عبود بطاح.. بطل من غزة

22-7-2024 | 14:51

نحترم ونحب الأبطال الذين يخاطرون بحياتهم ويحملون الأسلحة ويحاربون لاسترداد وطنهم ولردع الصهاينة، ولا يوجد أبطال في الكون يقتربون من تضحياتهم، وهذا لا يتعارض مع ذكر أبطال من نوع آخر يبثون الأمل في النفوس، رغم وجودهم في نفس الخطر ولا ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل: "إللي على البر شاطر".

ولو أردنا الإنصاف عندما نكتب عن أبطال غزة لكان حتمًا الكتابة عن "كل" أهل غزة؛ الصامدين "بشموخ" وعزة والمساندين للمقاومة "والساخرين" من بطش الصهاينة والمتشبثين بالبقاء في غزة، ومنهم "الفتى" عبود بطاح..

يعطي عبود -دون أن يتعمد- الدروس للكبار قبل الصغار في كيفية مواجهة أقسى أنواع المعاناة اليومية والتي تتزايد "بشراسة"، وكلما بدا اقتراب انفراجة إذا بها تغيب وتتصاعد آلة القتل الصهيونية في "فش خلقه" العاجزين عن الاقتراب من تحقيق أي إنجاز سوى تدمير المباني وحرق الخيام بمن فيها، وتجريف الأرض الزراعية لزرع اليأس في القلوب ويفشلون في ذلك أيضًا..

يمتلك عبود قلبًا شجاعًا وابتسامة تشع بالثقة في النصر ويتنفس "اليقين"، وسلاحه الوحيد هاتف محمول  يتصل بالإنترنت، ويمثل أهل غزة في صمودهم ورفض الانكسار وتحدي الصهاينة لآخر لحظة في أعمارهم ورفض التخاذل وتجديد "اختيار" الثبات..

يقدم تغطية لأحداث غزة وأحوالها، ويغيب أحيانًا لعدم استطاعته الحصول على إنترنت لبث رسائله، ويحذر من أكاذيب الصهاينة بالزعم بوجود أماكن آمنة، ويؤكد أن هذه خدعة كما حدث؛ وأطلقوا النيران بكل خسة على النازحين واعتقلوا الكثير منهم، وقام بالتنكيل البشع بهم في الأسر وتمادوا في تعذيبهم..

اعتقل الصهاينة عبود مع رفاقه بعد أن وعدوهم بالنزوح الآمن، وأطلقوا عليهم النيران وأصيب بعض أصحابه وضربوهم ونزع الصهاينة ملابسهم، وكان ذلك في الشتاء القارس ويقول "مبتسمًا": "إحنا أحسن من غيرنا، لقد متنا من شدة البرد".

يغيب عبود أحيانًا ويقلق عليه متابعوه وعلى غزة؛ فظهوره بابتسامته وبراءته "وثباته" وسخريته اللاذعة من الصهاينة "تطمئن" متابعيه بعض الشيء على أهلنا في غزة؛ فالروح المعنوية العالية للشعب من أهم الأسلحة بعد الاستعانة بالرحمن، ثم الأخذ بالأسباب وحسن الاستعداد لقهر العدو.

يمتاز عبود بالأمانة في ذكر الوضع المأساوي في غزة، ويظهر أحيانًا وسط الخراب والأنقاض، ونسمع صوت القصف الصهيوني المتواصل من حوله، ويوجه رسائل بالصمود رغم قسوة التجويع ومرارة إخراج الأهل، وقد تحولوا من أحباء ينبضون بالحياة ويحتضنهم أسرهم بحب وحنان إلى أشلاء متناثرة، وبعضهم لم يستطيعوا إخراج إلا القليل من أجسامهم.

عبود عمره 17 عامًا؛ وعاش تجارب مريرة سابقة مع إجرام الصهاينة "وتربى" كغالبية أهل غزة على رفض الاحتلال ومقاومته بما يتيسر؛ بدءًا من الحجارة ووصولًا للصواريخ والمسيرات المصنعة محليًا، وأيضًا مقاومته بالفيديوهات واستغلال تكنولوجيا الغرب صانع وداعم الصهاينة في "مقاومته".

في فيديو ظهر عبود ساخرًا وهو يقول: أكلنا ورق الشجر، وصنعت منه الأمهات "أطيب" الطعام؛ نحن شعب لا نستسلم ونفضل الموت جوعًا على الاستسلام.

يبدو أحيانا شاحب الوجه ومتعب جدًا؛ ورغم ذلك يواصل بث "الأمل"؛ ويؤكد الصمود واليقين بالنصر، وهذا من شيم الأبطال دائمًا وأبدًا.

فقد عبود هاتفه المحمول الذي كان يقوم بالبث من خلاله فقال: "إذا كانت الناس بتروح والبيوت بتروح؛ كيف اهتم بالهاتف، وأضاف وجدت هاتف أبي وأبث من خلاله، وبيعوض الله".

يقول عبود: "بسبب الاحتلال لم أذهب يومًا للقدس ولا للضفة الغربية، ولم أذق منتجات الضفة؛ وهي بلدي والحصار كان يخنقنا قبل الحرب وبعدها صار الوضع لا يطاق".

كان يبث فيديوهات كوميدية على التيك توك قبل الحرب؛ وبعدها تحول لمراسل صحفي ينشر تفاصيل حياة الناس ومعاناتهم اليومية بسخرية، ودمج الصحافة بالكوميديا ونقل جرائم الاحتلال، ويقوم بتصوير القصف مؤكدًا أن من حقهم العيش كالناس في العالم، بلا دمار وبلا عدوان طوال الوقت، ومعاناة في الطعام وهو معلبات فقط -إن وجدت- فنأكل قليلًا لنترك البعض لأهلنا، والماء أقل من لتر  يوميًا ولا نستطيع الاستحمام إلا مرة في الأسبوع إن وجدنا ماء في طوابير طويلة لماء "نشك" في صلاحيته للشرب.

سجل بالصورة  كتابة جندي صهيوني تاريخ زواجه على جدار بيت بعد أن هدمه، وقنصت المقاومة هذا الصهيوني قبل زواجه..

يوجه عبود رسائله للصهاينة: "تقتلوننا منذ أشهر على الفاضي؛ متى ستفهمون أنها أرضنا ولن نتركها لكم أبدًا؟، دمرتم مستشفيات ومراكز إيواء ومدارس وبيوت، أنتم وخمس دول عظمى، وتفتخرون أن لديكم أسلحة وجيوش ما عملتم شيء، والدمار شغال 24 ساعة يوميًا، إن شاء الله سنحرر الأقصى ونشوف حياتنا ودنيتنا وبلدنا كلها".

بابتسامة "طيبة" تتحدى مرارة الواقع وتنبض "بالتفاؤل" وحب الحياة، رغم غياب كل مقوماتها؛ يبدأ عبود الفيديو: "إخوتي أخواتي أسعد الله أوقاتكم"، ويمتدح المقاومة التي قامت بتفتيت الجرافات الصهيونية وجعلتها مثل "المقلوبة"، وهي أكلة فلسطينية شهيرة، ويوضح أن الصهاينة يضربون المدنيين لعجزهم عن مواجهة المقاومة، وشكر إيران بعد توجيهها ضربات غير مسبوقة للكيان الصهيوني ويتابعه أكثر من مليوني شخص.

سخر من تكرار نتنياهو الزعم بأنه على خطوة من النصر وتساءل: "هل النصر قتل المدنيين والأطفال أم النساء والشيوخ؟! لو محلك لقدمت استقالتي.

قدم "زفة" لموكب من الشهداء، وابتسم ساخرًا ومتوعدًا: "الجيش الغبي" يجبرنا من نزوح لآخر "وينتظر" انكسارنا، ويجهل أننا شعب يتكيف مع المستحيل، ومع انعدام كل مقومات الحياة".

كلمات البحث
الأكثر قراءة