طالع المصريون في صبيحة يوم 30 يوليو 1952م، خبرًا انتظروه طويلاً بإلغاء الألقاب المدنية الرسمية التي كانت يمنحها حكام الأسرة العلوية لكبار رجال الدولة، حيث اعتبروا القرار خطوة أولى نحو تحقيق العدالة الاجتماعية التي افتقدوها كثيرًا خلال العهد الملكي.
موضوعات مقترحة
القرار الذي أصدره مجلس قيادة الثورة بقيادة محمد نجيب جاء بعد أقل من 3 أيام فقط من رحيل الملك فاروق، وقد جعلت صحيفة "الأهرام" من هذا الخبر المانشيت الرئيسي لها، تحت عنوان
مجلس الوزراء يقرر إلغاء الألقاب والرتب مع إبقاء الأوسمة
عدد الأهرام الخاص بإلغاء الألقاب في العهد الملكي
إلغاء رسمي واستخدام شعبي
ودع المصريون للأبد ألقاب "البك، والباشا، والهانم" بشكل رسمي فقط، لكن بقيت تلك الألقاب شائعة على الألسن في حديث الناس ومخاطبتهم اليومية حتى الآن؛ وربما يعود ذلك انتقامًا للطبقة الأرستقراطية التي كانت مسيطرة على ثروات وأراضي البلاد قبل ثورة يوليو، فلما انتهى ذلك العصر لم يجد المصريون غضاضة في أن يُلقبوا أنفسهم بتلك الألقاب من باب المجاملة والتقدير، لقد منحوها لأنفسهم وشاعت بين الصغار والكبار
كان تأثير هذا القرار ووقعه قويًا على المصريين، وقد عبر عن هذا إسماعيل يس، حين غنى لثورة 23 يوليو لأول مرة مونولوج "20 مليون وزيادة" في فيلم "اللص الشريف" إنتاج عام 1953م، وفيه يقول إسماعيل يس من كلمات الشاعر الزجال محمد عثمان خليفة "ابن الليل":
"عشرين مليون وزيادة كانوا عايشين هنا أموات .. علشان حضرات السادة البهوات والباشوات"
محمد نجيب يشرح سبب القرار
الرئيس الأسبق محمد نجيب تحدث عن ملابسات هذا القرار في مذكراته "كُنت رئيسًا لمصر"، فقال:"في 30 يوليو 1952م،ألغيت الألقاب الرسمية من بك إلي باشا، ومن صاحب السعادة إلي صاحب السمو، وهذه الألقاب هي في الأصل ألقاب تركية، وكانت تمنح ولا تُورث وكانت منحة من الملك، وغالبًا ما كانت تمنح لمن لا يستحقها مثل سائق الملك محمد حلمي حسين، الذي كان يقولون له:"محمد بك".
ويضيف نجيب:"كان إلغاء هذه الألقاب بقرار حكومي لا يكفي فالناس تعودت عليها، ولابد من ابتكار ألقابًا بديلة لها، فاخترنا كلمة "حضرتك"، لكنها لم تكن ملائمة للمصريين، فاستقر الرأي علي لقب السيد".
عدد صجيفة المصري الخاص بإلغاء الألقاب في العهد الملكي
نص قرار إلغاء الألقاب
نص قرار مجلس قيادة الثورة على إلغاء الرتب والألقاب المدنية التي سبق أن تضمنها الأمر الملكي رقم 2 لسنة 1923م، والأوامر الملكية التالية والرتب التي شملها الإلغاء وهي:
ـ رتبة الباشوية.
ـ رتبة البكوية بدرجتيها الأولى الثانية.
ـ الألقاب المتصلة بهما والألقاب المتصلة بوظائف الوزراء ورؤساء الوزراء، وتشمل"صاحب العزة،حضرة صاحب العزة،صاحب السعادة، صاحب المعالي، حضرة صاحب المقام الرفيع".
ونص قرار مجلس قيادة الثورة الذي خرج ممهورًا بتوقيع رئاسة مجلس الوزراء، أنه تقرر الاستغناء عن هذا الكلمات في جميع المكاتبات.
وفيما يلي قائمة بالألقاب الرسمية التي كانت تستخدم خلال عهد الأسرة العلوية.
ـ حضرة صاحب السُّدة الخديوية (الخديو 1867ـ 1914م)
ـ حضرة صاحب العظمة (السلطان 1914 ـ 1922م)
ـ حضرة صاحب الجلالة (الملك 1922ـ1952م)
ـ حضرة صاحب السمو الملكي (أبناء وبنات وإخوة الملك)
ـ حضرة صاحب السمو (أبناء الأسرة العلوية)
ـ حضرة صاحب السعادة (الباشا)
ـ حضرة صاحب العزة (البك من الدرجة الأولى)
ـ صاحب العزة (البك من الدرجة الثانية)
ـ حضرة صاحب المقام الرفيع (لمن تقلد قلادة فؤاد الأول)
ـ حضرة صاحب الدولة رفعة الباشا (رئيس الوزراء)
ـ حضرة صاحب المعالي (لمن مُنح نيشان محمد علي)
ـ حضرة صاحب المجد (للنبلاء)
ـ الوجيه الأمثل (أبناء الأميرات المتزوجات من خارج الأسرة العلوية)
ـ حضرة صاحبة العصمة (لمن تُمنح وسام الكمال)
ـ الأفندي (يعني السيد باللغة التركية ويخاطب به صغار موظفي الحكومة)
تاريخ الألقاب في مصر قبل ثورة 23 يوليو
وتعود الألقاب المدنية في مصر إلي 4 يناير عام1923م، حيث تقرر إنشاء خمسة رتب مدنية هي رتبة "الرياسة"، ورتبة الامتياز، ورتبة الباشوية، ورتبة البكوية من الدرجة الأولي، والبكوية من الدرجة الثانية.
وكان هناك لقب"صاحب المقام الرفيع"، وهو اللقب الذي يُلقب به كل من حاز علي شرف الإنعام عليه بقلادة فؤاد الأول التي أُنشئت عام 1936م بأمر ملكي نص علي ألا يزيد عدد حامليها عن 10 أشخاص، وممن حملوا هذا اللقب "شريف صبري باشا،عزيز عزت باشا،عضوي مجلس الوصاية، ومن رؤساء الوزراء كل من "مصطفي النحاس باشا، ومحمد توفيق نسيم باشا".
ومع الذكرى الثانية والسبعين لإلغاء الألقاب، نتناول تاريخها والامتيازات التي كان يحملها صاحبها.
1ـ الباشا:
تعد كلمة "باشا" واحدة من أهم الألقاب التركية القديمة، ويستخدمها الناس في عصرنا الحالي للتوقير والتفخيم و تعظيم مكانة من يخاطبه، وقد شاع استخدامها قديمًا كلقب يُمنح لكبار الضباط والقادة ورؤساء الأقوام.
تذهب بعض الآراء أن كلمة "باشا التركية، تعني "رأس، أو قمة، أو زعيم أو قائد"، وكانت توضع قبل الصنعة أو الوظيفة مثل (باشكاتب) أو في آخرها مثل (حكيمباشي)، و قيل بل مشتقة من كلمة (باشكال)، ومعناها حاكم عسكري، وقد استعملت كلقب عسكري بمعنى "كبير الأغوات".
البعض الآخر ذهب أنها كلمة فارسية مأخوذة من كلمة (باديشاه)، وهي تعني العامل بأمر السلطان، وهذا يدل علي التقيد بأوامر السلطان والطاعة الكاملة والولاء.
تاريخيًا، انتشر لقب (باشا) في مصر إبان عصر محمد علي انتشارًا كبيرًا، وأصبح لقبًا فخريًا رسميًا يرتبط بالمدنيين والعسكريين على حسب ما تقتضيه مكانة الشخص في المجتمع.
وبحسب قانون الألقاب رقم 2 الصادر عام 1923 فإن رتبة الباشوية كانت فقط لكبار الموظفين الذين لا يقل مرتبهم عن 1800 جنيه سنويًا، ولقب الأعيان المصريين الذين امتازوا بتأدية خدمات جليلة للبلاد، كما يجوز منحها بصفة استثنائية للمحافظين والمديرين الذين يبلغ أقصى مرتب درجتهم 1600 جنيه في السنة.
2ـ البك:
"البيه أو البيك أو البك" كلها مسميات لكلمة واحدة ولقب تركي معناه السيد أو الأمير ذو الشأن العظيم، وكانت تستخدم في الدولة العثمانية، واستخدمت في العديد من البلدان الشرقية، وكانت تطلق على كبار موظفي الجيش.
وانقسمت "البكوية" لقسمين وهما:
ـ البكوية من الدرجة الأولي: وتمنح عادة للموظفين الذين لا يقل مرتبهم عن 1200 جنيه في السنة، وللأعيان الذي قدموا خدمات للبلاد، ويُلقب صاحبها بلقب"حضرة صاحب العزة".
البكوية من الدرجة الثانية: تُمنح للموظفين الذين يقل راتبهم عن 800 جنيه في السنة، وكذلك للأعيان المصريين الذين قاموا بخدمات للبلاد ويُلقب حاملها بـ"صاحب العزة".
لقد كانت الألقاب الرسمية إبان الحقبة الملكية للجذور التركية العثمانية للنخبة الحاكمة، وكان الأعيان من المصريين يسعون بعض للحصول عليها ولو بالشراء من الملك، وانعكاسا لنظام شبه وراثي في تسلسل السلطة والهيبة، لقد كان معظم كبار الإقطاعيين في مصر من فئة الباشاوات ومتوسطيهم من فئة البكوات، وهكذا كان قانوني إلغاء الألقاب المدنية، والإصلاح الزراعي، ضربة البداية نحو تغيير الواقع الاجتماعي في مصر.