لا شك أن انسحاب بايدن من السباق الرئاسي الأمريكي ستكون له تداعياته ونتائجه وآثاره على حرب الإبادة التي تقوم بها إسرائيل في غزة، ومع التسليم أن بايدن لم يكن ملاكًا يدعم غزة، أو يصد عنها هذا العدوان الوحشي، بل هو شريك في هذه الإبادة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلًا ومحرضًا عليها ومتورطًا فيها، إلا أن انسحابه من الانتخابات الرئاسية سيوفر فرصة لمجرم الحرب نتنياهو وأنصاره من اليهود المتطرفين في المزيد من أعمال الإبادة والقتل والتدمير ضد الشعب الفلسطيني، والسير قدمًا في مخطط تصفية القضية.
كان بايدن يسعى إلى إنجاز هدنة أو وقف لهذه الحرب تدعم موقفه المتداعي في الانتخابات، وتحفظ له ماء الوجه أمام شعبه وأمام العالم، بعد أن تكشف تورطه في هذه الحرب الوحشية الظالمة، وطرح ما يعرف بخطة بايدن لوقف الحرب إلا أن خروجه من السباق لن يمكنه من تحقيق هذا الإنجاز؛ خصوصًا في ظل حكومة نتنياهو التي لا تحترمه ودخلت معه في عداء تجاوز غرف الاجتماعات وحدود الدبلوماسية، بل إن زيارة نتنياهو المرتقبة لواشنطن لإلقاء خطاب أمام الكونجرس ستقضي على شعرة معاوية بين الإدارة الأمريكية الحالية والحكومة الإسرائيلية.
وسوف يسعى نتنياهو الذي سيقف على منبر الكونجرس بأيدٍ ملطخة بدماء الفلسطينيين لتسويق أكاذيبه وترويج سياساته الدموية، في محاولة يائسة للظهور بمظهر الضحية لما يسميه بالإرهاب في المنطقة.
كل المؤشرات تؤكد أن إسرائيل ماضية في مخططها، وتسير في جرائمها لتصفية القضية الفلسطينية بوتيرة غير مسبوقة، وأن انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات سوف يوفر لها فرصة غير مسبوقة لتحقيق هذا الهدف، في وقت لا تستطيع إدارة بايدن التي تعيش آخر أيامها بالبيت الأبيض أن تفرض على إسرائيل أي حلول أو تملي عليها أي مقترحات تحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني، أو توقف هذه الحرب الوحشية، وسيمضي نتنياهو بعد عودته من واشنطن في هذا المخطط الدموي مدعومًا من حكومته المتطرفة، ومدفوعًا بغريزته الدموية، حتى وإن تم التوصل إلى صفقة محدودة لتبادل الأسرى، سوف يستمر في حربه ودمويته.
المخطط الصهيوني لتصفية القضية والتهام حقوق الشعب الفلسطيني، الذي يتضرع الموت والتجويع أمام عيون العالم في حرب ظالمة قاربت على شهرها العاشر، بات واضحًا، فقبل أيام أقر الكنيست قرارًا برفض إقامة دولة فلسطينية؛ لينسف به "حل الدولتين"، الذي يحظى بإجماع ودعم دولي باعتباره الحل الأمثل الذي يحقق الأمن والاستقرار بالمنطقة، ويحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ورغم أن قرار الكنسيت يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة؛ بل مع اتفاق أوسلو الذي وقعت عليه إسرائيل، إلا أنه لم يحرك ساكنًا للولايات المتحدة.
بالتزامن أيضًا مع هذا القرار قامت إسرائيل بتسريع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، بضم الأراضي وهدم المنازل، واعتماد خطة لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية، وهو ما يهدم عمليًا وجغرافيًا إقامة دولة فلسطينية؛ بل إن وزير المالية الإسرائيلي المتطرف سيموترش وشريكه في الائتلاف الحكومي بن غفير وزير الأمن الداخلي تحدثًا صراحة عن ضم الضفة، وسعيهما لتوسيع المستوطنات، بل إن وزير الدفاع جالانت أصدر قرارًا برفع قيود استخدام الطائرات المسيرة في الضفة، وهو ما يسمح بمزيد من التدمير والقتل للفلسطينيين في الضفة الغربية، فقد قال قبل أيام أيضًا إنه أصدر أوامره للجيش بالقضاء على ما سماه الكتائب المسلحة في الضفة.
كل هذه الإجراءات تكشف عن نوايا الإبادة والقتل والمحو والتصفية للشعب الفلسطيني وقضيته، وما حدث في قطاع غزة من تدمير كامل لكل ما على الأرض، بل وما تحت الأرض، يؤكد أن الهدف منه منع الحياة في غزة، لكن تبقى إرادة الحياة لدى الشعب الفلسطيني هي الأقوى والسلاح الأكثر فتكًا الذي سيهزم اسرائيل – نتنياهو وأمريكا- بايدن وما بعدهما.
[email protected]