من الولايات المتحدة إلى اليابان، تسبب تحديث خاطئ لبرنامج أمن إلكتروني في إحداث فوضى تكنولوجية بجميع أنحاء العالم يوم الجمعة الماضي، مما أدى إلى توقف الرحلات الجوية ومنع المستخدمين من الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والمصرفية والحكومية، واضطرار شركات إعلامية إلى قطع البث.
وسلط اتساع نطاق الانقطاعات الضوء على هشاشة العالم الرقمي الذي يعتمد على عدد قليل من مقدمي الخدمات الحاسوبية الأساسية.
وأثر تحديث برمجي من شركة الأمن السيبراني العالمية "كراود سترايك"، الأمريكية على أكثر من 8 ملايين جهاز كمبيوتر تعمل بنظام ويندوز، أو أقل من واحد بالمئة من كل الأجهزة التي تُدار بنظام التشغيل الأكثر شعبية في العالم.
وأدى التحديث الخاطئ إلى إيقاف تشغيل أجهزة الكمبيوتر والخوادم التي تعمل بهذا النظام، وقامت بتفعيل التحديث الأخير، وأدى كذلك إلى إجبار هذه الأجهزة على الدخول في حلقة التمهيد الخاصة بوضع استرداد نظام الويندوز، المعروفة باسم "شاشة الموت الزرقاء"، وهي علامة على أن هناك خطأ ما حدث في ويندوز من مايكروسوفت.
التكنولوجيا المترابطة
خلال السنوات الأخيرة، تزايد اتجاه الحكومات والشركات نحو التحول الرقمي، وازداد اعتمادها على اللجوء إلى حفنة أو مجموعة من الشركات التي تقدم ما يسمى بالتكنولوجيا المترابطة أو المتجانسة.
التقنية المتجانسة تشكل العمود الفقري لجميع البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات، وهو ما يفسر سبب الفوضى التي شهدها العالم بسبب مشكلة في برنامج واحد يوم الجمعة، ففي عالم الشبكات، يمكن أن يؤدي انقطاع في جزء واحد من السلسلة إلى تأثير الدومينو فعندما تتعطل أجزاء متعددة، فإن ذلك يؤدي إلى مشاكل عدة.
وتقدم شركات الأمن السيبراني مثل كراود سترايك، البالغة قيمتها 83 مليار دولار، خدمات الحوسبة السحابية؛ بمعنى أنه بدلا من أن يلجأ العملاء إلى الإنفاق على تركيب خوادم في مقراتهم، وتزويدها ببرمجيات، بما يحمله ذلك من تجهيزات تقنية معقدة، تتولى الشركة مثل هذه الأمور عبر منصات خاصة تنشئها لهذا الغرض.
وتتولى المنصة تسجيل كل ما يحدث على شبكة العملاء، من تحليل للبيانات، ورصد الاختراقات، دون حاجة للعميل أن يركب أي أجهزة إضافية، ولحماية شبكات الكمبيوتر الخاصة بها من الاختراق تستخدم كراود سترايك منتجًا للأمن السيبراني يُعرف باسم
Endpoint Detection and Response (EDR)، وهو نظام يعمل فيما يُسمي بـ"نقاط النهاية" الخاصة بالشبكة، وهي أجهزة فعلية تتصل بشبكة الكمبيوتر، وتتبادل معها المعلومات.
الأمن السيبراني
أدى تزايد عدد الهجمات السيبرانية بأكثر من الضعف منذ جائحة كوفيد-19، إلى توجه الشركات والحكومات لرصد ميزانيات ضخمة لبرمجيات الحماية.
ووصل الإنفاق العالمي على حلول وخدمات الأمن السيبراني خلال العام الماضي إلى حوالي 183 مليار دولار ارتفاعًا بنسبة 78% مقارنة بالوضع قبل نحو 6 سنوات، وفق إحصائيات Statista.
ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى أنه يمكن أن تنشأ تداعيات حادة على النشاط الاقتصادي نتيجة الهجمات السيبرانية، التي تؤدي إلى تعطيل الخدمات الأساسية المقدمة من قبل الحكومات والشركات.
ورصد تقرير لمجلة Security Magazine، أن العالم يتعرض لحوالي 2220 هجومًا سيبرانيًا يوميًا، وهذا يعادل أكثر من 800 ألف هجوم سنويًا.
من المتوقع أن تزداد التكلفة العالمية للجرائم الإلكترونية إلى 23.84 تريليون دولار بحلول عام 2027، ارتفاعًا من 8.44 تريليون دولار في 2022، وفق تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي استنادًا إلى تقديرات Statista ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي.
وبينما سجلت الشركات في السابق خسائر طفيفة نسبيًا؛ نتيجة الهجمات السيبرانية، شهد بعضها خسائر أكثر حدة، فعلى سبيل المثال، تحملت هيئة الاستعلام الائتماني الأمريكية غرامات تجاوزت مليار دولار عقب تعرضها لحادث ضخم عام 2017 نتج عنه اختراق بيانات حوالي 150 مليون عميل.
كما تعرض بنك ليسوتو المركزي إلى هجمة في ديسمبر الفائت أدت إلى تعطيل نظام المدفوعات الوطني، وبالتالي توقف المعاملات في البنوك المحلية.
وتعرض أيضًا أحد مقدمي خدمات تكنولوجيا المعلومات السحابية لهجوم باستخدام فيروسات الفدية عام 2023؛ نتج عنه انقطاع الخدمات عبر 60 اتحاد ائتماني في الولايات المتحدة في آن واحد.
ومن المحتمل أن تتسبب هذه الخسائر في مشكلات تمويلية للشركات، بل وقد تهدد ملاءتها المالية، وتتجاوز الخسائر غير المباشرة هذا الرقم بكثير، بما في ذلك أضرار السمعة أو التحديثات الأمنية.
الآثار الاقتصادية
يمكن أن يسبب انقطاع الإنترنت في خسائر اقتصادية هائلة تقدر بمليارات الدولارات، ويؤثر على الشركات والدول بشكل كبير، تُعتبر الإنترنت جزءًا أساسيًا من الاقتصاد العالمي، إذ تربط بين أكثر من 5.4 مليار مستخدم حول العالم، وتوفر وسيلة للتواصل بين البشر، والحصول على المعلومات، والفرص الاقتصادية.
وتعد المطارات، وشركات الطيران، والبنوك، والبورصات من بين أبرز القطاعات التي تشهد خسائر بسبب انقطاع الإنترنت في العالم.
على مستوى الدول، تُعَدُّ الولايات المتحدة الأكثر عرضة للتأثيرات الاقتصادية المدمرة نتيجة انقطاع الإنترنت، مع اعتماد 91% من سكانها على الويب، إذ يمكن أن يكلف انقطاع الإنترنت لمدة ساعة واحدة حوالي 46 مليون دولار، وإذا استمر الانقطاع لمدة يوم، فإن الخسائر قد تصل إلى أكثر من 11 مليار دولار.
ويشير تقرير حديث من شركة زيرو كلود إلى أن الشركات التي تعتمد بشكل كبير على الإنترنت تعتبر الأكثر تعرضًا للأضرار الاقتصادية في حالة الانقطاع.
تُقدر خسائر أمازون، على سبيل المثال، من انقطاع الإنترنت لمدة دقيقة بأكثر من مليون دولار وبنحو 1.6 مليار دولار في حالة انقطاع الإنترنت لمدة 24 ساعة.
تكرار الأعطال
إن القلق بشأن هشاشة النظام البيئي للتكنولوجيا المترابطة عالميًا ليس بالأمر الجديد، وهو يذكرنا بالمخاوف التي أثيرت في تسعينيات القرن العشرين من حدوث خلل فني قد يتسبب في حالة من الفوضى عند مطلع الألفية الجديدة، وهو لم يحدث حينها، ولم يشعر العالم بالقلق بشأنه عام 2000، إلا أنه حدث بالفعل هذه المرة.
لقد أثارت الفوضى التكنولوجية يوم الجمعة الماضي مخاوف من أن الكثير من المؤسسات، سواء الحكومية أو الخاصة، ليست مستعدة جيدًا لتنفيذ خطط طوارئ عند تعطل نظام لتكنولوجيا المعلومات، أو برنامج داخلها قادر على التسبب في توقف النظام بأكمله.
الانقطاع قد يحدث مجددًا إلى حين دمج مزيد من خطط الطوارئ في الشبكات واستخدام المؤسسات أدوات احتياطية أفضل.
لذا فإنه من المهم أن تتخذ الحكومات والشركات تدابير لحماية استقرار الإنترنت وضمان استمرارية الأعمال والخدمات الحيوية.