منذ فترة ليست بالقصيرة؛ دار حوار بيني وبين شخص ما؛ أكد خلاله استحقاقه لما هو فيه؛ وأنه لم يظلم أحدًا، ولم يأخذ مكانه؛ واستدل بقول الله سبحانه وتعالى "وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ" الآية 44 سورة فصلت.
لتأكيد أن الله سمح له بأخذ ما أخذ لأنه حقه؛ ولو كان حق أحد غيره ما سمح به الله؛ واليوم أرد عليه وعلى كل من يعتقد نفس اعتقاده؛ والرد في نفس سياق الآية الكريمة التي تم الاستشهاد بها؛ وأنا أيضًا استشهد بها.
كل بني آدم يعيشون على الأرض وفق رؤية كل واحد منهم؛ فمنهم من يعي بشكل قاطع أن الدنيا دار ممر؛ والآخرة دار المقر؛ فلو عاش مئة عام مآله الموت، ثم البعث والحساب؛ ومنهم من يعيش الدنيا بكل زهوها؛ يرفض أن تفوته لحظة دون الاستمتاع؛ ولا يعمل لآخرته حساب؛ وهناك من يعيش الدنيا يجاهد نفسه وفق ما استطاع حتى يفوز بالآخرة؛ وهناك فئات أخرى من بني آدم يخلطون الأمور؛ ويضعونها في سياقات تناسب أغراضهم ظنًا منهم أنهم يتمتعون بذكاء يفوق ذكاء الآخرين.
أما الطبقة الأسوأ؛ فهي من تؤول الأمور وتفسيرها في تعزيز مصالحهم فقط؛ مثل من يرى أن وجود شخص في مكان؛ لأحقيته المطلقة؛ والآخر الذي لم يأخذه لعدم كفاءته؛ وأيضًا لعدم استحقاقه. مستشهدًا بالآية الكريمة التي سبق ذكرها أن الله سبحانه وتعالى؛ أقر بأنه ليس بظلام للعبيد.
ومع ذلك الدنيا دار للظلم؛ قلما تجد من لا يشكو الظلم؛ أيًا كان الظالم؛ وأيًا كان المظلوم.
لكن الآخرة دار للحق؛ سيأخذ كل صاحب حق حقه؛ "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه" سورة الزلزلة الآية 7،8. أي أن هناك من يعمل الشر؛ وسيحاسب عليه؛ حتى مثقال الذرة؛ وذلك أصغر أحجام الوزن على الإطلاق.
ليأتي يوم القيامة؛ وهو بمقدار خمسين ألف عام مما نعد؛ هذا هو يوم واحد فقط؛ لماذا هذا اليوم بهذا الطول الكبير جدًا؛ لأنه يوم الحساب، يبعث الله فيه بني آدم ليعطيهم الحقوق؛ يوم القيامة لكل بني آدم حقوق؛ هناك من ظٌلم ولم يسامح؛ يأتي يوم العرض وله حق عند فلان؛ فيأخذ من حسناته؛ حتى يوفى حقه؛ وإذا لم تكفِ حسنات الظالم؛ يأخذ الظالم من سيئات المظلوم لتٌضاف إليه.
وبناء عليه يوم القيامة؛ ستجد شخصًا محملا بعدد كبير من السيئات، ولكن له حقوق عند آخرين؛ فيأخذ من حسناتهم؛ ويأخذون من سيئاته؛ فيتحول حاله من حامل للسيئات؛ لحامل للحسنات، والعكس صحيح؛ فقد تكون فعلت كثيرًا من الخيرات؛ وأخذت عليها كثيرًا جدًا من الحسنات؛ ولكنك ظلمت شخصًا ولم تعطه حقه في الدنيا، فيأخذه منك في الآخرة؛ حسنات يصعب حصرها؛ وبعد أن كانت حسناتك ملء الأرض؛ نقصت حتى زالت.
نعم تزول الحسنات؛ وتأتي مكانها السيئات؛ لأن هناك من جار على حق إنسان؛ لذلك صدقت الآية الكريمة؛ وصدق مٌنزلها؛ وما ربك بظلام للعبيد.
إذا امتلكت القدرة على ظلم الناس؛ وتنعمت بها؛ وظننت أن الله يدعمك؛ فأنت خاسر خسارة لا ريب فيها؛ خسارة ستدفع قيمتها في دار الخلود.
وللحديث بقية نستكملها في المقال المقبل إن شاء الله.
[email protected]