الجيل الأكثر هشاشة وخطرًا

17-7-2024 | 14:03
الأهرام العربي نقلاً عن

الجيل «الغربي» الراهن هو الأكثر هشاشة من بين كل الأجيال السابقة، والأمم حين تصاب بالهشاشة تصبح خطرًا على وجودها، وعلى  الآخرين.

 قبل نحو ألف عام، تصاب أوروبا بالهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والدينية، فيظهر البابا أوربان الثاني، يخطب في مجمع كليرمونت بجنوب فرنسا، وكان مثقفًا سياسيًا، يعرف ما يدور فى عصره، يظهر ويطالب الأمراء والقادة فى فرنسا بغزو الشرق تحت شعارات دينية، عرفت بحملات الفرنجة، ووصلت إلى العدد ثمانية!

هل يمكن أن تتكرر حالة أوربان فى العصر الراهن بصور أخرى؟ وهل الشروط التاريخية متوافرة؟ وهل ستكون الحملات على الشرق وحده، أم سيكون المسرح كل جهات الأرض؟

الشاهد أن شروط عصر أوربان متوافرة بقوة، تتجلى فى انتخابات فرنسا، بلد الثورة والمقصلة، فقد أظهرت نتائج انتخابات الجمعية الوطنية الفرنسية انقسامًا حادًا بين التيارات السياسية والاجتماعية، ما بين يسار متطرف، ويمين متطرف، ووسط يقاتل من أجل البقاء.

الكتل الثلاث لا تلتقى فى طريق واحد، ولم تحصل أى منها على أغلبية، فتقوم بتشكيل حكومة فرنسية قادرة على الخروج من الأزمات الوجودية.

الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون هو من يقول إن فرنسا فى خطر وجودي، ويحذر من حرب أهلية، يتجلى الانقسام القاتل فى الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية، وحرب الإبادة الإسرائيلية فى غزة، وفى الموقف من السياسة الأمريكية، وأخيرًا من الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، ومسألة الهجرة المزمنة، والأصول العرقية الضاغطة.

 تبدو فرنسا أشبه بوضع ألمانيا ما بين الحربين العالميتين، حين انقسمت إلى تيارات متناحرة، لا تستطيع تشكيل حكومة موحدة، فوجدت نفسها فى نفق النازية فى نهاية المطاف، وكان ما كان، ولا يزال، يتجلى فى نشأة إسرائيل  على الأراضى الفلسطينية!

الصور الفرنسية لا تختلف كثيرا عن الصور فى بريطانيا «العظمى»، فقد عاد حزب العمال بعد أربعة عشر عامًا إلى السلطة، بأغلبية كاسحة، مستغلا الأوضاع الاقتصادية، والمواقف السياسية الخارجية  القلقة لحزب المحافظين، وظهر رئيس الوزراء الأسبق تونى بلير على المسرح مرة أخرى، ناصحًا رئيس الوزراء الجديد كير ستارمر،  كأن الصور تبدو آتية من عصر جورج بوش الابن وتونى بلير، وقد قررا معًا غزو العراق، خوفًا من تدمير العالم فى 45 دقيقة!

على ضفة أخرى، جاءت زيارة فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، إلى روسيا، بحثًا عن سلام فى الجبهة الأوكرانية، لتثير الغضب فى الاتحاد الأوروبي.

 الغضب من أوربان ليس بسبب مواقفه من الحرب، أو لأنه ينتمى لليمين فحسب، بل لأن بلده تترأس الاتحاد الأوروبي فى هذه الدورة، مما يجعل زيارته إلى موسكو تعبيرا عن موقف الاتحاد الأوروبى ككل، والموقف الأوروبى معروف بدعمه لاستمرار الحرب حتى هزيمة روسيا هزيمة واضحة، وهذا أمر مستحيل فى الأفق المنظور، حسب تصريحات أوربان منذ بداية الأزمة قبل عامين.

وإذا عبرنا إلى ضفة المحيط الأخرى، فسنكتشف أن الهشاشة السياسية والاجتماعية تصيب أمريكا فى مقتل، وهى أهم دولة غربية، ثم عالمية  خلال  قرنين ونصف القرن الماضي، ستحتفل بمرور هذا الزمن باحتفال مهيب عام 2026.

 الشاهد أن أمريكا أكثر انقسامًا على نفسها من أوروبا، وتنظر الأجيال الجديدة إلى آبائها المؤسسين على أنهم كانوا تجار عبيد، وقد أسسوها بالقتل والإبادة، وهى نظرة تستشرى بين الأجيال الجديدة التى لم تعد تنظر بتقديس لهؤلاء الآباء، كما جرى العرف والثقافة السائدة.

الشاهد أن الهشاشة السياسية أخطر من أسلحة الدمار الشامل،  فلتحذروها قبل فوات الأوان.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: