صداقة اليوم الواحد

8-7-2024 | 13:42

 تجمعنا بعض اللقاءات التي تتم داخل قاعات لندوات أو مؤتمرات أو غير ذلك بأناس لطفاء، نقوم بتبادل الحديث معهم ونناقش معًا بعض الآراء، تنساب بيننا قنوات حوار عديدة، نقترح حلولًا ونستعرض أفكارًا، نتحمس لرأي ما أو نشجبه، يحدث بيننا اتفاق كبير في وجهات النظر في لقاء لم يكن مدبرًا له على الإطلاق، في مكان وظروف قد لا يتكرران، نشعر بعدها بوهم عظيم يخبرنا بأن هذه نواة علاقة صداقة، خاصة عندما يتوافر معها قدر كبير من القبول والانجذاب. 

سويعات وينتهي الحدث أو اللقاء، فنقوم بالتقاط الصور، ونتبادل عقبها باقات من وعود حماسية تعد بدوام التواصل والاتصال، وتؤكد على ضرورة تكرار اللقاء، يذهب كل منا في طريقه ويعود ليدور مع دوامة الحياة. 

يحاول الطرف الذي تحكمه عواطفه أكثر العثور على هذه الشخصية الهلامية فلا يجد منها إلا أثرها، خاصة إن كان هو ممن يعانون من الوحدة والفراغ، يجتهد في محاولات التواصل من جديد مع هذا الإنسان مستحضرًا نفس المشاعر والأحاسيس التي سادت أثناء اللقاء، كلمات لم يتبق منها سوى ذكرى لقائه بشخصية لطيفة، تركت أثرًا طيبًا في النفس ثم رحلت كما جاءت، وهذا أصبح طبيعيًا في عصر محكوم بطابع عملي يفصل بين العقلانية والواقعية، وبين العاطفة ورهافة الإحساس. 

إن هذا هو ما يطلق عليه في علم النفس والاجتماع عبارة "علاقات اجتماعية قصيرة" ربما تحدث في إحدى ساحات الانتظار، داخل مصلحة حكومية ما، أو داخل موقف للحافلات، ومن الجائز أن يكون اللقاء داخل إحدى عيادات الأطباء، أو داخل عربات مترو الأنفاق، وهكذا فهناك العديد من الأمثلة لهذه النوعية من العلاقات.

يستعيد الطرف المغلوب بعاطفته والمكبل بها هذا الموقف مرات ومرات، يسترجعه بتفاصيله ويدقق النظر في تلك الصور التي جمعته بهذا الإنسان، بل وربما قد تنساب دمعاته تأثرًا، ويمتلئ قلبه بالأشجان حينما يرى منه ابتسامة كانت تعده بالبقاء، يتألم لدرجة قد تدفعه لذم الظروف التي جمعته بإنسان لا يقدر مدى محبته الجارفة له، فهو بحسب وجهة نظره شخص كاذب تنصل منه وكره لقاءه مجددًا.

تفكير محدود في أفق ضيق للغاية، تفكير لم يعد يصلح  لزمننا الذي نحياه، وجهة نظر قصيرة ومحدودة لن يجني من وراءها إلا المزيد من التعاسة غير المبررة، وهنا يأتي النضج ليقف في وجه عاطفة -بلهاء- يقاومها وينتزع بالقوة صاحبها الذي ارتضى لنفسه المكوث في وضع الشخص المستهان به، بعد أن حول بفكره أمرًا بسيطًا لقضية رأى عام.

الحفاظ على وجود مسافات مناسبة في بعض العلاقات الإنسانية ضرورة، خاصة القصيرة منها، فهذا سيمكننا من الإقامة دومًا داخل دوائر الأمان. 

التماس الأعذار للآخرين مرادف دقيق لمعنى الإنسانية الحقة، ودليل من دلائل الرقي والاتزان، لا توجد صداقة تحمل هذا العنوان، صداقة اليوم الواحد أكذوبة يصنعها البعض، يثق بها ويصدقها دون وعي أو إدراك.

إن هذه العلاقات تندرج فقط تحت اسم -دردشات- لا تقيسوا الأمور بوحدة قياس الظلال، تجنبوا استخدام العدسات المكبرة عند تقييم العلاقات العابرة، فالعلاقات الاجتماعية القصيرة لا تحتاج لكل هذا الجهد ولكل هذا العناء، اتركوها تمر بكم وادرجوها تحت مسمى -لحظات سعيدة- ومرت، ثم عودوا لأنفسكم في سلام.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: