في مقال كتبته بعنوان "صحوة في اليابان لنصرة فلسطين"، بتاريخ 14 يوليو الماضي، ألمحت إلى ما أسميته بـ مؤشر إيجابي لتغيير نسبي في التفاعل الياباني مع ما تشهده فلسطين، من جرائم إبادة جماعية، على أيدي العصابات الصهيونية.
تعقيبًا على المقال، تلقيت ردًا قيمًا من شخصية دبلوماسية مصرية مرموقة، جاء فيه نصًا: "لا توجد في اليابان صحوة لنصرة فلسطين، ولن توجد مستقبلا، ولا يجب أن نفسر بعض المقالات المحدودة على أنها صحوة، وحتى بالنسبة لما أقره البرلمان الياباني (الدايت)، فهو كلام عام يدعو إلى وقف إطلاق النار، ولا يحمل إدانة لإسرائيل، كما أن تصويت اليابان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتسق مع تصويت الغالبية العظمى من دول الاتحاد الأوروبي..
ليست هناك صحوة، ولن تكون هناك صحوة.. فاليابان تنقصها مجموعة من المتخصصين الحقيقيين في شئون الشرق الأوسط وليس بعض كتاب القصص، واليابان دولة تابعة للولايات المتحدة، وليست لها سياسة خارجية مستقلة، سواء تجاه الشرق الأوسط، أو تجاه غيرها".
بحكم خبرته الدبلوماسية الواسعة، ومعرفته اللصيقة بمنطقة شمال شرق أسيا، بما فيها اليابان وكوريا على وجه التحديد، لم أجد ما يمكنني من الدخول معه في جدال غير متكافئ عن سياسة اليابان الخارجية، وتجاه منطقة الشرق الأوسط خصوصًا، وشبه رفعت الراية البيضاء، مكتفيًا بالتمني على الأصدقاء في طوكيو إلقاء مجرد نظرة عطف، واهتمام، على ما نحن فيه، بما يتوافق مع المصالح العليا للطرفين.
هذا التمني الذي كان -ولا يزال- يراودني عن التغير النسبي الإيجابي في التفاعل، الرسمي والأهلي الياباني، تجاه ما جرى- ويجري-- في منطقتنا، أقول، تضاعف التمني، في خلال الأيام الماضية، عقب تسارع حالة التصعيد والاغتيالات الإجرامية.
بينما صدرت العديد من ردود الفعل في العديد من عواصم دول العالم، تجاه تصعيد لهجة ورسائل المواجهة المسلحة، بين محور المقاومة، الباسلة، والكيان العنصري الصهيوني، انتظرت –بفارغ الصبر- أن أقرأ بيانًا رسميًا صادرًا عن حكومة اليابان، قد يتضمن -من باب أضعف الإيمان- دعوة الأطراف إلى ضبط النفس!
الاستثناء الإيجابي الوحيد، الذي تناقلته الميديا اليابانية، تجلى في موقف جريء، اتخذه عمدة مدينة ناجاساكي، سوزوكي شيرو، بعدم إرسال خطاب دعوة إلى سفير الكيان العنصري الصهيوني بطوكيو، جلعاد كوهين، لحضور مراسم إحياء الذكرى السنوية للقصف الذري الأمريكي، المقررة في يوم 9 أغسطس الحالي بالمدينة.
في ظل استمرار جريمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وبدلا من توجيه الدعوة للسفير كوهين- لمشاركة مبعوثي 154 دولة ومنطقة بمن فيهم سفير فلسطين باليابان وليد صيام، الذي يشارك كل عام في مراسم إحياء ذكرى القصف الذري الأمريكي الأليمة في أجواء هادئة ومهيبة- وجهت ناجاساكي رسالة إلى الجانب العنصري الصهيوني تدعوه فيها إلى وقف فوري للحرب الإجرامية في قطاع غزة.
استثناء إيجابي ياباني آخر، قرأته لكن عبر الميديا العالمية، جاء فيه أن أستاذًا مشاركًا بجامعة طوكيو، سايتو كوهيه، وجه انتقادات لاذعة لأولمبياد باريس ووصفها بأنها اتبعت معايير مزدوجة "ومزبلة رياضية"، لمشاركة إسرائيل فيها.
في مداخلة ضمن برنامج تلفزيوني، صرح البروفيسور سايتو بأن محكمة العدل الدولية أوصت باعتبار ما تقوم به إسرائيل إبادة جماعية، وانتهاكا للقانون الدولي، ومع ذلك، اتبعت اللجنة الأولمبية معايير مزدوجة، بمنع روسيا وقبول مشاركة إسرائيل في الحدث، وقال: "عندما يحدث ذلك -من جانب المجتمع الدولي- يجري الاحتفال بالسلام، لكن الشعب الفلسطيني وسكان غزة منسيون، ولا يبقى هناك أحد يتذكر الإبادة الجماعية، أحاول ألا أنظر إلى ذلك المشهد، حتى ولو لدقيقة واحدة".
كل الشكر والتقدير والامتنان لعمدة ناجاساكي الشجاع، وكذلك التحية والعرفان للبروفيسور سايتو-(سينسيه) وهي كلمة يابانية يقتصر إطلاقها على المعلمين فقط- لمواقفهما النبيلة تجاه ما ترتكبه العصابات الصهيونية من إبادة جماعية بفلسطين.
قد تبدو مثل هذه المواقف اليابانية النبيلة محدودة، أو نقطة في بحر، وربما لا ترقى إلى حد وصفها بـ "الصحوة لنصرة فلسطين" في بلاد الشمس المشرقة، مما يجعلنا نتفق تمامًا مع تعقيب الشخصية الدبلوماسية المصرية المرموقة، غير أننا سوف نظل متسلحين بإمكانية تحقيق المزيد من صحوة الضمير العالمي لنصرة قضايانا المصيرية العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين، وتحديدًا من الجانب الياباني، ووقتها، سنقول جميعًا بصوت واحد "أريجاتوجوزايماس" شكرًا لليابان.
[email protected]