تعرف الولايات المتحدة الأمريكية خطة الـ100 الأولى التي تعُطي فيها الفرصة كاملةً للإدارة الجديدة وللرئيس، لتنفيذ تعهداته الكبرى وسياساته الرئيسية، والتي تُظهر إلى أي مدى يحترم الرئيس وعوده الانتخابية وفوق ذلك صلاحياته الدستورية.
وحكومة الدكتور مصطفى مدبولي الجديدة تستحق فرصة الـ100 لتقدم خططها وتتخذ قرارات حاسمة وتضع سياسات، وتعمل خلالها من دون ضغوط، أو نقد عنيف، مما نقرأ على وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث انتشرت تغريدات مضادة للحكومة، قبل أن يصل رئيس مجلس الوزراء إلى مكتبه.
وربما يحدث هذا لأن الدكتور مدبولي مستمر في منصبه منذ العام 2018، ولكن هذه الحكومة ليست رئيسها فحسب، وإنما هي تقريبا، حكومة جديدة كليًا، وليست معدلة، أو مطعمة، ونسبة التغيير فيها تعد الأوسع تاريخيًا. ومن حق حملة حقائبها أن نعتبرهم جددًا، وهم كذلك، وأن نعطيهم الفرصة كاملة، ليكشفوا عن خطواتهم ومقارباتهم الأولى، للعمل العام.
إن التغيير الواسع الذي صبغ الحكومة بألوان الجدة، والذي أستغرق فيه رئيسها المكلف شهرًا بالتمام والكمال لاختيار أعضائها، بالتشاور قطعًا مع القيادة السياسية، يعطي فكرة عن القواعد التي يمكن أن تكون قد حكمت الاختيارات التي نراها الآن في مناصبها.
فلم تكن اختيارات ملء المقاعد أو لمن أتيحت له الفرصة، وبدا التأخير نوعًا من التدقيق، وكشف البطء الذي وصفه البعض، ووصفه آخرون بأنه كشف عن عدم وجود من يحمل الحقائب، أو يرغب في الوظيفة الصعبة، أو كدلالة عن الفراغ السياسي، ظهر كل ذلك في باب الأباطيل وكشف عن نفسه باعتباره نوعًا من المحاور العريضة للخيارات المتاحة، وليس ضيقها أو محدوديتها.
أمام الحكومة الجديدة مساحة دعم حتى لو ضن بها البعض، وبحوزتها أوراق ومنارات، تتمثل في رغبات الناس وأحلامهم، توجيهات الرئيس ودعمه المطلق، ووصايا بوتقة أصحاب الرأي والخبرة التي خرج بها الحوار الوطني.
وفي وسعنا أن نرى الآن تفاؤل قطاعات واسعة من الرأي العام المنتظر والمتشوق لعمل حكومي يبني على إنجازات السنوات الماضية، يصحح فيها، ويضيف إليها، بحيث تهتدي الحكومة إلى خطوات عملية واضحة تدعم تطلعات المصريين في رفع مستوى معيشتهم من دون استثناء.
كما أن توجيهات الرئيس السيسي لرئيس الوزراء وأعضاء الحكومة والمحافظين الجدد والتي شدد فيها على أهمية التطوير الشامل للسياسات والأداء الحكومي، وأنه على هذه الحكومة خلال المرحلة المقبلة جذب وتشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية ونمو القطاع الخاص، وعلى الجملة استكمال الحكومة مسار الإصلاح الاقتصادي على كافة الأصعدة مستفيدة من الخبرات السابقة.
ولعلنا لاحظنا تركيز الرئيس في لقائه مع الوزراء والمحافظين الجدد على فكرة التنسيق والتعاون بين الوزارات وأجهزة الدولة، حتى لا يقودنا الحماس إلى معضلة الجزر المنعزلة القديمة، وأن نعود إلى التذكير بأبجديات العمل الحكومي والتنبيه إلى الحكومة المتضامنة، كما حدث في عهود سابقة. كما أنه لا يجدر بالحكومة الجديدة الانشغال عن التواصل الفعال مع الرأي العام الذي بات يصنع الخبر والتعليق والتحليل والتصديق والتكذيب في آلة جهنمية لم تشهدها الأجيال من قبل.
لقد أعطى الرئيس خطوطًا عامة إذا ما روعيت فهي كفيلة بنجاح الطاقم الحكومي الجديد، خصوصًا ما طلبه من إعطاء الأولوية للتخفيف على المواطنين وتحقيق طفرة ملموسة في المجالات الخدمية، وعلى رأسها الصحة والتعليم. ومن الحقائق الواضحة في تكليفات الرئيس الاهتمام البالغ ببناء وتطوير الصناعة المصرية، باعتبارها هدفاً إستراتيجياً في مسيرة بناء الدولة.
وتقدم وتطور الصناعة المصرية سيكون كفيلًا بالرد على أصحاب نظرية أن مصر بلد زراعية ولن تكون غير ذلك، والصناعة تستطيع إذا ما طبقت الأسس العلمية السليمة أن توظف وتنتج وتغطي احتياجات السوق وتصدر، وخصوصا في الصناعات الحديثة والإليكترونية. أو على الأقل دعم الصناعات التي تقوم على الإنتاج الزراعي المحلي، كما فعل الاقتصادي الكبير طلعت حرب ذات يوم من تاريخنا الحديث.
وأمام الحكومة الجديدة مخرجات الحوار الوطني، وعليها أن تقوم بأمرين مهمين، الأول هو عمل لجنة وزارية لدراسة توصيات الحوار، وأخذ ما يصلح للتطبيق الفوري، وهو غزير. أو تكليف كل وزراة بالتوصيات التي قدمها الحوار في مجالها.
وعلى سبيل المثال، تكليف وزارة الصناعة بتوصية عقد مؤتمر صناعي سنوي، وتحديد موعده وأهدافه فورًا، وتكليف وزارة الثقافة بإعادة مشروع "القراءة للجميع" إلى الأضواء، وغير ذلك من مخرجات الحوار الوطني.
ولقد تابعنا في عجالة وعود الوزراء الجدد وأحلامهم، وهي فرصة لهم في الـ100 يوم الأولى لكي يعلنوا عن مشروعات ومبادرات تطمئن الرأي العام على سير وجدية الوزراء.
وقد وعد الدكتور مدبولي ببذل أقصى الجهد في المرحلة الدقيقة الحالية، هو وفريقه الوزاري، وذلك في خدمة الوطن، واعيًا، كما قال، بأنها مرحلة تتطلب العمل المكثف وإنكار الذات، لتحقيق صالح الوطن والمواطنين على جميع الأصعدة.
واعتقادي أن مدبولي يعمل في فترة دقيقة وصعبة، لأن المواطن يريد أن يشعر بعوائد التغيير الحكومي الواسع الذي حدث، وأن هذا التغيير لم يكن لشغل الرأي العام، أو وضعه في صورة وردية، وأن العمل الوزاري الصعب في ظل وعي مدني سياسي يمارسه الجميع بسبب ثورة الاتصالات التي نعيشها.
ولكن يظل واجبًا علينا وحقًا للوزارة الجديدة أن نمنحها مائة يوم للكشف عن خططها وأسلوبها وخرائط عملها ومشروعها.