بلغت قيمته 731.65 مليار دولار العام الماضى وتوقعات بوصوله إلى 1.467 تريليون دولار أمريكى عام 2028
موضوعات مقترحة
«بيرجر نومكس» و«وافل هاوس» مؤشرات تقيس أداء اقتصاد الدول وسعر صرف العملات عبر «تعادل القوة الشرائية»
ارتفاع مبيعات الوجبات السريعة عقب انفراج أزمة الرهن العقارى فى 2008 أعطى مؤشرًا على تعافى الاقتصاد العالمى
يوفر ملايين فرص عمل عبر 550 ألف شركة منتشرة حول العالم.. والـ«فرانشايز» فتح مجالات استثمار جديدة
خروج المرأة للعمل ووباء كورونا وتطبيقات الإنترنت وراء نموه المتسارع.. وارتفاع أسعار المواد الغذائية جعل تكلفتها أقل من طعام المنزل
دراسة العبء العالمى للأمراض: ما يقرب من نصف عدد وفيات أوروبا مرتبط بالأمراض الناتجة عن كثرة تناول الوجبات السريعة
عالم الوجبات السريعة، ليس مجرد طعام له مذاق خاص يفضله الكثيرون حول العالم، بل أصبح واحدًا من أسرع المجالات الاقتصادية العابرة للقارات نموًا، له مؤشراته ونظرياته الاقتصادية الخاصة به، التى لا تقل فى قوتها عن النظريات الكبرى، والتى تقيس قوة اقتصاد وسعر صرف عملة الدولة التى يباع فيها، عن طريق ما يعرف بـ "تعادل القوة الشرائية"، ومن خلال حجم الإقبال عليها يتم التعرف على مستوى دخل الأسرة والأفراد، وعبرها يكشف خبراء علم الاجتماع التغييرات التى تطرأ على نمط الغذاء فى العالم.
إنه العالم السرى لاقتصاد الوجبات السريعة، فخلف الشعارات الجذابة الملونة التى تملأ الشوارع والإعلانات عبر مختلف وسائل الإعلام، يكمن عالم كبير من الاقتصاد بلغت قيمته 731.65 مليار دولار، فى العام الماضى، ومن المتوقع أن ينمو لتصل قيمته إلى 1.467 تريليون دولار أمريكى بحلول عام 2028، ولهذا النمو الكبير أسباب اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية.
ومع هذه القوة الاقتصادية الهائلة، باتت مطاعم الوجبات السريعة تشكل عنصرًا إيجابيًا فى مجال سوق العمل، بتوافر ملايين فرص العمل حول العالم، ومجالاً جديدًا للاستثمار عبر ما يعرف بحق الـ"فرانشايز".
ولأن ليس كل ما يلمع ذهبا، فقد جلب اقتصاد الوجبات السريعة تأثيرات سلبية خطيرة على الصحة العامة لملايين البشر حول العالم، نظرًا لمحتواه الكبير من الدهون وفقره الشديد من الألياف والمعادن اللازمة لصحة الإنسان، فى السطور التالية نتعمق فى اقتصاد عالم الوجبات السريعة، لنفتش داخل أطباقه الملونة عن المخفى من أسراره.
تشهد صناعة الوجبات السريعة توسعًا ونمو سريعًا، فوفقًا لتقرير الشركة الأمريكية لأبحاث السوق «IBIS World»، بلغ عدد الشركات العالمية لمطاعم الوجبات السريعة العام الجارى 2024، نحو 550 ألف شركة، بزيادة قدرها 0.3% على العام الماضى، وحسب تقرير Fortune Business Insights بلغت قيمته خلال العام الماضى، نحو 731.65 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 1.467 تريليون دولار أمريكى، بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوى يبلغ 6.05%.
واللافت للنظر فى عالم الوجبات السريعة، أنه أصبح أحد عوامل تقييم سعر صرف عملات الدول التى تباع فيها، فوفقا لأحد المؤشرات الخاص به والمعروف باسم «بيرجر نومكس»، يمكن عن طريق مقارنة سعر الوجبة فى بلد منشأها بسعرها فى دولة أخرى، معرفة قوة العملة، عن طريق «تعادل القوة الشرائية»، وهى النظرية التى تقول إن أسعار الصرف على المدى الطويل، يجب أن تتكيف مع تعادل أسعار بعض السلع والخدمات فى مختلف البلدان، فعلى سبيل المثال كشفت مجلة «إيكونوميست»، فى تقرير لها أن سعر إحدى الوجبات السريعة فى أمريكا، يبلغ 5.06 دولار أمريكى، بينما لا يتعدى سعرها على سبيل المثال فى تركيا 10.75 ليرة، وهو ما يشير إلى أن سعر صرف العملة التركية، يقيم بأقل من قيمتها الحقيقية.
مثال آخر ذكرته كشفه تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز»، البريطانية يقول إنه باستخدام مؤشر سلسلة «وافل هاوس»، أحد المؤشرات الخاصة بصناعة الوجبات السريعة، اكتشف الخبراء، أنه بعد مرور ما يقرب من 90 عامًا على انتشار أحد أنواع الحلوى الإيطالية الفاخرة فى بريطانيا، لا يزال سعرها فى بريطانيا، مرتبطا بشكل دقيق مع القيمة الشرائية للجنيه الإسترلينى.
وفى أمريكا يشير تقرير مجلة «إيكونوميست»، إلى وجود ارتباط بين سعر الوجبة السريعة وأسعار بطاقات ركوب المواصلات العامة، فمنذ نحو 30 عامًا، وثمن شريحة من فطائر الوجبات السريعة، يتساوى مع ثمن بطاقة ركوب وسائل النقل والمواصلات العامة، واليوم مازال هذا الارتباط موجودًا، ومع كل ارتفاع فى أسعار هذه الفطائر، ترتفع أسعار بطاقات ركوب وسائل النقل والمواصلات العامة بنفس القيمة.
وفى خضم الأزمة الاقتصادية التى عصفت بالعالم فى عام 2008، والتى عرفت بأزمة «الرهن العقارى»، لاحظ خبراء الاقتصاد فى بريطانيا تراجعًا فى الإقبال على شراء الوجبات السريعة، مقابل ارتفاع مبيعات البقوليات، وعقب انفراج الأزمة وتحديدًا فى مطلع العام 2013، لاحظ الخبراء تراجعًا فى مبيعات البقوليات، وارتفاعا فى مبيعاتها، مما أعطى مؤشرًا على التعافى الاقتصادى فى بريطانيا من تلك الأزمة المالية.
أسباب النمو
تنمو صناعة الوجبات السريعة بمعدل سنوى يبلغ 2% تقريبا، حسب تقرير Fortune Business Insights، ويرجع هذا النمو لأسباب عديدة، منها خروج المرأة للعمل، فحسب آخر الأرقام والبيانات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، حول المساواة بين الجنسين وعدم التمييز، فقد بلغ معدل المتوسط العالمى المشاركة فى سوق العمل 48%، هذه النسبة من النساء العاملات، سواء كن متزوجات أم غير متزوجات ليس لديهن الوقت الكافى لإعداد الطعام، وبالتالى يكون البديل الأسرع هو الإقبال على شراء الوجبات الجاهزة من مطاعم الوجبات السريعة.
البديل الأرخص
ليس هذا فحسب، بل إنه مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 20% من يناير 2021، إلى يناير 2024، وهى أسرع قفزة على الإطلاق كما تشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة، أصبحت الوجبات السريعة أرخص تكلفة من الطعام الذى يتم طهوه بالمنزل، حيث إن نحو 32% من الأشخاص الذين يتناولون الوجبات السريعة، يأكلونها لاعتقادهم أنها أرخص من البدائل الأخرى، وهو يؤكده تصريح لـ»كريس كزينسكى»، الرئيس التنفيذى لأحد أشهر مطاعم الوجبات السريعة، حيث قال: «إن ساحة المعركة هى بالتأكيد مع المستهلك صاحب الدخل المنخفض».
وفى الربع الثانى من عام 2023، ارتفعت المبيعات فى مطاعم الوجبات السريعة والخدمة السريعة بمتوسط 5.75%، مقارنة بالربع نفسه من العام الماضى، بسبب ارتفاع أسعار الحبوب والمخبوزات، نتيجة للاضطرابات التى حدثت فى سلاسل الإمداد والتوريد، جراء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
ولا يعكس انخفاض أسعار الوجبات الجاهزة، مقارنة بالأطعمة التقليدية بالمنزل، أن فكرة أن الأسر ذات الدخل المنخفض، تتناول الوجبات السريعة بنسبة أكبر من الأسر صاحبة الدخل المرتفع، حيث تشير الأرقام إلى أن أصحاب الدخل المرتفع، يميلون إلى استهلاك الوجبات السريعة أكثر من غيرهم، حيث أظهر بحث للمركز الوطنى للإحصاءات الصحية بأمريكا، وهو أحد أقسام مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، أن 42% من البالغين الذين لديهم مستوى دخل عائلى مرتفع، يتناولون الوجبات السريعة أيضا، مقارنة بـ 31.7% فقط من البالغين فى الفئات ذات الدخل المنخفض.
ومن عوامل نمو صناعة الوجبات السريعة، تتبنى مطاعم الوجبات السريعة التطبيقات الذكية، والطلب عبر الإنترنت وسرعة التوصيل، وسهولة التناول خارج المنزل.
انتعاش من قلب الوباء
ارتفعت أسعار العديد من المكونات التى تستخدمها سلاسل الوجبات السريعة، خصوصا لحوم البقر، خلال فترة انتشار وباء كورونا، بسبب المشاكل التى وقعت فى سلاسل التوريد، ورفعت سلاسل مطاعم الوجبات السريعة أسعار قوائمها، لتعكس ارتفاع تكاليف الغذاء، كما اضطرت أيضًا إلى رفع أجورها لجذب الموظفين والاحتفاظ بهم، حيث استقال عدد كبير منهم، بحثًا عن أجور ومزايا وظروف عمل أفضل، خلال ما أطلق عليه اسم «الاستقالة الكبرى»، وهذا ما تؤكده بيانات مكتب الإحصاء والعمل الأمريكى، التى تشير إلى أن متوسط أجور عمال هذه المطاعم ارتفع بشكل كبير بعد عقب انتشار وباء كورونا.
ويقول ويليام زاكفيا، المحلل المالى فى مؤسسة ويليام بلير الاقتصادية: إنه فى عام 2023، أنفقت هذه المطاعم من كل 100 دولار حققتها من خلال المبيعات، نحو 31.12 دولارًا على الطعام والورق، و29.60 دولارًا على الرواتب واستحقاقات الموظفين، وبشكل عام يتم تحديد أسعار وجبات هذه المطاعم من خلال عاملين رئيسيتين، هما تكاليف الغذاء وتكاليف العمالة، وقد شهد عام 2022 ارتفاعًا كبيرًا فى أسعار المواد الغذائية، بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مما نتجت عنه زيادات كبيرة فى أسعار الوجبات السريعة، لكن مع استمرار الحرب وتراجع نسب التضخم فى أسعار المواد الغذائية، لم تنخفض أسعار هذه الوجبات. وهذا ما حدث أيضا خلال فترة انتشار وباء كورونا، حيث استوعب المستهلكون زيادة أسعار هذه الوجبات، ومع عودة الحياة لطبيعتها، توقع المستهلكون تراجع الأسعار لكن ذلك لم يحدث.
فرص عمل واستثمار متعددة
مما لاشك فيه أن قطاعا بهذا الحجم، يستوعب ملايين العمال حول العالم، قدمت صناعة الوجبات السريعة مساهمة كبيرة فى التوظيف، وتوفير فرص للعديد من العمال فى جميع أنحاء العالم، فى حين أن هناك بالتأكيد انتقادات للصناعة وممارساتها، فمن المهم الاعتراف بالتأثير الإيجابى الذى تحدثه مطاعم الوجبات السريعة فى خفض معدلات البطالة، بتوفيرها ملايين فرص العمل حول العالم، خصوصا للشباب الذين يبحثون عن وظيفتهم الأولى، حيث تشتهر هذه الصناعة بتقديم وظائف للمبتدئين، بداية من طلاب المدارس الثانوية، إلى أولئك الذين يحملون شهادات متقدمة أو تعليما عاليا، أو تعليمًا متوسطا، مما يجعلها مجالا واسعا للعديد من الباحثين عن فرصة عمل، ووفقًا للجمعية الوطنية للمطاعم بأمريكا، تعد مطاعم الوجبات السريعة ثانى أكبر عمل خاص توفيرا لفرص العمل، حيث يعمل فى أمريكا وحدها أكثر من 15. 1 مليون موظف، وفى الوقت الذى أكدت فيه الجمعية الوطنية للمطاعم بأمريكا التأثير الإيجابى الذى تحدثه فى توفير ملايين فرص العمل، فإنها وجهت انتقادًا لهذا القطاع، بشأن التفاوت الكبير فى رواتب العاملين بها، حيث إن رواتب المديرين التنفيذيين بها، تبلغ مئات أضعاف رواتب العمال البسطاء.
الـ»فرانشايز»
ومن الجوانب الاقتصادية الإيجابية لمطاعم الوجبات السريعة، ما يعرف بـ»فرانشايز»، أو الامتياز التجارى، وهو عبارة عن تعاقد تجاري بين طرفين، يقوم فيه الطرف الأول وهو المالك لمنتج أو خدمة أو علامة تجارية مشهورة، بمنح الطرف الثانى حق استغلال العلامة التجارية لمنتجه، مقابل مبلغ من المال، وهو ما يؤدى إلى مزيد من خلق فرص العمل والاستثمار، عبر صناعة ذات علامة ناجحة وعوائدها مجزية.
مخاطر صحية
ولأن ليس كل ما يلمع ذهبًا، فبعيدًا عن الإيجابيات الاقتصادية الكبيرة لسلاسل مطاعم الوجبات السريعة، فإنها فى الوقت نفسه تحمل العديد من المخاطر الصحية الكبيرة على من يعتادون تناولها، ووفقا لدراسة طبية حديثة نشرتها صحيفة «ديلى ميل» البريطانية أخيرا، أوضح فريق من الباحثين البريطانيين، أن الأكل غير الصحى هو السبب فى ارتفاع نسبة الوفيات فى العالم، وأوروبا بشكل خاص، ففى بريطانيا يوجد 62 حالة وفاة من بين 100 حالة وفاة بأمراض القلب، مرتبطة بتناول الوجبات السريعة.
كما تشير دراسة العبء العالمى للأمراض فى أوروبا، إلى أن ما يقرب من نصف عدد الوفيات فى أوروبا البالغ عددهم 4.3 مليون حالة، فى عام 2023، مرتبط بالعادات الغذائية غير السليمة، التى تحتوى على كميات كبيرة من الدهون، ومرتفعة الملح ومنخفضة الخضروات والحبوب الكاملة، حيث كشفت الدراسة أن الأفراد الذين تناولوا الوجبات السريعة أكثر من مرتين فى الأسبوع، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالسمنة ومرض السكر من النوع الثانى، مقارنة بأولئك الذين تناولوها بشكل أقل، حيث تعتاد هذه المطاعم تقديم كميات كبيرة فى الوجبة الواحدة، تحتوى على سعرات حرارية أضعاف ما يجب أن يتناوله الشخص فى اليوم الواحد، ويؤدى هذا إلى خلل فى توازن الطاقة فى الجسم أيضًا.
مصدر آخر من مصادر الخطر الكامن فى الوجبات السريعة، أشارت إليه دراسة العبء العالمى للأمراض، يأتى فى كونها منخفضة العناصر الغذائية الأساسية التى يحتاج إليها الجسم، مثل الألياف والفيتامينات والمعادن، وينتج عن ذلك سوء فى التغذية يؤدى إلى الإصابة بفقر الدم، وضعف الجهاز المناعى وسوء صحة العظام، كما اكتشف أن اعتياد تناول نظام غذائى مرتفع السعرات والملح، يؤدى إلى زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق واضطرابات الصحة العقلية الأخرى.