إلى وزير الثقافة الجديد

3-7-2024 | 23:09


بعد التهنئة والترحيب.. هذه رسالتي لوزير الثقافة الجديد.. مستبشراً بتجديد شباب الثقافة بقدومه ومستشرفاً مستقبلاً طيباً للوزارة ومهنئاً له على المنصب الجديد..

والدكتور أحمد عبدالسلام هنو وزير الثقافة الجديد شاب خمسيني حاصل على الدكتوراه في فلسفة الفن، وله باع في مجال الاتصال المرئي وفنون الرسوم المتحركة والجرافيك؛ أي أنه متصل بحركة التطور التقني والتكنولوجي في مجال الثقافة المرئية، ولا بد أن ينعكس هذا الأمر على سياسته وطريقته فى إدارة الوزارة، وهذا بالذات ما يجعلني مستبشراً متفائلاً بتحسن أحوال وزارة عطشى للتغيير والتطوير. 

تسليم وتسلم
كما هو الحال مع كل فترة انتقالية تتغير فيها المسئوليات ومقاعد صنع القرار، ويحاول فيها المرؤوسون التطبع مع المنهج الجديد محاولين إبراز أفضل ما فيهم رغبة فى البقاء أو الترقي، هنا تظهر قدرة المسئول على تجاوز مشاهد الألعاب النارية الخداعة وفقاعات الاحتفاء الكاذبة للنفاذ مباشرةً نحو إعادة ترتيب دولاب العمل..
 
الذي يحدث أن المسئول يجد حوله جوقة من المرؤوسين الحنجوريين، بعضهم يحاول تصوير نفسه في صورة بطل، وبعضهم الآخر يطعن في غيره ليبدو كالخائف على مصلحة العمل، وبين هذا وذاك تضيع الوجهة وتضيع طموحات المسئول نحو التطوير. تلك هي فقاعات البداية. غير أن العلاقة بين المسئول وبين مرؤوسيه ينبغي لها أن تتم بصورة مختلفة فى حالة الرغبة فى وجود أداء جديد ومختلف.

أول أدوات هذا التغيير هو إعادة هيكلة البطانة. وهو أمر ضروري وحاسم فى التطوير. لأن الاستمرار فى الاعتماد على نفس المساعدين والمستشارين والمدراء التنفيذيين هو استمرار لنفس الأداء، إلا إذا كان من بينهم أشخاص متوافقين مع رؤية وطموحات المسئول. وإذا كانت البطانة غير منسجمة من حيث التوجهات مع قائدها فسوف تأتي العراقيل والمشكلات والمتاعب. 

مسألة التسليم والتسلم تظهر أثناءها نية المسئول الجديد، إما فى الاستمرار على نفس النهج الروتيني الرتيب، أو رغبته فى إحداث تغيير حقيقي أو قفزة أو طفرة تُذكر له فى سجل إنجازاته، وتضمن له بقاء صورته وسيرته فى أنصع وأبهى وأبقى حال.

بين منهجين
تحدثت سابقاً عما تم إنجازه فى وزارة الثقافة خلال عام. وكان أكثره مرتكزاً على ثلاثة محاور: أولها ما يخص معرض الكتاب وقطاع النشر، وثانيها ما يخص حجم الإنشاءات ومشروعات البناء والتجديد والترميم، وثالثها ما يختص بدور وزارة الثقافة فى إطار المشروع القومي "حياة كريمة". والحقيقة أن كل هذه المنجزات تمثل الخطة التقليدية للوزارة، تلك الخطة الروتينية المعتادة التي من السهل على أي مسئول أن ينجزها. فنحن نعلم أن العام المالي الحالي لديه خطة تنفيذية موجودة بالفعل على مكتب الوزير، وتضطلع بها إدارات التخطيط والمتابعة والحسابات خاصة بالمنشآت ومعرض الكتاب وحياة كريمة، فما الجديد؟ وأين هو التغيير الحقيقي الذي سيحدث فى أداء الوزارة؟ 

أعلم أيضاً أن لكل وزارة ميزانيتها، وهي فى الغالب ميزانية تتفق مع الحالة الاقتصادية العامة. ولن تكون وزارة الثقافة من الوزارات المحظوظة فى نيل الدعم الحكومي اللازم لإحداث قفزات أو طفرات. معنى هذا أن السبيل الوحيد لتحقيق هذه الغاية، أي إحداث تطوير لأداء وزارة الثقافة يفوق التوقعات، ويتجاوز ما هو تقليدي إلى ما هو مبهر ومثير للإعجاب، أن تنشأ للوزارة مصادر دخل ذاتية خلاف الصناديق، وأن تكون الوزارة قادرة على مضاعفة مكاسبها من مختلف مؤسساتها التابعة لها. 

أذكر أنني تقدمت منذ سنوات بعدد من المقترحات لتحقيق الاستفادة المثلى من بعض المؤسسات الثقافية، وقد تشجع للمقترحات عدد من المسئولين، ثم ما لبثت المقترحات أن تاهت فى دهاليز الروتين، وانتهى بها الأمر بالاختناق داخل أحد أدراج الروتين القاتل.

ولطالما ناديت بالاستفادة بتجارب الدول الأخرى فى مجال الصناعات الإبداعية، وأن وزارة الثقافة باستطاعتها أن تتحول إلى وزارة إنتاجية تدعم ميزانية الحكومة، لا أن تكتفي بكونها وزارة خدمية قليلة الحظ. وما زلت على يقين من إمكانية تحقيق ذلك في بلد الأهرامات والمعجزات المعمارية الخالدة. 

هناك منهجان في أي عمل قيادي: منهج الكفاف، ومنهج الكفاءة. الأول هو المنهج التقليدي الذي يؤثر السلامة ويخشى أن يغامر بأي تغيير أو تطوير خوفاً من أن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ولهذا يتلمس خطوات السابقين ممن استطاعوا النجاة دون محاولة لإحداث أي تطوير قد يحتوي على مجازفة. 

أما منهج الكفاءة فهو منهج رغم اتسامه بروح المغامرة والإقدام إلا أنه يتم عبر قنوات وأدوات تضمن له تحقيق النجاح فى مشروعاته الريادية، وهو منهج القادة القادرين على التغيير، وهم نادرون. فهل يكون وزير الثقافة الجديد من هذه القلة النادرة؟ أتمنى هذا..

هموم الثقافة
ثمة مشروعات قديمة كثيرة نجحت ولم تستمر. والسبب هو نقص التمويل. الأوبرا كانت لها مشروعات ناجحة، وقطاع الفنون الشعبية، وقطاع النشر. لكن الأرقام تتحدث اليوم عن نقص حاد فى المنتجات والخدمات الثقافية الرسمية. ولو أسهبت فى هذا الشأن لن تكفيني عدة مقالات. فلا بد لوزارة الثقافة أن تبحث عن وسائل وجهات تمويل خارج الصندوق. كما لا بد لها أن تحفز رجال الأعمال للمساهمة الطوعية فى برامجها ومشروعاتها. 

العاملون بمجالات الثقافة أنفسهم يلاحظون التفاوت بين مرتباتهم ومكافآتهم وبين مرتبات ومكافآت وزارات أخرى، أو مرتبات ومكافآت القطاع الخاص. وعلى سبيل المثال المسرح، أين هو؟ ولماذا لم يتطور المسرح القومي بنفس الوتيرة التي تطور بها المسرح الخاص، سواء من ناحية السينوجرافيا والديكور والتقنيات أو من ناحية الموارد البشرية؟! نحن لدينا بنية تحتية هائلة تستطيع أن تستوعب أي تطوير يراد للمسرح، لكن ليس لدينا تمويل كاف لمثل هذه الطفرة المراد تحقيقها في هذا المجال المهم. كلمة السر هي "التمويل".  

وزارة الثقافة تحتاج لرؤوس أموال خارج إطار الميزانية السنوية المعتادة، وهو أمر لا يمكن توافره إلا بأحد طرق ثلاثة: رجال أعمال وطنيون يؤمنون بدور الثقافة ولديهم روح المغامرة أو أن تعيد الوزارة استخدام مواردها بشكل أفضل بحيث تضاعف من أرباح مؤسساتها من أجل توفير تمويل ذاتي لأي مشروع ثقافي جديد، أو أن يتم التمويل من خلال تعاون دولي مع دول عربية أو أجنبية من خلال بروتوكولات تعاون طموحة.

بهذا المعنى والمنهج، فإن وزارة الثقافة فى ثوبها الجديد، بحاجة للجنة خاصة بالتمويل، تكون هي نواة التطوير المراد تحقيقه. يكون من أهداف هذه اللجنة أن تجعل لكل مؤسسة ثقافية حكومية هدفًا سنويًا يضاعف من أرباح هذه المؤسسة ويرمي لتنفيذ مشروع تطوير ذاتي يتجاوز الخطة الاستثمارية التقليدية المعتمدة على الموازنة المنهكة المثقلة.

تلك طموحات لن أمل من تكرار ذكرها والمناداة بتحقيقها، ولا أملك إلا قلمي وأملي. لقد عشت حياتي الصحفية في ظل العمل الثقافي متطلعاً لازدهاره متمنياً عودته لسابق عهده من التميز والريادة والصدارة إبان تولي الفنان فاروق حسني المسئولية. وفي قلبي يقين أن مصر قادرة على أن تستعيد مكانتها ثقافياً وريادتها إقليمياً وعالمياً فى أي وقت تشاء، إذا أحسنت استخدام مواردها الطبيعية والبشرية على النحو الأمثل. 

أعود فأكرر تهنئتي للدكتور أحمد هنو على توليه منصب وزير الثقافة، وأقدم له خالص أمنياتي بالتوفيق والنجاح فى قيادة العمل الثقافي نحو ازدهار مأمول وتقدم نتطلع جميعاً إليه.
 
[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: