محاولة اغتيال دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة السابق تُدخل أمريكا بالفعل في أزمة عنيفة. لم يعد العنف السياسي أمرًا يتم الاختلاف حوله، أو التكهن بجدية حدوثه أم لا. بل حضر العنف في أخطر تجلياته، ولو كُتب لمحاولة الاغتيال النجاح، فربما دخلت الولايات المتحدة في موجة عنف كارثية، وذهب البعض إلى حد القول بتفجر الحرب الأهلية. إلا أن الأمر المرجح أن واشنطن كانت ستدخل في أزمة "شرعية الرئيس"، والمدهش أن الاتهامات أنهالت من الآن حول محاولة سرقة منصب الرئيس من ترامب مرة أخرى.
.. ومثلما هو متوقع فقد تفجرت الخلافات بالرغم من الإدانات القوية من قادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة.
ودعا الرئيس السابق ترامب الأميركيين إلى الوحدة وعدم السماح "للشر بأن ينتصر"، مضيفًا "أن الله وحده منع وقوع ما لا يمكن تصوره".
ولعل أبلغ دليل على حالة الاحتقان الشديدة أنه بعد لحظات من الحادث، انتشرت ادعاءات لا أساس لها على منصات وسائل التواصل الاجتماعي الرئيسية. وذهبت المنشورات إلى أقصى مدى في نظرية المؤامرة، وتوجيه اتهامات مخيفة، ولم تكن فقط من أفراد عاديين بل جاءت في بعض ما كتبه سياسيون أمريكيون يشغلون مناصب منتخبة، واتهم هؤلاء بدون دليل الرئيس جو بايدن بأنه أمر بإطلاق النار على التجمع، وذكر آخرون دون أي أساس أن الحادث مفبرك، وفي موقع X، اتهم العديد من السياسيين بايدن أو حملته بالوقوف "مباشرة" وراء إطلاق النار الواضح، دون تقديم أدلة.
ونشر ممثل جورجيا مايك كولينز، اتهامًا صارخًا بقوله "أصدر جو بايدن الأوامر"، في حين كتب السيناتور عن ولاية أوهايو جيه دي فانس، وهو أحد أبرز المنافسين على منصب نائب الرئيس لترامب، على موقع X أن خطاب حملة بايدن "أدى مباشرة إلى محاولة اغتيال الرئيس ترامب".
وأشار ممثل ولاية تكساس روني جاكسون إلى شخصيات يسارية لم يسمها اتهمها بـ "المسؤولية المباشرة" عن الأحداث التي وقعت في تجمع حملة ترامب.
وحصدت منشورات هؤلاء الـ3 على X أكثر من 7.3 مليون مشاهدة مساء السبت الماضي، وفقًا لبيانات منصة التواصل الاجتماعي.
ومع نجاة ترامب شكك البعض في وسائل التواصل الاجتماعي من كونه محاولة للاغتيال، وجاء التشكيك مع ظهور ترامب في اليوم التالي، وهو ينزل سلم طائرته في ولاية نيوجيرسي.
.. ومثلما تضاربت الآراء حول التراخي في حماية ترامب، فقد جاءت المعلومات متضاربة حول منفذ محاولة الاغتيال، فلم تكشف المعلومات الأولية عن مطلق النار على ترامب، سوى عن شاب في مقتبل العمر كان مسجلًا باعتباره ناخبًا جمهوريًا، إلا أنه تبرع لصالح الديمقراطيين.
.. وشاء القدر أن ينجو الرئيس السابق من موت محقق، وأن تقتل رصاصة القاتل أحد أنصاره، في حين أصابت رصاصة أذن ترامب خلال التجمع الانتخابي، في ولاية بنسلفانيا، في هجوم يجري التحقيق فيه حاليًا باعتباره محاولة اغتيال لمرشح الحزب الجمهوري.
وقد أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي أن مطلق النار هو توماس ماثيو كروكس (20 عامًا) من ولاية بنسلفانيا، وقد قضى على الفور برصاص عناصر الخدمة السرية فور إطلاقه النار على ترامب، ونفى جهاز الخدمة السرية الأمريكي أن يكون رفض توفير حماية إضافية للرئيس السابق، قبل التجمع الانتخابي في بنسلفانيا، حيث تعرض لمحاولة الاغتيال.
.. ووسط هذه الفوضى والغموض حول من حرض من، وهل هذه محاولة فردية أم مخطط كبير، فعلى الأرجح أنها ستدخل في متاهة عمليات الاغتيال السابقة في التاريخ الأمريكي مثل محاولة اغتيال الرئيس الأسبق جون كيندي، إلا أن المرجح هو بدء سباق آخر بين المرشحين بشأن العنف السياسي في أمريكا، ومن المسئول عنه والمتورط في إشعاله واستخدامه، والأمر الآخر هو شكل اليوم التالي وهل سيقبل المرشح الخاسر النتيجة أم لا.
.. وفي مواجهة الاتهامات ضده بالمسئولية عما حدث، امتنع بايدن عن وصف الحادث بمحاولة اغتيال، وقال لدي رأي، ولكن لا أملك كل المعلومات، وبالرغم من إثارته الشكوك لم يملك بايدن سوى أن يدعو إلى إنهاء العنف السياسي، وسارعت حملة بايدن إلى تعليق جميع أشكال التواصل السياسي بما في ذلك الإعلانات التي تهاجم ترامب.
.. وفي المقابل سارع المعسكر الجمهوري لاستغلال الفرصة، وحمَّل عدد من أعضاء الحزب الجمهوري ومؤيدي ترامب حملة الرئيس بايدن مسئولية محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق.
وقال السيناتور الجمهوري عن ولاية أوهايو، جي دي فانس، إن "ما حدث اليوم ليس حادثة معزولة". وأضاف فانس أن "الفرضية الأساسية لحملة بايدن هي أن الرئيس ترامب استبدادي فاشي، ويجب إيقافه بأي ثمن.
.. ويبقى أن الأيام القادمة في الولايات المتحدة سوف تخيم عليها بقوة أسئلة وهواجس كثيرة أبرزها: كيف ستؤثر محاولة اغتيال ترامب في مسار الانتخابات الأمريكية، وإلى أي مدى ستذهب الأصوات الجمهورية في تحميل حملة بايدن مسئولية محاولة الاغتيال الفاشلة، وهل ستدعم محاولة الاغتيال حظوظ ترامب أم ستبعد المترددين عن التصويت له، هل يفشل بايدن في معالجة هذه الأزمة، وتظهر ردة فعله "بايدن الضعيف"، مقابل ترامب القوي المشاكس؟
.. وعلى الأرجح أن التطورات والدراما الأخيرة تؤكد صحة مقولة رئيس أمريكا الأسبق بيل كلينتون في تفسير خسارة زوجته هيلاري الرئاسة أمام ترامب، فقد قال لحظتها "هيلاري لم تواجه مرشحًا بل ظاهرة"، ويبدو أن ظاهرة "تسونامي ترامب" مستمرة بعنف، وأ ظهرت محاولة الاغتيال أنها زادت من توحد الحزب الجمهوري وراء ترامب، ويرى مؤيدوه أنه أظهر "شجاعة ورباطة جأش" في تعامله مع محاولة الاغتيال، ويأمل هؤلاء أن تزيد من حظوظه بالفوز في الانتخابات المقبلة.
.. ولم يبق سوى الزمن ليجيب عن أسئلة معلقة في الهواء من عينة: هل تدخل الولايات المتحدة في دائرة العنف والعنف المقابل؟ وترى هل تتوقف محاولات إيقاف ترامب وإبعاده، ويترك مصيره ليحسمه "صندوق الانتخابات" لا "صندوق الموت"؟