Close ad

زمن البطاطس الجميل

3-8-2024 | 14:04

كان يا مكان، في سالف العصر والأوان، في الزمن الجميل، كانت البطاطس تمثل في كل بيت بسيط، أكلة الغلابة والفقراء، وأذكر أنه في هذا الزمن الطيب الفائت، كانت البطاطس تمثل أفضل الأكلات لي، فعندما لا يروقني طعام أمي  - الله يرحمها - من الأرز والخضار واللحوم، كنت أقوم "بتحمير رصة بطاطس" وأقوم بالتهامها في عدة سندوتشات مع الملح أبوكمون، مستمتعًا بهذه الأكلة المعشوقة لي وللكثير من أقراني.

وأذكر أن أمي -رحمها الله- كانت عندما يغلب تفكيرها قديمًا وتُعيها الحيلة في ماذا تصنع لنا طعامًا اليوم؟ كانت تأتي بالبطاطس صغيرة الحجم وتسلقها وتحمرها لنا، ونلتف حولها نأكلها في سعادة غامرة، بهذا الطعام الطيب المتوافر دائمًا في أسواقنا وبرخص التراب.

ما ذكرته سلفًا، كان هذا ديدن الكثير من بيوتنا المصرية الأصيلة، وحال أمهاتنا المباركات -رحمهن الله- سواء في الحضر، أو الريف، أما الآن، فقد انقلب الحال، بسبب ارتفاع أسعارها لمستوى قياسي غير مسبوق، فصار ثمن كيلو البطاطس يتعدى الخمسة والعشرين، والخمسة والثلاثين جنيهًا في بعض المناطق، ومع هذا حال جودتها لا يسر، كما كانت قديمًا "منورة" تسر العين والقلب والمعدة معًا.

مشكلة البطاطس الآن أضحت بيِّنة للجميع، ويعاني منها أكثرية الشعب المطحون الذي كانت تمثل له "أكلة الغلابة"، حتى أن التجار حذروا من استمرار ارتفاع أسعارها في مصرنا الحبيبة خلال الفترة المقبلة، مطالبين بتدخل الأجهزة الرقابية لضبط السوق، خاصة أنها أصبحت أزمة تتكرر كل عام في هذا التوقيت نفسه بعد حصادها الذي ينتهي نهاية شهر مايو، وتخزينها حتى بداية الإنتاج في شهر فبراير تفاقم، واستفحال أزمة ومشكلة ارتفاع أسعار البطاطس، جعلت المسئولين يخرجون عن صمتهم، موضحين أبعاد وأسباب هذه المعضلة الكارثية، التى طالت كثيرًا من بيوت وجيوب الفقراء، الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا ذنب لهم في الصعار الجنوني الذي أصاب سعرها.

فخرج علينا وزير الزراعة الدكتور علاء فاروق، مبشرًا أن موعد انخفاض أسعار البطاطس بالأسواق، سيكون مع بداية العروة الجديدة من البطاطس في شهر نوفمبر المقبل، وأننا لسنا في موسم البطاطس الآن، والموجود حاليًا في الأسواق هو المخزن، وأن أزمة البطاطس، مشكلة عالمية هذا العام، وارتفاع أسعارها على مستوى العالم وليس مصر فقط.

نقيب الفلاحين حسين أبوصدام، أدلى بدلوه، فأوضح أن ارتفاع أسعار البطاطس كان متوقعًا، وأن نقابته حذرت منه في شهر ديسمبر الماضي، ولفت إلى أن الكميات المعروضة من البطاطس قليلة أمام المواطنين، لذا الأسعار مرتفعة، مميطًا اللثام عن الأسباب الحقيقة وراء هذه المشكلة، مؤكدًا أن استغلال واحتكار تجار البطاطس، السبب الرئيس في ارتفاع أسعار التقاوي المستوردة والمحلية، ووراء قلة صادرات مصر من تقاوي البطاطس، إضافة لارتفاع تكلفة زراعة البطاطس، وتعدد حلقاتها الوسيطة يزيد أسعارها على المستهلك، فضلا عن قلة الإنتاج، واتجاه التجار لتخزين البطاطس أملًا في زيادة الأرباح، حيث يستخدم المزارعون إنتاج هذه العروة كتقاوٍ للعروتين الشتوية والخريفية بأسعار مجزية؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعارها.

وأن انخفاض المساحة وقلة الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار تقاوي البطاطس المستوردة إلى نحو 100 ألف جنيه للطن؛ بسبب نقص التقاوي المستوردة هذا الموسم، أجبر بعض المزارعين للزراعة بتقاوٍ محلية أقل إنتاجًا وأرخص سعرًا، جنبًا إلى عزوف البعض الآخر عن زراعتها خوفًا من الخسائر، حيث تمثل التقاوي نحو 60% من تكلفة زراعة البطاطس.

ولك أن تعرف - قارئي الكريم - أن إجمالي مساحات زراعة البطاطس في مصر يمثل 600 ألف فدان، تزرع في ثلاث عروات أساسية، هي العروة الصيفية، والشتوية، والنيلية، وننتج ما يقارب 7.5 مليون طن بطاطس سنويًا، وتحتل البطاطس مركز الصدارة بالنسبة لمحاصيل الخضر التصديرية في بلادنا؛ حيث تعد ثاني أكبر منتج مصري يتم تصديره بعد الموالح بنحو مليون طن سنويا، وأن المطالبة بوقف التصدير؛ سيكون كارثة على المزارعين، على حد قول نقيب الفلاحين.

حاتم النجيب رئيس شعبة الخضراوات بالاتحاد العام للغرف التجارية، طالب بضرورة تنظيم تصدير البطاطس حتى لا تخرج السوق عن إطارها الطبيعي، موضحًا أن ما يتم تصديره ما بين 800 ألف طن إلى مليون طن سنويًا.

وأتساءل مستنكرًا: على اعتبار أن المصدر من البطاطس مليون طن، إذن يتبقى للسوق المحلية ستة ملايين ونصف المليون طن، أين تذهب؟ ولمن؟ والإجابة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، وهي جشع التجار، وتوريد المحصول لمصانع البطاطس المصنعة، التي صارت وبالًا على بيوت وجيوب الأسر المصرية الفقيرة، التي كانت تعتمد اعتمادًا كليًا على هذا المحصول، رخيص الثمن في إطعام الصغير والكبير على السواء، وطوال العام.

قناعتى الشخصية، وطرحي الفكري، لمعالجة أزمة ارتفاع سعر البطاطس في بلادنا، أراه يتمثل في تكثيف الرقابة ووضع حدود لإيقاف غول شركات ومصانع البطاطس المصنعة المستحوذة على كميات محصول البطاطس المصرية، بتحسين نظام توزيع البطاطس لتقليل الفاقد، وضمان وصولها إلى أسواقنا ومستهلكينا بكفاءة، جنبًا إلى تقديم الدعم المالي والتقني للمزارعين لزيادة إنتاجية البطاطس، وتحسين تقنيات زراعتها، مع توفير مرافق تخزين باردة للبطاطس للحفاظ على جودتها لفترات أطول وتقليل نسبة التلف منها، وأيضًا زيادة الاستثمار في البحث الزراعي لتطوير أصناف جديدة من البطاطس مقاومة للأمراض والجفاف، واتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية تعمل على خفض تكاليف الإنتاج الزراعي، مثل دعم أسعار الأسمدة والمبيدات، وفى النهاية يمكننا أيضًا استيراد كميات إضافية من البطاطس ذي الجودة العالية من الأسواق العالمية لتلبية الطلب المحلي.

والله أسأل أن يعود لبيوتنا وأسرنا المصرية، ولنا جميعًا، زمن البطاطس الجميل، بذكرياتها الطيبة اللذيذة، المسلوقة، والمحمرة، والمهروسة، وما ذلك على الله بعزيز.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
رؤساء الهيئات الإعلامية والصحفية.. عندما تتحدث الإنجازات

ثمة حقائق نؤمن بها دائمًا، تكون نورًا وبرهانًا هاديًا لنا فى مسيرتنا الحياتية والعملية، من هذه الحقائق سنة التغيير والتبديل، التي تنتهجها دولتنا المصرية

علو الهمة.. لهيب الحياة ونور الطريق

من الصحابيات الجليلات اللواتي كان لهن مواقف مشهودة فى الإسلام وأكثرهن كذلك- الصحابية الجليلة الشفاء بنت عبدالله القرشية ، هذه المرأة التى شرفت بكونها

اللاجئون في يومهم العالمي

بعد أحداث الحرب العالمية الثانية المفزعة، ونتائجها وتداعياتها التي قلبت مصير العالم، ومنها البؤس الإنساني بشتى وجوهه، التي طال أغلب بقاع الأرض، كان الهرب