إسرائيل تطرق أبواب الجحيم

31-7-2024 | 13:38

تحبس المنطقة أنفاسها في انتظار انفجار خطير للغاية بعدما أقدمت إسرائيل على اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس في قلب طهران، بعد ساعات من حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، وبعد ساعات من اغتيال الحاج محسن أحد قيادات حزب الله في هجوم على الضاحية الجنوبية في بيروت.

وقد تجاهلت اسرائيل تحذيرات الكثير من عواصم العالم من أنها تطرق أبواب الجحيم لو صعدت معركتها مع حزب الله، ويبدو أن تل أبيب اختارت أن تقامر بكسر كل الخطوط الحمراء؛ بتوجيه ضربة أخرى في قلب طهران لقطع الطريق على رغبة الرئيس بزشكيان بالانفتاح على الغرب، وتعزيز علاقات حسن الجوار مع الدول العربية، وتعزيز شراكتها الإستراتيجية مع روسيا والصين ودعم إيران لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية. 

ومرة أخرى تضع إسرائيل المنطقة على فوهة بركان. 

وباتت إيران في موقف صعب، ترى هل تسقط المعبد على رؤوس الجميع، أم ترد ردًا مؤلمًا وليس تحذيريًا هذه المرة.

وماذا ستفعل واشنطن التي أرسلت قطعًا بحرية لسواحل لبنان قبل 24 ساعة من هذه التطورات الخطيرة، والتي حذر منها قبل حدوثها الرئيس بوتين، وعندما لم تنجح فتنة مجدل شمس جاءت ضربة جنوب بيروت، ثم اغتيال هنية. 

ترى هل نحن على موعد مع جحيم الحرب الإقليمية الواسعة؟! سؤال يحلق على رؤوس الجميع.

وبات الجميع تحت وطأة العدّ العكسي ضربة أم حرب واسعة النطاق بدون سقف، واحتمالات قوية بانزلاقها إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، ولا تبدو رواية إسرائيل مقنعة بتحميل حزب الله مسئولية ما حدث في مجدل شمس، وقد طرد السكان الدروز مسئولين إسرائيليين من مجدل شمس، ورفضوا تسييس المأساة.

 وقد توقف سياسيون ودبلوماسيون أمام موقف زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من حادث مجدل شمس، والتهديدات الإسرائيلية بالعدوان على لبنان، وكلام جنبلاط عن حواره مع المبعوث الأمريكي أموس هوكشتاين الذي تحدّث بلغة التهديد الإسرائيلي، ورأوا في الموقف قراءة لمشروع فتنة كبيرة يعمل عليها الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة.

ويؤكد هؤلاء أن جنبلاط قد كسر ظهر فتنة يريدها العدو في فلسطين ولبنان وسط حالة استنفار داخلي ودولي لاستيعاب حادثة الجولان، وكشف جنبلاط عن قوله للمبعوث الأمريكي هوكشتاين إن «حزب الله» لم يقصف مجدل شمس، وحتى اللحظة يتصدى دروز لبنان وسوريا للفتنة الإسرائيليّة من بوابة مجدل شمس.

ويأتي ذلك وسط انتقاد لبناني لهوكشتاين، وتحذيرات من أن استهداف بيروت يهدِّد بحرب شاملة.

ويرى الخبراء أن الوساطات الغربية هدفها فرض حلّ يفصل جبهة لبنان عن غزة، ويحذر اللبنانيون من أن حتمية الرد الإسرائيلي تعني حتمية ردّ متناسب للمقاومة. 

وتشهد المنطقة اتصالات في كل الاتجاهات لمنع الحرب، والعالم كله يترقّب ردّات الفعل، وما إذا كانت مغامرة نتنياهو المقبلة هي ضربة محدودة أم حرب شاملة؟

 ويذهب بعض الخبراء إلى أننا نشهد لهيبًا أكبر، ولكنه تحت سقف الحرب، أي لن ينزلق إلى الحرب الواسعة، وتقول المصادر المطلعة أن «تل أبيب» تريد توسعة الحرب، لكنها غير قادرة على ذلك.

ومن ناحية أخرى يعيش لبنان على وقع تداعيات صاروخ «مجدل شمس» بين ترقّب الردّ الإسرائيلي، واستمرار اليوميات اللبنانية على طبيعتها، وسط تحذيرات أمريكية للطيران، وشركة الميدل إيست اللبنانية توقف رحلاتها مؤقتًا وإجماع ضد العدوان.

وقد نفذ حزب الله إجراءات طفيفة في الضاحية، ونزوح خفيف من الجنوب إلى العاصمة ومحيطها، وكشف بعض الخبراء عن أن أنفاق حزب الله ملاذه الآمن لصدّ هجوم برّي إسرائيلي، وإدانة لبنانية لاستهداف المدنيين، وذلك وسط دعوات بضرورة توحّد اللبنانيّين مع المقاومة ضدّ العدوان الإسرائيلي المتوقع.
 
ويسود جو من الارتياح لعدم تفجر الفتنة الاهلية في لبنان، وذلك وسط تقدير عالٍ من ثنائي حركة أمل، وحزب الله لموقف جنبلاط الذي يؤكد "نحن مع المقاومة"، وتمسك مجدل شمس بهويتها العربية رغم الكذب الإسرائيلي.

وفي الوقت الذي تقول فيه المصادر الأمريكية إن واشنطن تسعى للجم التهديد الإسرائيلي، إلا أن إسرائيل تختبر توسيع الحرب باستهداف محيط "صور" في جنوب لبنان.

ومن ناحية أخرى قالت مصادر أمنية لصحيفة الأخبار اللبنانية أمس الأول إنّ سفارات الدول الأجنبية في بيروت بدأت بتفعيل خطط الإخلاء التي كانت قد وضعتها مع بداية الحرب؛ لترحيل رعاياها في حال اندلاع الحرب، والتي تضمّنت رصدًا للطرقات التي يمكن سلوكها والمطارات العسكرية والموانئ الصغيرة؛ للخروج في حال إقفال مطار بيروت، مشيرة إلى أنّ الوضع خطير استنادًا إلى السلوك الأمريكي الذي لم يصل ولا مرة إلى هذه المرحلة من التحذير، إذ إن السفارة كانت تكتفي سابقًا برفع مستوى التحذير، لكن ليس بالشكل الذي تقوم به حاليًا.

ومن ناحية أخرى تشهد إسرائيل مظاهر عدة من الانقسام وتأثيرات مؤلمة لتداعيات الحرب التي لا نهاية لها في غزة، فقد ذكرت ️نيويورك تايمز الأمريكية أن بعض الذخائر وقطع الغيار بدأت تنفد لدى "الجيش الإسرائيلي"، في حين بدأ عدد أقل من جنود الاحتياط في الذهاب إلى الخدمة، كما أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أن الجيش سحب قوات من الضفة وقوات من لواء ناحل من غزة ودفع بهم إلى معسكر بيت ليد.

وذكرت صحيفة هآرتس العبرية أن الفوضى التي تتكشف الآن على الجبهة الداخلية في "إسرائيل" ليست مشجعة، وهي علامة على انهيار القانون والنظام في البلاد، وهي تطورات تشير إلى ضعف داخلي، وربما تشجع حزب الله على التمسك باتجاه التحدي، وكما هو الحال بعد هجومين سابقين -ليلة الصواريخ والطائرات بدون طيار- من إيران في أبريل، وإطلاق الطائرة بدون طيار من اليمن إلى تل أبيب في منتصف هذا الشهر، فقد كافحت "إسرائيل" في اليومين الماضيين فيما يتعلق بطبيعة الرد المطلوب على آخر هجوم لحزب الله، لكن قوته وطريقة رد حزب الله، ستحدد وجه الصراع في الفترة المقبلة.

وفي الوقت نفسه نقلت ️صحيفة "معاريف" عن المحلل الإسرائيلي بن كاسبيت قوله: "إسرائيل" ليست على حافة الفوضى، بل هي في حالة من الفوضى، إن مقاطع الفيديو التي يظهر فيها العشرات أو المئات من الإسرائيليين وهم يحاولون اقتحام بوابات القواعد العسكرية هي رمز لتفككنا. 

ومن ناحية أخرى قال "بنيامين نتنياهو" إننا على بعد خطوة واحدة من النصر الكامل، ولكننا اكتشفنا بالأمس أننا على بعد خطوة واحدة من الحرب الأهلية.

 ومن جانبه قال الرئيس السابق لشعبة العمليات في جيش العدو الإسرائيلي اللواء "يسرائيل زيف": أنا قلق ليس فقط من حل الجيش الإسرائيلي، بل من حل دولة "إسرائيل".

وقد حذرت مصر والأردن من «حرب إقليمية شاملة» بعد هجوم الجولان، لبنان والمنطقة في «فوهة حربٍ كبرى»، وتؤكد العديد من العواصم أن لبنان على حافة الحرب الشاملة، وتذهب بعض المصادر المطلعة إلى أن واشنطن وتل أبيب تذهبان لتصعيد تفاوضي تحت سقف لا حرب كبرى وفق تحذير بوتين.

وكشف مسئول أمني في دولة عربية في تصريحات للصحافة اللبنانية مؤخرًا أن كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام وسائل الإعلام خلال استقباله الرئيس السوري بشار الأسد عن اتجاه المنطقة إلى التصعيد، وأن سوريا ضمن هذا السياق، جاء قبل حادثة مجدل شمس، ما يعني أن معلومات الاستخبارات الروسية عن قرار أمريكيّ إسرائيليّ خلال زيارة بنيامين نتنياهو قد اتُخذ بالتصعيد لتحسين شروط التفاوض، ومنها محاولة إبقاء القوات الأمريكية في سوريا والعراق، وحادثة مجدل شمس تمّ تصنيعها لهذا الغرض أو تمّ استغلالها بعدما وقعت عَرَضًا.

 ويبقى أن حالة من الشلل تسود البيت الأبيض مع دخول جو بايدن مرحلة البطة العرجاء، وإسرائيل تتخبط في الفوضى والانتقام، ونتنياهو غير متعجل وينتظر ترامب، أو الحصول بالدبلوماسية على ما لم يحصل عليه بالحرب، إلا أن الأرجح هو استمرار إسرائيل في طرق أبواب الجحيم ومحاولة الآخرين منع تفجر المنطقة إلى حين. 

ولكن رغم كل ذلك لا بديل عن التسوية السياسية وإنهاء الاحتلال طال الزمن أم قصر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة