تمثل إدارة النظام المالي إحدى التحديات الكبرى التي تواجه صانعي السياسة في البلدان النامية، فالأداء الاقتصادي الكلي يعتمد في مثل هذه الاقتصَادَات – إلى حد حرج – على وضعية النظام المالي، حيث إن سير هذا النظام يؤثر بشدة على أداء الاقتصاد في الأمد الطويل، وعلى الاستقرار الاقتصَادي الكلي في المدى القصير.
موضوعات مقترحة
وتشَكل التشوهات في القطاع المالي عقبات حادة أمام النمو في الأمد الطويل من خلال إلحاق الضرر بتراكم رأس المال ونمو مجمل إنتاجية عوامل الإنتاج، ومن ناحية أخرى فإن مَكَامِن الضعف في القطاع المالي قد تكون في حد ذاتها مصدرًا لعدم الاستقرار في الاقتصاد الكلي أو السبب في انتشار وتعظيم الصدمات الاقتصادية الكلية المنبثقة من نواحي أخرى. وبناءً على ما تقدم فإن التصدي لمرض هشاشة النظام المالي، وتخفيض نفقات المعاملات التي تُمَثِّلُ عبئًا إضافيًا على الاستثمارات الأجنبية، وتدعيم مؤشرات السلامة المالية، وتعزيز عمليات الانضباط المالي؛ يساهم إيجابيًا في تحقيق حالة من الاستقرار النقدي والمالي بصفة خاصة والاستقرار الاقْتِصَاديّ بصفة عامة؛ مِمَّا يؤدي إلى زيادة مُعَدَّلاَتِ الادخار وبث الشعور الإيجابي الذي يؤدي إلى دعم ثقة المستثمرين الأجانب في هذه الأسواق.
وعليه تبنت دراسة بحثية حديثة للدكتور أحمد سعيد البكل، أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة السويس، خلال فاعليات مؤتمر كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وذلك بإدراج صدمات الأزمات الاقتصادية المعاصرة – التي حلقت بظلالها على سماء الاقتصاد المصري في الأونة الأخيرة، والتي تحوي بداخلها كل من جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية – كأحد الصدمات العشوائية داخل مسارات القنوات الاقتصادية المختلفة الناقلة لتلك الآثار صوب سلوك ومسار السلوك الاتجاهي لمؤشر الاستقرار المالي داخل الاقتصاد المصري خلال فترة الدراسة من الربع الأول لعام 2005 إلى الربع الرابع لعام 2022.
توصلت الدراسة للعديد من النتائج لتطبيقات الذكاء الاصطناعي والنماذج المستخدمة، فقد تم التوصل للسيناريوهات التالية وهى أن أهم المؤشرات التي تتطلب تعديل في ظل احتمالية حدوث أزمة مؤثرة على الاقتصاد المصري بنسبة 100% فأن قيمة مؤشر الاستقرار المالي المصري ستصل الى 0.56 وهى هنا تعتبر مؤشر انذار مبكر قبل حدوث أي أزمة، وهي القيمة التي تذكرنا بما حدث عام 2011 حيث كانت قيمة المؤشر المقدرة من قبل البنك المركزي تقدر بنحو 0.51، وبالتالي فإن تَحَسُنْ قيمة هذا المؤشر والحفاظ على استقراره يتطلب تحسين المتغيرات المكونة لمؤشر أداء القطاع المصرفي والمتغيرات المكونة لمؤشر أداء الاقتصاد الكلى لتصل قيمتهم إلى 0.10 و0.29 على التوالي، ولكي تتم مواجهة تلك الأزمات وتقليل آثارها السلبية فإن ذلك يتطلب قطاع مصرفي قوى واستخدام أدوات سياسة نقدية وتَحَسُنْ فى قيم متغيرات الاقتصاد الكلى لمواجهة تلك التحديات، وبالتالي فإن ذلك يعتبر مؤشر إنذار مبكر لأهمية هذه المتغيرات في ظل حدوث أي أزمة. (2) بالنسبة للسيناريو التالي وهو الواقعي فاذا افترضنا احتمالية حدوث أزمة بنسبة 50%، فإن قيمة مؤشر الاستقرار المالي المصري ستصل إلى 0.68 ولكن نصل الى هذه القيمة فأن قيمة مؤشر ظروف الاقتصاد الكلى ستكون قيمته 0.19، وهو المؤشر المطلوب تحسينه لتحقيق الاستقرار المالي المنشود، بما في ذلك المتغيرات المكونة لمؤشر الاقتصاد الكلى، والتي تُعْد من أهم المتغيرات المطلوب تحسينها في ظل ذلك السيناريو الواقعي.
الدكتور أحمد سعيد البكل أستاذ الاقتصاد المساعد كلية السياسة والاقتصاد جامعة السويس
أما بالنسبة للمقترحات فهي كالتالي:
1- سرعة تَبَنَّيْ مؤشر الاستقرار المالي المُصَمْمْ من قِبَلْ هذه الدراسة والمنهج الهيكلي لصندوق النقد والبنك الدَّوْلِيَّيْن؛ لكونهما أقاما الحجج والبراهين التطبيقية على الاتجاهات الهبوطية لمؤشر الاستقرار قبل الأزمات والصدمات الاقتصادية التي شهدها الاقْتِصَاد المصري، وقدرتهما على تقييم فَعَّالِيَّة السياسات الْاِحْترَازِيَّة الكلية داخل الاقْتِصَاد المصري، وبصفة خاصة في ظل السِينَارْيُوٌهَات السلبية لتدَاعيَات جَائِحَة كُوّرُوْنَا والأزمة الروسية الأوكرانية.
2- تَبَنيْ نَمَاذِج التعلم العميق لتتكفل دون غيرها بعملية التنبؤ بمَسَار السُّلُوك الْاِتِّجَاهِيِّ لِمُؤَشِّر الْاِسْتِقْرَارِ الْمَالِيِّ داخل الاقْتِصَادِ المصري، والتي تُعَدُّ بمثابة أحد الأركان الرئيسة لتصميم وتنفيذ السياسات الاحترازية الكلية، وذلك وِفْقًا لما أظهرته من قوة تفسيرية وتنبؤية عالية تُمْكِن السلطات الاقتصادية من تحديد نمط الانحرافات للسياسات المطبقة حاليًا.
3- وجود التزام صريح من جانب المؤسسات والوحدات الاقتصادية داخل الاقْتِصَادِ المصري بتحقيق هدف مُعْلن ومستقر لمؤشرات الاستقرار المالي المصري المستهدفة، لتتحرك السياسات والقرارات بنجاح نحو تحقيق هذا المعدل المُسْتَهدف، وذلك من خلال تَبَنَّيْ مؤشر الاستقرار المالي لهذه الدراسة من جانب السلطات الاقتصادية داخل الاقْتِصَاد المصري.
4- تتضمن مراحل الوصول إلى الاستقرار المالي داخل الاقْتِصَاد المصري، تفعيل استراتيجية ترتكز أركانها على خيار الاستهداف الجماعي للأدوات الْاِحْترَازِيَّة الكلية التي أثبتت فَعَالِيَّتها على مدار فترة الدراسة بجانب الأدوات التحوطية للجنة بازل، والتي تأتي في مقدمتها: حدود نسبة القروض لقيمة الأصول، حدود نسبة الدَّيْن للدخل، متطلبات الاحتياطي القانوني، حدود كفاية رأس المال، والقيود على توزيعات الأرباح.
5- الاستهداف الديناميكي للمتغيرات المُكَّوْنة لمؤشر ظروف الاقتصاد الكلي، الذي جاء في طليعة تطبيقات الذكاء الاصطناعي بوزن نسبي 0.89، ليلي ذلك تفعيل الرقابة الجزئية لمتغيرات مؤشر أداء القطاع المصرفي الذي احتل المرتبة الثانية بوزن نسبي 0.77، لينتهي هذا الاستهداف الصريح للمخاطر المحددة الناجمة عن التدَاعيَات السلبية للصدمات والأزمات غير المتوقعة، والتي انخفضت وزنها النسبي مقارنة بباقي المتغيرات، أي ان تحسين كلًا من ظروف الاقتصاد الكلى واداء القطاع المصرفي سيؤدى الى تدنية أي مخاطر ناجمة من أي أزمات اقتصادية متوقعة أو غير متوقعة.
6- تَبَنَّيْ منهجية التعاون والتنسيق بين الأدوات الْاِحْترَازِيَّة الكلية ومثيلتها النقدية والمالية لضمان السيطرة على العجز المالي، والنمو في القاعدة النقدية، ونمو الائتمان، والارتفاع في معدلات التضخم، بالإضافة إلى تحسين التنظيمات السائدة في أسواق الائتمان والنقد، وإصلاح النظم الضريبية والجمركية، وتعزيز درجة التكامل والعمق المالي؛ الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تَحَسُّن الأداء الاقْتِصَاديّ المصري وزيادة فَعَالِيَّة السياسات الاقتصادية الكلية المطبقة داخله؛ ومن ثَمَّ المُضِي قُدمًا نحو تحقيق الاستقرار المالي.