل احتكامًا إلى المنطق الفكري، فهو إنسان كانت نفسيته هشة وأضعف بكثير من كم الضغوط وكم المفاجآت والصدمات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية، والتي أدت به إلى حالة من الصدمة أو الانهيار النفسي أمام ما رأي من دول تنهار وجيوش تتمزق ورقاب تقطع يصحبها تكبير وشعارات دينية، ما جعل هذه الشريحة تأخذ موقفًا شديد النفور من الخطاب الديني الصارخ الصادم الذي رآه خلال السنوات الماضية، فكان الإلحاد في هذه الحالة رد فعل عكسي لقبح الخطاب الديني الصادر من التيارات المتطرفة الإرهابية خاصة وأنه صاحبه أفعال إجرامية شنيعة للأسف الشديد.
وفي هذا الإطار درسنا شرائح الملحدين والسمات النفسية لهم فوجدنا منها الاستفزاز والافتخار والانتشار ولكل واحدة منها تفصيل يعيننا علي المواجهة، كما رصدنا القضايا والإشكاليات التي تسبب اهتزاز اليقين والإلحاد، فوجدنا 70 شبهة ترد إلى 3 أصول معرفية هي الفيزياء الكونية، والدارونية والدارونية الجديدة، وفلسفة الوعي والذكاء والإدراك، وأجرينا دراسات حول هذه القضايا، وسنعمل خلال الفترة القادمة بمزيد من العمل والتنسيق مع أساتذة وخبراء في العلوم الفيزيائية وفي علوم التاريخ الطبيعي بما يجعلنا نقدم عملا مؤسسيا علميا مدروسا قائما علي رصد الواقع وإدراك تحدياته، وندعو الله تعالى أن يجعل هذا الجهد الذي نقوم به على المستوى اللائق لخدمة الوطن ولخدمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
الأزهري لبوابة الاهرام نجحنا في تأمين مصر من الشر