النفاق ليس ذكاءً اجتماعيًا

2-7-2024 | 17:33
الأهرام المسائي نقلاً عن

يكتشف البعض منا يوماً تلو الآخر أن الثقة لا يجب أن تمنح للكثيرين؛ بل لابد أن يتعامل الإنسان بحذر ولا يتسرع في الحكم على الناس، إلا بعد المرور بالعديد من المواقف؛ فالإنسان يعرف عند المواقف، ويكتشف عند تعارض المصالح، وتظهر حقيقته عند الغضب؛ والبعض اليوم يسمي النفاق ذكاءً اجتماعيًا، ولا يعلم أن الله سبحان وتعالى لا يحب المنافقين، وفضح المنافقين في العديد من الآيات القرآنية، وسميت سورة كاملة بـ"المنافقون"؛ حتى يتم أخذ الحذر منهم؛ صفات المنافقين من سورة البقرة وسورة "المنافقون": المخادعة لله تعالى وللمؤمنين: فماذا ننتظر ممن يخادعون الله فهل تظن أنه لا يخونك؟! 

مرض القلب فبداخلهم حقد لا ينتهي يظهر مع المواقف؛ الإفساد في الأرض بالكفر والمعصية فتجدهم يفعلون المعاصي سرًا ولا يظهرون ذلك؛ وصفهم للمؤمنين بالسفه؛ التردد والتذبذب فتجدهم مع أصدقائهم ومع أعدائهم على نفس النهج فيتحدثون بالسوء على الكل؛ السخرية والاستهزاء بالمؤمنين؛ الحلف الكاذب؛ الختم على قلوبهم فلا يصل إليها حق ولا نور؛ تجد كلامهم دائمًا معسولًا فيتحدثون دائمًا بكلام جيد؛ حتى كل من يراهم يثق فيهم، ولكن داخلهم خبث لا ينتهي؛ الخوف والهلع الذي يأكل قلوبهم؛ الحكم عليهم بالفسق؛ الحرمان من الهداية إلى الحق.

والله سبحانه وتعالى كما عرض صفاتهم حتى ينتبه إليها الكثيرون؛ تحدث أيضًا عن آخرتهم، وأن منزلتهم في الدرك الأسفل من النار؛ كما أن هناك حديثًا لآيات المنافقين وهي ثلاثة: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وعدم قبوله للحق بعد ظهوره.

فالمنافق تجده يتحدث أمامك بوجه ومن خلفك بوجه، وبكل تأكيد البعض يشعر بالحزن والأسى على ذلك حتى يشعر أن هذا الزمان لا هناك إنسان جدير بالثقة، ولكن دعني أقول لمن يشعر بالضيق من كلام الناس: من أنت حتى لا يتكلم الناس عنك؟ فقد تكلموا على الله سبحانه وتعالى، وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء! قالوا عن الله جل جلاله إن الله ثالث ثلاثة، حتى الأنبياء والرسل وزوجاتهم لم يَسلموا من كلام الناس! فقد اتهموا زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام بالزنا، كما تحدث الناس عن سيدنا أيوب وزوجته وشمتوا في ابتلائهم، وأكثر من تأذى من كلام الناس موسى عليه السلام، والذي برأ موسى عليه السلام الله سبحانه وتعالى وليس الناس! 

وأكمل الله سبحانه وتعالى كلامه فقال: (وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا) ولم يقل وكان وجيهًا، فالأهم من تكون أنت عند الله وليس عند الناس، فالناس متقلبون؛ فمن معك اليوم ليس معك غدًا، ومن يحبك اليوم يكرهك غدًا، صديقك اليوم عدوك غدًا والعكس، بعض الناس لا يمتلكون إلا الكلام فلا يعجبهم شيء، فعندما يرون امرأة جميلة يتهمونها بالفتنة! وعندما يرون امرأة قبيحة يشفقون عليها! وعندما يرون إنسانًا غنيًا يتهمونه بالنصب! وعندما يرون إنسانًا فقيرًا يتهمونه بالتكاسل عن العمل! عندما يرون إنسانًا يتكلم كلامًا حكيمًا يتهمونه بالفلسفة، وعندما يرون إنسانًا يتكلم كلامًا غير مهم يتهمونه بالتفاهة! هكذا هو كلام الناس.

على أي حال لن تسلم من كلام الناس! والله يعلم كيف كلام الناس يضيق صدر الإنسان منه، ولكن أعطانا الحل وكيفية التعامل عندما يضيق صدرنا من كلام الناس؛ كما تحدث الله سبحانه وتعالى عن مخاطبة الجهلاء وكيفية التعامل معاهم، فالله سبحانه وتعالى في مُحكم كتابه لم يترك مسألة إلا وتناولها ووضع لها الحل، كما أعطانا الله طريقة التعامل مع الناس أي نأخذ بالعفو ونأمر بالعرف ونعرض عن الجاهلين، كما أمرنا الله بالعفو ولم يجعلها قاعدة بلا استثناء، العفو فقط إذا كان مُصلحًا لهم أما إذا كان عفوك يشجعهم على متابعة الأذى فلا تعفو عنهم؛ وهناك قصة استرشاد بذلك: رجل وقع بين يدي رسول الله، بكى، وتباكى، بكى لأن لديه بنات صغارًا، فرق إليه النبي، وعفا عنه، فعاد إلى ما كان عليه من التنكيل بأصحاب رسول الله، وهجائهم، ووقع مرةً ثانية، وأعاد قصته مرةً ثانية، توسل إليه، واسترق قلبه، وذكر له بناته، قال: لا أعفو عنك لئلا تقول: خدعت محمداً مرتين.

كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر الناس ويخزن لسانه. وهو بين الناس إذا تكلم إما أن يرقي وإما أن يهبط؛ إنسان لا تعرفه يجب أن تأخذ الحيطة منه سيدنا عمر علمنا ذلك فقال: لست بالخب ولا الخب يخدعني لا من السذاجة، حيث أخدع ولا من الخبث؛ حيث أخدع هناك ابتسامة وهناك مودة وهناك علاقة طيبة، لكن هناك ذكاء هناك حيطة وهناك حذر.

المؤمن طيب وعنده حسن ظن بالناس ولكنه ليس ساذجًا. المؤمن في أعلى درجات اليقظة والحيطة والذكاء. المؤمن كيس فطن حذر. الناس لا يحترمون المغفل أبدًا. فلا تكن طيبًا لدرجة السذاجة. ولا تصدق كل ما يقوله الناس، بل استخدم دائمًا عقلك، ولا تقبل شيئًا إلا بدليل، ولا ترفض شيئًا إلا بدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما يشاء، فالإنسان قبل أن يوقع. وقبل أن يقبض. وقبل أن يسلم نفسه لإنسان، يجب أن يعرفه جيدا!

وكان النبي عليه الصلاة والسلام علاقاته طيبة. لكن إذا لم يعرف الإنسان يسأل ويدقق وسيدنا عمر علمنا ذلك وهناك واقعة تحث علي ذلك. فسيدنا عمر قال لشخص: ائتني بمن يعرفك فهذا الذي طلب منه جاء برجل قال له: أتعرفه؟ قال: نعم قال له: هل سافرت معه؟ قال لا.. قال: هل جاورته؟ قال: لا.. قال: هل عاملته بالدرهم والدينار قال: لا.. قال: إذن أنت لا تعرفه. لعلك رأيته يصلي في المسجد قال: نعم.. قال: أنت إذن لا تعرفه. هناك آلاف الدعاوى في المحاكم. أسبابها كلها تصرف في سذاجة. سلم بلا تيقن. أعطى بلا إيصال أسس شركة بلا عقد. فالدين حثنا على أخذ الحيطة والحذر وتوثيق العقود وشهادة الشهود.

وآية الدين، التي هي أطول آية في القرآن الكريم، تؤكد ضرورة حفظ المال. ورعايته. وعدم تضييعه من خلال كتابة الدين. والاستشهاد بالشهود. إذا لم يكن هناك عقد. ولا إيصال. ليس معه وثيقة ضدك. يسلب منك حقك.

فالله سبحانه وتعالى رحيم وديننا يُسر وليس عُسرًا، كما يدّعي البعض ذلك، بل وضع الله قواعد وقوانين للتعامل مع الناس حتى نستطيع أن نحقق السلام الداخلي والراحة النفسية.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: