سوق عكاظ يختلف عن سوق الإنترنت. والخواء الذي تميزت به صحراء الجزيرة العربية شاسعة الاتساع كان لا بد من ملئه بالأشعار الطويلة والمعلقات التي تستغرق كتابتها شهورًا وقراءتها أيامًا وتأملها سنوات!
اليوم لا وقت لأحد للتوقف أمام القصائد ليقرأ ويتأمل ويفكر. ولهذا راجت فكرة التويتر والإيميل والـ"sms". فكل شئ سريع وخاطف، وحواراتنا كالكرات المطاطة أو ككرة البنج بونج. فلماذا يختلف الشعر أو يشذ عن القاعدة؟
الشعر أيضًا تطور وتحور، وصار لا بد من تقصير القصائد وتخفيفها وتكثيف المعاني في سطور قلائل. (صلاح جاهين) كتب في حياته ما يملأ مجلدات من الشعر والزجل، لكن الناس اختارت الرباعيات وأحبتها وتداولتها أكثر من غيرها.
ليس الأمر جديدًا على الشعر، بل هو موجود منذ العصر الأندلسي. فرباعيات الخيام والموشحات الأندلسية أمثلة قديمة للتويتات الشعرية القصيرة بالفصحى.
والموال كان في البداية سداسي وسبعاوي وثماني وتسعاوي وعشراوي، أي (6) أبيات، و(7) أبيات و(8) أبيات، و(9) أبيات، و(10) أبيات،.. ثم استقر على الخماسيات والسداسيات والرباعيات لا يزيد.
وهناك ما يدعى فن (الدوبيت) وهي كلمة من مقطعين: (دو) أي اثنين، و(بيت) أي بيت الشعر. فهو بيت شعر ثنائي، سواء كان البيت شطرة واحدة أو شطرتين.
كلها فنون يمكن تسميتها بالـ "تويتات الشعرية" أي الرسائل الشعرية القصيرة، الهدف منها نقل تأثير أو انطباع أو فكرة ذكية أو لحظة شعورية.
وفيما يخص السخرية والفكاهة فإن هذه االفنون هي الأقرب لطريقة النكتة السريعة. فالشعر القصير هو الأسرع تهديفًا والأقرب لألسنة الناس.
لعل من أشهر من كتب التويتات الشعرية (صلاح جاهين) في رباعياته، و(بهاء جاهين) في أشعاره القصيرة التي سجلها في صفحة الفكاهة لأخبار اليوم، فمن رباعيات جاهين تخيرت بعض المقتطفات الشعرية الطريفة..
الفيلسوف قاعد يفكر.. سيبوه
لا تعملوه سلطان ولا تصلبوه
ما تعرفوش الفلاسفة ياهوه
اللي يقولوه.. بيرجعوا يكدّبوه
*
في يوم صحيت شاعر براحة وصفا
الهم زال والحزن راح واختفى
خَدني العجب وسألت روحي سؤال:
أنا مُت؟ ولا وصلت للفلسفة؟
*
مهبوش بخربوش الألم والضياع..
قلبي ومنزوع م الضلوع انتزاع
يا مرايتي ياللي بترسمي ضحكتى..
يا هلتري ده وش.. ولا قناع؟
*
يا طير يا عالي في السما.. طز فيك
ما تفتكرش ربنا مصطفيك
برضَك بتاكل دود وللطين تعود
تمص فيه يا حلو.. ويمص فيك
*
الدنيا أودة كبيرة للانتظار..
فيها ابن آدم زيه زي الحمار
الهم واحد والملل مشترك..
ومفيش حمار بيحاول الانتحار
*
ولَدى.. إليك بدل البالون ميت بالون..
أُنفخ وطرقع فيه على كل لون
عساك تشوف بعنيك مصير الرجال..
المنفوخين في السُترة والبنطلون
(جاهين) الابن أيضًا كانت له بصمات في الشعر، أحببتها عندما كانت تصدر في أخبار اليوم وقمت بتجميع أكبر قدر منها في ملف ما زلت أحتفظ به رغم مر السنين، وما زلت أتابعه في مقالاته في النقد الشعري؛ حيث ملأ فراغًا في جانب مهم قل من يكتب عنه.. ومن بين قصائده التي أصدرها في أخبار اليوم اخترت له بعض المقتطفات..
حواريات الحب
بهاء جاهين
- الحب يشفي كل داء.. الحب يطفي كل نار
الحب للبردان رداء.. الحب للتايه منار
*
- ياعم بطّل زقزقة.. وبلاش كلام من ده بقى
بلا شقشقة واحنا في شَقا.. بلا سهوكَة واحنا في مرار
بتغنِّي حِبوا، وحبوا موت.. وفي كل حتة خراب وموت
والكره صوتُه أعلى صوت.. مش ناقصة عصافيرك كمان
*
- الحب هيعيش مهما كان.. هنا وفي بلاد الأمريكان
وفي كل أمنية وقلوب.. وفي كل أغنية ومكان
لو قلت لي كره وحروب.. ياما البشر عاشوا في كروب
والحب عايش من زمان.. الحب باقي على الزمان
*
- رايق يا عصفور يا طِرب.. ودا برضه حَقَّك كطير
حتي لو العالم خِرب.. تصحى تغنّي : "كله خير"
والحب كائن مِغترب، نايم شريد ع الأرصفة.. طول عمره كلمة مكلفة
قالها المسيح داق الهوان.. واللي اتسجن واللي اتنفى.. واللي انقتل فرط الحنان
أنا صاحي مهموم والنبي.. روح ياللا شوف شِباك غبي.. يسمع غُناك ويقول: "كمان"
[email protected]