كنت - وما زلت - على قناعة بأن مواجهة أي تحديات لابد وأن تكون من الأقاليم، فمصر دولة محورية تأسست واكتسبت قوتها وعمقها من حضارة وادي النيل، وظلت هويتها الثقافية مرتبطة بهذه الحضارة، من شمال مصر وحتى الجنوب.
ورغم تنوع الروافد الثقافية، وتعدد أدوات الاتصال والنيوميديا، إلا أن الكتاب يقف دائمًا في المواجهة، متحديًا في كل عصر.
قبل أيام تشرفت بالمشاركة ضيفًا على معرض بورسعيد للكتاب في دورته السابعة، وبورسعيد ليست بالنسبة لي مسقط الرأس، ولا البلد التي اكتسبت منها كل جميل فحسب، ولكنها في الحقيقة، مصدر إلهام لكل المبدعين، وهذا ليس تحيزًا لمدينتي، ولكنه تحيز للوطن وللمقاومة و للرجال.
في معرض بورسعيد، وفي دورته السابعة، شارك نحو ٥٥ ناشرًا في فعاليات المعرض، وتنوعت المشاركة من دور النشر الخاصة، وكذلك دور النشر التابعة لقطاعات وزارة الثقافة، والمؤسسات الصحفية الكبرى في مصر.
في اعتقادي أن الكتاب هو أداة رئيسية للمواجهة، رغم كل هذا الهجوم الوحشي الطاغي من النيوميديا، فما زال الكتاب يحتفظ برونقه وبجمهوره وبحضوره في المعارض الدولية والمحلية.
وحقيقة، إن الثقافة المصرية انطلقت من الأقاليم، فنحن جميعًا أبناء الأقاليم، ونحن جميعًا نشارك في الحفاظ على هويتنا الثقافة، ولهذا فإنني أعتقد أن المواجهة الحقيقية تبدأ من محافظات مصر، وأن الحراك الثقافي لابد وأن ينطلق من الأقاليم التي تموج بإبداعات متنوعة وقدرات خارقة، تنتظر المكتشف والمتبني القادر على تصعيد هذه المواهب.
في معرض بورسعيد هذا العام، كانت هناك فرصة كبيرة للوجود والتفاعل مع المصطافين، وهو أسلوب يجب أن يحسب لوزارة الثقافة؛ ممثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب، بالوجود في المدن الساحلية خلال موسم الصيف.
أهم ما يميز بورسعيد أنها مدينة لتلاقي الثقافات، نشأت ونمت بين حضارات أوروبية وعربية، وهو ما انعكس على مستوى القراءة والاطلاع والقدرة على التفاعل والمناقشة.
سعدت بحوار طويل ومتميز مع جمهور المعرض ومثقفي بورسعيد، ودارت بيننا مناقشات مطولة حول التحديات التي تواجه الدولة المصرية، وماذا يمكن للثقافة أن تقدمه في مواجهة هذه التحديات؟
قلت إن جماعة الإخوان الإرهابية تعاني من "حالة يأس" وعزلة شديدة نتيجة للرفض الشعبي والدولي الذي تتعرض له، وأنها منيت بفشل كبير في معاركها على الأرض، وهو ما دفعها إلى أن تنقل هذه المعارك إلى شبكة الإنترنت، وعليه فإن الصورة الذهنية للجماعة، قد أصبحت مرتبطة بالدم والقتل والخيانة، وأن أي حديث عن كونها جماعة دينية أو "بتوع ربنا" هو حديث غير واقعي؛ لأنها بكل بساطة هي جماعة سياسية تهدف إلى الوصول إلى الحكم، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف فإنها على استعداد إلى أن تتحالف مع كل القوى الدولية من أجل هذا الهدف.
وحول أهمية التوثيق قلت إننا نحتاج إلى مشروع قومي للتوثيق، تتبناه وزارة الثقافة، خاصة أننا نشهد عددًا كبيرا من المئويات المتعلقة بالدولة المصرية الحديثة، وهي التي أعقبت الفترة منذ استقلال مصر عام 1922 وحتى اليوم.
كان حوارًا شيقًا أداره باقتدار المخرج المسرحي صلاح الدمرداش..
هذه المعارض.. هي "قلاع للمواجهة".. وحصون أمام التحديات التي تواجه الوطن..
[email protected]