أثار قانون تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية المتداول إعلاميًا بقانون تأجير المستشفيات الحكومية ضجة كبيرة؛ لدرجة أن البعض هاجم القانون ووصفه بأن الغرض منه بيع المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص في مصر!!
تساؤلات ومخاوف المواطنين والمتخصصين في المجال الصحي كانت محل حديث لي مع الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، الذي قال إن المستشفيات الحكومية ستظل مملوكة للدولة، مع استمرارها في تقديم كافة الخدمات الصحية بشكل طبيعي ومنتظم؛ وقولًا واحدًا: «الحكومة لن تبيع المستشفيات الحكومية».
ما أوضحه المسئول الأول عن صحة المصريين يؤكد أن الأمر ليس متروكًا للمصادفة، وأن الهدف الرئيس من القانون المعمول به في قطاعات عدة، وفي عدد كبير من دول العالم هو استغلال المنشآت الصحية غير المستغلة بالشكل الأمثل، ورفع كفاءتها وانتشارها؛ مما يساعد على تقديم خدمات الرعاية الصحية للمواطنين، دون المساس أو الانتقاص منها بما يؤدي إلى تحسين جودة تلك الخدمات.
نحن لسنا ضد منح القطاعين الخاص والأهلي الفرصة للمشاركة في المجال الصحي؛ من خلال إنشاء وتطوير المنشآت الصحية الحكومية وآليات تشغيلها وإدارتها أو منحها المزيد من الحوافز للاستثمار، ولكننا ضد أن يمس هذا القانون الخدمة الصحية التي يحتاجها المريض؛ مما يتطلب الأمر المزيد من الضوابط لعدم ترك المريض تائهًا في ردهات تلك المستشفيات التي يديرها القطاع الخاص أو الأهلي، وهذا ما يحرص عليه الدكتور خالد عبدالغفار.
الهدف من القانون هو تطوير المستشفيات القائمة، ليس بالبيع أو وإنما بالانتفاع، ولمدة أقصاها 15 عامًا، والانتفاع بالمرافق العامة، خاصة أن منح الالتزام ليس شيئًا وليد اللحظة، وإنما نصت عليه الدساتير المصرية، وآخرها الدستور الحالي في المادة (32) منه، ليس هذا فحسب، بل إن تشجيع الدولة على مشاركة القطاع الخاص في خدمات الرعاية الصحية هو التزام دستوري وفقًا للمادة (18) منه، وهذا ما أكده عدد كبير من فقهاء الدستور، وعلى رأسهم المستشار حنفي الجبالي رئيس مجلس النواب.
خلاصة ما خرجت به من جلستي مع الدكتور خالد عبدالغفار أن الدولة تعمل على منح المستثمرين حزمة من الحوافز؛ لتشجيعهم ولدعم الإمكانات الصحية في مصر، وإضافة أسرة جديدة، والمساعدة على سد العجز في الأسرة؛ لخدمة آلاف المرضى من المواطنين، ودعم القطاع الأهلي والخاص؛ لتطوير تلك المنشآت وتحمل مسئولياتها في تقديم الخدمات الصحية إلى جانب المنشآت الحكومية.
كما أنه سيتم عرض تلك القرارات على مجلس الوزراء بكامل هيئته، ومرورها، قبل اتخاذها، على لجان متخصصة، وكذلك مستشارو مجلس الوزراء؛ لمراجعة كل صغيرة وكبيرة، والعقود قبل إبرامها، والأسباب وراء تحديد تلك المستشفيات للمشاركة مع القطاع الخاص أو الأهلي، والضمانات التي تضمن حقوق العاملين وكذلك المرضى، وكيفية استفادة الدولة من تشغيل هذه المنشآت الصحية بالمشاركة مع القطاع الخاص، وتعد هذه القرارات من أهم ما يضمن حقوق المواطن والوطن في آن واحد.
ومما لا يدع مجالًا للشك، فإن فكرة أن يشمل القانون مواد تؤكد حقوق المواطنين وعدم المساس أو الانتقاص من الخدمات الطبية الإلزامية والمجانية التي تقدمها الدولة؛ متمثلة في خدمات الطوارئ، وقرارات العلاج على نفقة الدولة، أو نظام التأمين الصحي، فضلًا عن مراعاة اعتبارات الأمن القومي أمر جيد للغاية، ولكن الأهم هو ضرورة تطبيق هذا على أرض الواقع، وضمان إلزام القطاع الخاص بالالتزام بذلك.
من ضمن المخاوف تجاه هذا القانون هو قيام بعض المستشفيات الخاصة بتجاهل وعدم تنفيذ بعض القرارات التي تنظم الخدمات الصحية؛ مثل قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1063 لسنة 2014 بعلاج كافة الحالات المرضية والطوارئ مجانًا أول 48 ساعة؛ مما اعتبره البعض حبرًا على ورق، خاصة أنه يتعلق بـ 10 ملايين حالة طارئة تتوجه للمستشفيات الخاصة والحكومية سنويًا، خاصة أن عدد المستشفيات الخاصة بمصر أكثر من 2000 مستشفى.
القطاع الخاص له دور كبير في المنظومة الصحية، وكان له دور كبير في مبادرة القضاء على قوائم الانتظار، ومن ثم يجب أن يكون لدى الوزارة رؤية بشأن وجود قوانين رادعة لمن تسول له نفسه المساس بالخدمة الصحية المقدمة للمواطن، إضافة إلى تعزيز الاستثمارات فى واحد من أبرز القطاعات، لسد الفجوة فى تقديم الخدمات الصحية، وكذا الإسراع من وتيرة تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل، خاصة أن القطاع الخاص يُعول عليه فى العديد من الملفات والقطاعات خلال الفترة المقبلة.
نحن الآن أمام واقع وقانون صدر بالفعل.. لذلك علينا أن نعمل على تفعيله، ووجود لائحة تنفيذية تحقق مصلحة المواطن والوطن في آن واحد، وضمان أن يضيف هذا القانون للمنظومة الصحية، مع مراعاة الحفاظ على الحقوق المالية والوظيفية للعاملين بتلك المنشآت، ولغيرهم من العاملين الذين سيتم نقلهم لجهات أخرى، خاصة أن القانون نص على إلزام المستثمر باستمرار تشغيل نسبة لا تقل عن 25%، كحد أدنى قابلة للزيادة من العاملين بالمنشأة الصحية.
ومما لا شك فيه أن مسئولية الخدمة الصحية المقدمة للمواطن مسئولية أصيلة للدولة، ونص عليها الدستور، وكذلك المستشفيات وحسن إدارتها مسئولية الدولة؛ لذا قانون التأمين الصحي الشامل، يُلزم الحكومة برفع كفاءة المستشفيات الحكومية عند تسليمها إلى هيئة الرعاية الصحية، الذراع الحكومية لتقديم الخدمات الصحية للمواطنين المصريين في المحافظات التي يبدأ بها التأمين الصحي الشامل.
ما يثار عن أن القانون لا يوجد به أي معايير واضحة لمنح التزام المستشفيات، وأي المستشفيات سيتم عرضها لمنح الالتزام؟ وما المعايير التي يتم على أساسها اختيار المستشفى الذي يتم طرحه لمنح الالتزام؟ وهناك حاجة إلى شفافية الإعلان والعرض، خاصة أن الدكتور خالد عبدالغفار أكد لي أن الدولة وضعت المزيد من الضوابط والإجراءات التي تضمن شفافية ذلك؛ لذا يجب الإعلان عن النتائج، خاصة أن القانون ينص على ألا تقل مدة الالتزام عن 3 أعوام، ولا تزيد على 15 عامًا، مع عودة جميع المنشآت الصحية، بما فيها من تجهيزات والأجهزة الطبية اللازمة لتشغيلها إلى الدولة في نهاية مدة الالتزام، دون مقابل وبحالة جيدة.
وختامًا نحن في انتظار نتائج هذا القانون على أرض الواقع، في ظل ما شرحته الحكومة والتوجيهات المباشرة من الرئيس عبدالفتاح السيسي للحكومة؛ بضمان خدمة طبية مميزة للمواطن، وقيام الرئيس بتقديم الدعم اللازم لهذا القطاع الحيوي، وآخرها تخصيص أكبر موازنة، لم تحدث من قبل في تاريخ القطاع الصحي، ومراجعة الأسباب التي أدت إلى سوء الإدارة في تلك المستشفيات التي سيتم اللجوء لمنح الالتزام فيها للقطاع الخاص أو الأهلي، وإذا كان السبب هو فشل الإدارة، فإنه يجب دراسة أسباب الفشل وعلاجها، ورفع قدرات الأطقم الإدارية والطبية، وإذا كان السبب ضعف الإمكانات، فإنه لابد من زيادة ميزانية تلك المستشفيات، وتطوير المنشآت الصحية، ورفع كفاءتها الإدارية والفنية؛ حيث الأهم في النهاية هو مصلحة المريض المصري.