الهجرة النبوية ليست مجرد ذكرى نحتفل بها كل عام؛ بل هي منهج لحياتنا، وفيها من الدروس والعبر التي يجب أن يضعها كل شخص يريد الفلاح والنجاح في الحياة نصب عينيه، بداية فشل مخططات الظالمين: بالتأكيد كل واحد منّا لديه هدف في الحياة يريد تحقيقه والوصول له وبالتأكيد ستصادف خلال رحلة تحقيق أحلامك وأهدافك بعضًا من الظالمين والحاقدين، ولكن إذا كان الله معك فمن عليك، فسيتولى الله أمر هؤلاء، كما تولى الله سبحانه وتعالى أمر سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ونجاه الله من الكفار، فمر الرسول من أمام أعينهم ولكن جعل الله على أبصارهم غشاوة، كما تولى الله أمره وهو في الغار فنسج العنكبوت نسيجه على فم الغار، ونصبت الحمامة عشها على طرف الغار.
فالدعوة نجت لا بقوى كبيرة، ولكن نجت ولحكمة أرادها الله بأسباب صغيرة، وحمى الله سبحانه وتعالى رسوله، وحمى دعوته بسبب صغير، فالله يمكن أن يدمر إنساناً بسبب تافه، ويمكن أن تنجو دعوة كبيرة عملاقة بسبب صغير، كما تعلمنا أيضًا النجاح والوصول للهدف يتطلب التخطيط الجيد له، بالإضافة إلى توزيع الأدوار والسرية في المعلومات، فأوضحت لنا الهجرة المباركة ضرورة التخطيط الجيد للأمور كلها، مع الاستعانة بالتوكل على الله عز وجل، فالنبى صلى الله عليه وسلم خطط للأمر جيدًا؛ حيث تم اختيار الصديق وتجهيز الراحلة والمرشد الماهر الأمين، إضافة إلى التوزيع الجيد للأدوار فى عملية الهجرة كلها، واستكمل ذلك كله بحسن التوكل على الله عز وجل.
لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم لهجرته خطةً محكمةً، حيث كتم تحركه تضليلاً للمطاردين، واختار غار ثور الذي يقع جنوب مكة لإبعاد مظنة الوصول إليه، وحدد لكل شخص مهمة أناطها به، فأحدهم لتقصي الأخبار، وآخر لمحو الآثار وثالث لإيصال الزاد، ثم كلف سيدنا عليّا بأن ينام على فراشه لتمويه المحاصرين الذين أزمعوا قتله.
الخلاصة للراحة والنجاح في الحياة يتطلب أن يعمل الشخص بصمت لتترك في غيابك ضجة وأعمالك ستتحدث عنك وفق تخطيط، مع الأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم نتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، فما على الإنسان غير أن يفعل ما يستطيع فعله، والتوكل على الله والسعي بصدق وحسن نية فمن سعى بصدق نحو أهدافه سخر الله الكون لأجله ولخدمته، فمن عامل الله بثقة ويقين عامله الله بمعجزات، فالبعض يعتقد أن زمن المعجزات انتهى بموت الأنبياء والرسل ولكن الحقيقة أن المعجزات لم تنته بعد.
كما أن من دروس الهجرة النبوية حسن اختيار الصاحب، فهناك مقولة تقول الصديق وقت الضيق! فما خانك الأمين ولكنك ائتمنت الخائن، فالصاحب ساحب، إما أن يكون ساحبا لطريق الخير والحق وإما طريق الباطل والشر، فـ 90% من فساد بعض الشباب سببه أصدقاء السوء! فالله سبحانه وتعالى أمرنا ونصحنا فى مُحكم كتابه أن نختار الصحبة الجيدة، فقال تعالى: "وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"، فالصديق من الصدق، حتى فى وقت الشدة والأزمات لن ينفعك إلا الصاحب الذى يشد من أزرك ويعينك على تقلبات الحياة، الصديق الذى يذكرك دومًا بالله، وليس الذى يبعدك عن الله ويقربك من الدنيا الفانية! وأى صديق لم تجمعكم به محبة الله فهى حتمًا ستنقلب إلى عداوة، عملًا بقوله تعالى "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ"، فكم من علاقات انتهت بسبب أمور الدنيا، كم من علاقة صداقة انقلبت لعداوة بسبب الدنيا، فكلما اقترب الأصدقاء من بعضهما البعض تبدأ المقارنة، ومن ثم الغيرة ثم الحقد ثم العداوة، فأى علاقة من أجل الدنيا ستنتهى عاجلًا أم آجلًا!
فالأصدقاء الصالحون يعينون بعضا على الحياة ليس فى قلوبهما حقد لبعضهما، فالعلاقات المريحة النظيفة هى التى تدوم، الملتزم كل منهما بمنهج الله ويخشى الله، بل تزداد صلابة مع كل موقف، فالصالحون يعينونك على الصلاح والفاسدون سيفسدونك! وأمرنا الله بالإعراض عن الجاهلين والإعراض عمن تولى عن ذكر الله ولم يرد إلا الحياة الدنيا لأن هؤلاء لن يجلبوا لك إلا الطاقة السلبية ومع الوقت ستتأثر بصحبتهم إلى أن تصبح مثلهم، ويجب أن يُفرق الجميع ما بين من يُطلق عليهم صاحب وما بين العلاقات العامة أى العلاقات التى فرضتها عليك الحياة كعلاقات العمل وما شابهها.
فالعلاقات يجب أن تكون مُريحة تجد فيها التقدير والاحترام، ومطلوب فى كل علاقاتك المعاملة الحسنة والراحة النفسية، أما اختيار الصاحب فيجب التمعن فى الاختيار، فسيدنا عمر رضى الله عنه قال: «عليك بإخوان الصدق، فعش في أكنافهم، فإنهم زينة فى الرخاء، وعدة فى البلاء»، فكن مع من يجانسك لا من يجالسك، فهناك من يضلك ويغرقك فى المعاصى ويسحبك للدنيا، كما أخبرنا عن ذلك المشهد الله سبحانه وتعالى يوم القيامة: "لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا"، فكم من أصدقاء دمروا حياة بعضهم البعض وضاع مستقبلهم بسبب صحبة السوء! فالصحاب ليس بأخذ صور مع بعضهما البعض وليس أيضًا تقضية وقت والخروج مع بعضهما البعض، بل الصحاب مواقف وأفعال تأثير إيجابى.
وضرب لنا سيدنا أبوبكر الصديق أروع مثال للصاحب الصادق الأمين، وكيف كان بجانب سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وكيف يُلقي الصحاب الأمان والطمأنية في قلوب بعضهما البعض، فالبيئة الصالحة خير من الوحدة، لكن إذا كان المجتمع فاسداً، أو منحرفاً، فالوحدة خير من جليس السوء.
كل عام والأمة العربية والإسلامية بخير وسلام.
عضو مجلس النواب