الاغتصاب والقتل وتجارة الأعضاء والسلاح والإرهاب أبرز الجرائم
موضوعات مقترحة
د. غادة أشرف: محركات البحث العادية لا تصل إليها.. والأنشطة التى تتم عبرها محاطة بسرية عالية
د. وفاء على: 8 تريليونات دولار خسائر العالم من الجريمة الإلكترونية.. وتوقعات أن تصل لـ10.5 تريليون دولار العام المقبل
د. عبد الوهاب غنيم: التعاون الدولى وتبادل الخبرات والمعرفة يلعب دورا جوهريا فى مكافحة الجرائم
د. سامية خضر: الوقاية تكمن فى رفع حالة الوعى المجتمعى بمخاطر هذه الجرائم
لم تقتصر علاقة بعض مستخدمى الإنترنت على مجرد الاطلاع على المحتوى، ومواكبة العصر، إنما تمتد أيضا إلى السقوط فى عالم الجريمة، حيث باتت المحاكم تنظر فى جرائم شتى تتعلق بطلها الرئيسى شبكة الإنترنت، وخصوصا «Dark Web» هذا الجانب المظلم من شبكة الإنترنت الذى يسكنه مجرمون محترفون من شتى أنحاء العالم، يعيثون دون رادع وبعيدًا عن الرقابة الحكومية، ويصطادون ضحاياهم باحترافية عبر تقنيات معقدة.
وتمثل هذه الشبكة ساحة واسعة لارتكاب جميع الجرائم بدءا من القتل والاتجار فى المخدرات والبشر وغسيل الأموال والاغتصاب، إلى السرقة النصب والاحتيال وانتهاك الخصوصية، نهاية بالتحريض على ارتكاب جرائم سادية وتصويرها وبث مقاطع منها مباشرة إرضاء لمن يدفع.
واللافت للنظر أن غالبية المتهمين فى تلك النوعية من الجرائم من جيل المراهقين والشباب، وبعضهم ومن واقع تحقيقات أجهزة الأمن المختلفة لم يكن يدرك خطورة ما يقوم به ناهيك عن اعتقاد البعض أنهم فى مأمن من العقاب بسبب تعقيدات البرامج والتطبيقات التى تكفل لهم السرية وتجهيل الهوية .
يعتبر الإنترنت المظلم جزءًا مهمًا من منظومة شبكة الإنترنت العالمية، وأخطر الأماكن الموجودة عليها، حيث يسمح بإصدار المواقع الإلكترونية ونشر المعلومات بدون الكشف عن هوية الناشر أو موقعه. ولا يمكن الوصول إلى الإنترنت المظلم من خلال محركات البحث العادية وإنما عبر محركات خاصة. وعلى عكس أسماء النطاقات القابلة للقراءة التى اعتدنا استخدامها عند التنقل عبر صفحات الإنترنت، تستخدم مواقع الإنترنت المظلم نطاقات مخفية، حيث لا يستخدم زوار الإنترنت المظلم نظام النطاق العام المعروف «»DNS.
وكشفت دراسة أجراها الباحث جاريث أوين من جامعة بورتسموث توصل فيها إلى النوع الأكثر شيوعا من المحتوى والجرائم على الـ»Dark Wem» تعلق بمواد الاستغلال الجنسى للأطفال، وتجارة السلاح وطريقة صناعة المتفجرات وتجارة الأعضاء البشرية، يليها الأسواق السوداء فى مجالات متعددة، ونشر الوثائق الحكومية السرية، وإثارة وتهيج الشعوب ومساندة الإرهاب.
واليوم بات العالم يدفع ثمن هذه الشبكة المظلمة، حيث تذخر ملفات أجهزة الأمن ودور القضاء فى العالم الآن بالعديد من القضايا المرتبطة بشبكة الإنترنت المظلم «Dark Web»، تلك المساحة غير مرئية من شبكة الإنترنت التى تبلغ مساحتها أضعاف الشبكة العادية، ولا يمكن الوصول إليها من خلال محركات البحث العادية، بل عبر برامج وتقنيات خاصة، تخفى هوية المستخدم وموقعه وهو ما يتيح لمستخدميها ارتكاب الجرائم بعيدًا عن أى رقابة.
ووفقا لما تقوله الدكتورة غادة أشرف السيد، خبيرة الأمن القومى والتخطيط الإستراتيجي: تعد Dark Web، جزء مظلم من الإنترنت أشبه بمدينة كبيرة خفية فى جوف شبكة الإنترنت مليئة بالمحتوى المتنوع، بعضه شرعى وآخر غير قانونى، ولا يمكن الوصول إليه من خلال محركات البحث العادية، ويتطلب الوصول إلى هذا العالم الخفى أدوات وبرامج متخصصة، حيث تتميز بالسرية العالية التى تتيح مستوى عاليا من الخصوصية لمستخدميه، حيث لا يمكن تتبع نشاطهم بسهولة من قبل الحكومات أو الشركات. كما تتيح Dark Web مساحة من حرية التعبير دون قيود، ونشر المعلومات والأفكار التى قد تكون محظورة على شبكة الإنترنت العادى، وتموج بالمحتوى المحظور، مثل البيانات المسروقة والمواد الإباحية وبيع المخدرات والأسلحة، الاتجار بالبشر، وتجارة الأعضاء البشرية ونشر الجريمة والقضايا التى تزعزع ثقة الشعوب فى حكوماتها ومن ثم قدرتها على إثارة الفوضى اللامتناهية.
سوق سوداء
فى حين ترى الدكتورة وفاء على، أستاذ الاقتصاد وخبير الطاقة، أن الاعتماد على الشبكة العنكبوتية فى طليعة متطلبات العصر، لكنه فى نفس الوقت يشجع العقول الخربة على استغلاله وارتكاب الجرائم ومحاولة الهروب من العقاب. وأشارت إلى أن ضحايا الإنترنت فى تزايد مستمر، وعلى رأسهم الاقتصاد العالمى برمته فالجميع يعانى من حالة الانتهاك للحقوق سواء الشخصية أو المصالح الاقتصادية، وأصبح الأمن السيبرانى على رأس سلم أولويات الشركات العالمية المتخصصة وكذلك الاقتصاد.
وفيما يخص الشبكة المظلمة تقول الدكتورة وفاء على: إنه يشبه العالم الدامى ويستخدم كسوق سوداء لبيع البضائع المسروقة أو تجارة المخدرات والبشر والإرهاب، ومع التطور التكنولوجى والذكاء الاصطناعى، أصبحت كل مناحى الأرض معرضة لعصابات عابرة للقارات تخترق الحسابات والمعلومات مما يعرض أى دولة لخطر كبير سواء على شركاتها أو اقتصادها كله. وبلغت الخسائر الناتجة عن الجريمة الإلكترونية نحو 8 تريليونات دولار العام الماضى، ومن المتوقع أن تصل إلى 10.5 تريليون دولار بحلول 2025 .
تطور سريع
تجعل السرية العالية التى تحيط الإنترنت المظلم، مهمة التحقيق فى الجرائم وملاحقة المجرمين صعبة للغاية؛ إذ لا يتيح هذا الإنترنت أية بيانات حول المتهمين باستخدامه وارتكاب جرائم من خلاله، مما يجعل مهمة تحديد هوياتهم وملاحقتهم أمرًا صعبًا. ويرى الدكتور عبدالوهاب غنيم رئيس الاتحاد العربى للاقتصاد الرقمى ومجلس الوحدة الاقتصادية بجامعة الدول العربية، أن الجرائم الإلكترونية يغلب عليها تطورها السريع وتعقدها التقنى، وكل تلك التحديات تتطلب جهودًا مشتركة من الحكومات والشركات والأفراد لمكافحتها. وتؤثر الجرائم الإلكترونية تؤثر على الاقتصاد حيث تتسبب فى خسائر مالية كبيرة للشركات والمؤسسات نتيجة لسرقة البيانات والاحتيال الإلكترونى. وللحد من هذه الجرائم ومكافحتها يجب على الحكومات والشركات تبنى إستراتيجيات فعالة لحماية البيانات ومكافحة الجرائم الإلكترونية، وتعزيز التشريعات والسياسات الرقابية لضمان أمان المجتمعات والأفراد والاقتصاد واستمرارية الأعمال. كما أن التعاون الدولى وتبادل الخبرات والمعرفة يلعب دورا جوهريا فى مكافحة الجرائم، ويساهم فى تطوير السياسات والتشريعات لعمليات المكافحة، إلى جانب تمكين الدول من مشاركة المعلومات حول الهجمات والتهديدات بشكل فاعل، وتعزيز الاستجابة السريعة والتبادل المفيد للبيانات بين الجهات المختصة.
سرية للغاية
ويقول الدكتور سامر العانى، أستاذ الاقتصاد القياسى بجامعة بغداد، ومدير إدارة الدراسات والعلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية سابقًا: إنه برغم تضافر كل الجهود لمواجهة الجريمة الإلكترونية، فالمشكلة تكمن فى أن احتمالية اكتشافها ومقاضاتها ضعيفة جدا وتصل إلى 0.05 ٪. ولكى نحد من خطورة الجرائم الإلكترونية يجب على الجميع اتباع طرق وأساليب أمن وسرية المعلومات طبقا للمعايير الدولية من خلال استخدام برامج خاصة، وتحديث نظم التشغيل وعمل نسخ احتياطية من البيانات بصفة، دورية وعدم فتح أى بريد إلكترونى أو رابط من شخص أو جهة مجهولة، وتطبيق سياسات لضبط وتحديد طريقة التعامل مع البيانات والمعلومات وتحديد الاحتياجات الأمنية والتأمينية للمعلومات السرية والحفاظ على الخصوصية، وضمان سلامة تكامل المعلومات وتأمين نقل المعلومات، واستخدام الخواص الحيوية والطبيعية للإنسان فى المعاملات المهمة مثل البصمات ومنها بصمة اليد وبصمة العين وهندسة كف اليد والتعرف على ملامح الوجه وأساليب التعرف على الصوت، واستخدام كلمات السر، وتمويه البيانات المنقولة، واستخدام رموز الكشف عن محاولات التلاعب، وتحديد وسائل التأمين الموقعية، وتدقيق الإجراءات الأمنية، ومنبهات الإنذار، والتوقيع الرقمى والتشفير وغيرها من وسائل أمن والتأمين والحماية .
إستراتيجية الوقاية
ومن جهته يرى الدكتور فتحى قناوى، أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن الـ»Dark Web» أعطى الفرصة لبعض ضعاف النفوس من الباحثين عن الملذات المحرمة والثراء فى أسرع وقت ممكن وبأقل جهد ممكن ليبحثوا فى ذلك العالم المظلم عما يطمحون إليه تحت ستار من الغموض والسرية من خلال ما تم زراعته فى عقولهم بعدم مقدرة الأمن من الوصول إليهم والتعرف على حساباتهم الشخصية .
وأشار «قناوى» إلى أن إستراتيجية الوقاية من هذه الجرائم ترتكز أولا على التربية السليمة من قبل الأسرة مع تكثيف حملات التوعية بمخاطرها، وذلك بالتزامن مع تكاتف جهود الجهات المعنية بأمن واستقرار المجتمع للتصدى لهؤلاء الخارجين عن القانون مع بحث التدابير اللازمة للحيلولة دون تمكن الشباب من الوصول لتلك المواقع المشبوهة بسهولة ..فالوقاية خير من العقاب.
وترى الدكتورة سامية خضر صالح، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن جرائم الإنترنت لها تأثير كبير على أمن واستقرار المجتمعات فى العصر الحديث، وأن فهم دوافع المجرم يمكن أن يساعد فى منع الجريمة وزيادة الوعى بين الناس وتحسين ممارسات الأمان الرقمى بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدنى لتطوير إستراتيجيات فاعلة لمكافحة جرائم الإنترنت. وتكمن أيضًا الوقاية من جرائم الإنترنت فى رفع حالة الوعى المجتمعى بمخاطر هذه النوعية من الجرائم وطرق الحماية منها، مع دعم النظم الاجتماعية الإيجابية وتشجيع الروابط والعلاقات القوية فى المجتمعات والأنشطة التى تعزز الثقة والتعاون، وذلك بالتزامن مع معالجة العوامل الاجتماعية التى قد تدفع الأفراد إلى الانخراط فى السلوك الإجرامى، مثل الفقر والشعور بالظلم والرغبة فى الانتقام.
وأشارت «خضر» إلى أهمية إشراك المجتمع ككل فى المواجهة عبر تمكين الأفراد من الإبلاغ بسهولة وأمان عن جرائم الإنترنت لحماية أنفسهم ومجتمعاتهم، مع تقديم الدعم النفسى والاجتماعى وبذلك يمكننا التصدى لهذا التهديد بشكل فاعل وبناء مجتمعات أكثر أمانًا وأمانًا.
القتل.. بث مباشر
تطول قائمة الحوادث التى شهدتها شبكة الإنترنت لاسيما شبكة Dark Web»» فى الفترة الأخيرة ويصعب حصرها وإن كانت السمة الغالبة عليها أنها تجاوزت حدود الجريمة النمطية المتعارف عليها للدرجة البشعة التى اهتزت معها المجتمعات العربية وتداولتها وسائل الإعلام على نطاق واسع فى الفترة الأخيرة.
وتأتى طليعتها تلك المتعلقة بالعثور على جثة طفل 15 عامًا داخل شقة فى حى شبرا الخيمة بالقاهرة، وتبين من التحقيقات أن المتهم 30 سنة قام بتصوير نفسه لايف مع متهم آخر بالكويت تعرف إليه عبر الدارك ويب وهو يقتل ويستخرج الأحشاء من الجثة ويضعها فى أكياس بجواره من أجل الحصول على مشاهدات أكثر بمواقع ومبلغ مالى كبير.
وأمام خطورة ظاهرة «الدارك ويب» حذرت وحدة البحوث والدراسات فى مرصد الأزهر، عبر دراسة حديثة من أبعادها السلبية على المجتمعات وكشفت كيف تحول الإنترنت إلى بيئةً خصبةً لانتشار أنواع مختلفة من الجرائم، فمن الابتزاز والاحتيال وسرقة البيانات إلى تجارة الأعضاء البشرية والمخدرات والأسلحة باستخدام العملات الرقمية مثل بتكوين دون الكشف عن هوياتهم، إلى غسل الأموال والاتجار بالبشر والمواد الإباحية والاعتداءات الجنسية، حيث تموج الشبكة بالصور ومقاطع الفيديو وخصوصاً بحق الأطفال بغرض التلذذ وربما الابتزاز، وهناك من يقوم بتصوير محتوى خصيصا مقابل المال. وصولا إلى التحريض على ممارسة أفعال سادية والقتل، وتصوير مقاطع مصورة توثق تلك العمليات البشعة مقابل مبالغ باهظة. ناهيك عن استغلال التنظيمات المتطرفة لشبكة الإنترنت لاسيما مواقع دارك ويب فى إدارة أنشطتها المشبوهة من نشر المحتوى المتطرف والترويج لخطاب الكراهية، والعنف، وصولا لتجنيد أعضاء جدد فى التنظيم الذين ينتمون إليه وتشكيل خلايا إرهابية وتعليم كيفية صناعة المتفجرات والقيام بعمليات تخريبية.
سفاح التجمع
كما اعترف المتهم كريم سليم المعروف بـ «سفاح التجمع» فى أثناء التحقيق معه فى القضية رقم 296 لسنة 2024، أنه كان يقوم بتصوير جرائمه بقتل الفتيات وتعذيبهن وبعد ذلك يقوم بعرضها من خلال بث مباشر على «Dark Web» وجنى من تلك المشاهدات الكثير من الأموال. وقد عثرت قوات الأمن على كاميرات فيديو موزعة فى عدد من الأماكن فى الغرفة التى كان يقتل فيها ضحاياه، وأنه كان يستخدم متصفحا معينا لإخفاء هويته، ومن خلاله يتم الوصول إلى الجانب المظلم من الإنترنت.