رفيقي القارئ، كي أكون صادقا معك لن أستطيع خلال هذا الحوار أن أكون محايدا على الإطلاق، ليس لعلاقتي المهنية والإنسانية بالإعلامي المتألق إبراهيم فايق، وإنما لكوني أحد محبيه حتى قبل تعارفي عليه عن قرب، ولكن حينما تعارفنا كنت في كل يوم أكتشف منه زاوية إنسانية جديدة تزيده في قلبي حبا وفي نظري احترامًا، ورغم اعترافي بعدم الحيادية وهو اعتراف ليس سهلا، إلا أنني أعدك بمراوغات صديقة تمنحك - مقابل وقت القراءة - نقلا صادقا لتجربة إنسانية فريدة تليق بك من ناحية وبنجم سطع في سماء الإعلام من ناحية أخرى.. الآن من قلب ملعب نجم الملاعب أتركك لتستمتع بهذا الحوار.
موضوعات مقترحة
إبراهيم.. صف لي بمنتهى الصدق شعورك تجاه حالة الاحتفاء ببرنامجك الجديد "الكورة مع فايق" على المستوى الجماهيري وتصنيفه بوعي جمعي كأفضل برنامج رياضي؟
ممتن جدا لربنا، وأحمده على ردود أفعال الناس الجيدة جدا منذ انطلاق البرنامج وحتى الآن، وسعيد جدا بها، ولست متعجبا من محبة الناس لأنهم يعلمون جيدا أن أي عمل أقوم به يكون المحرك الأساسي من ورائه هو رغبتي في رضاهم وسعادتهم، لذا فأنا مبسوط الحمد لله وأشعر بأن تصنيف الناس لي ولبرنامجي ومحبتهم يعد تاجا على رأسي.
ما أسرار حالة التوهج وزخم الاستقبال خلال المرحلة الحالية من وجهة نظرك؟
كل مرحلة في حياة الإنسان يصل فيها لمرحلة معينة من النضج ويكتسب منها خبرات كبيرة، ويكسب من خلالها شعبية وجماهيرية، فقناة أون والمتحدة بشكل عام احتووني من 5 سنوات وساعدوني ودعموني بأفضل شكل ممكن بفضل الله، ووصلت معهم لمستوى الحمد لله كنت راضيًا، وMBC عنه، وهذه مرحلة جديدة أعمل فيها على نفسي من جديد وأنا أضع نفسي أمام نفسي، فدائما ما أتحدى أن تكون كل نسخة مني أفضل من التي سبقتها، وهذا ما أسعى إليه جاهدا في كل مراحل حياتي، ولذلك أرى أن أي تطور حصل فيما أقدمه فهو تطور طبيعي بناء على طريقة تعاملي مع نفسي قبل الآخرين.
وإذا سألتك عن شكل الخطة التي اتبعت خطواتها كي تكون اليوم على النسخة التي أصبحت عليها، فماذا تقول؟
بكل أمانة وتستطيع أن تتحقق من ذلك بحكم العشرة التي بيننا، كل يوم جديد يصبح علىّ الصبح في تلك الشغلانة تولد بداخلي رغبة ملحة بأن أفعل شيئا جديدا لم أفعله في اليوم السابق، وأريد أن ألفت نظرك لشىء، مهنتنا بكل ما فيها من أضواء وشهرة إلا أن طبيعتها مختلفة عن طبيعة عمل الفنانين، فهم يتعبون جدا ولا أقلل من تعبهم ولكن الفنان من الممكن أن يصيب ويخطئ في أفلامه ويغيب عن الشاشة سنوات ولكن أعماله تعرض يوميا في كل مكان، فيظل الانطباع عنه أنه شخص ناجح ومتواجد، بينما نحن نجاحنا مرتبط باللحظة، ولابد أن يكون تراكميا وخاليا من القفزات، لأن قفزات كرة القدم غالبا ما تكون سلبية ومتعلقة بترند سلبي ملىء بالشتائم وقلة الأدب، وأنا قررت من أول يوم قررت ألا أعمل بتلك الطريقة، فأعمل بمدرسة الخطوات الثابتة المستقرة البطيئة بشكل يومي ومستمر، وهو ما كون نسخة بعد سنوات بها نوع من النضج والتراكمية في التعامل مع المشاهد، فأصبح لدي رصيد عنده من الثقة والمصداقية، لذلك حينما أنتقد شخص ما فأصبح المشاهد على يقين أن هذا رأيي الحقيقي الخالص من أي حسابات.
هذه حقيقة، والثابت أن خلال مشوارك المهني لم يتمكن أى أحد أن يرصد لك انتماء لأي طرف.. كيف فعلت هذا؟
أنا أصلا ليس لدي انتماء لأي شخص أو جهة لكي يسيطر عليّ، فأنا متحرر من كل الأشياء، ولذلك أعمل بلا أي ضغوط، حتى ضغوط الصحوبية، فأنا ليس لدي أصحاب في كل ما يتعلق بكرة القدم، ولا أريد أن يكون لدي أصدقاء حتى أظل متحررا من كل القيود.
كان لافتا للنظر إدارتك لحلقة "قفشة" إنسانيا قبل أن تكون إدارة إعلامية، والكل أشاد بأنك أنقذته من ورطة رغم كل ما حدث بعد اللقاء.. بم تفسر الموقف إجمالا؟
هذه قصة جدلية جدا، أنا لدي مدرستي الخاصة، وهي أن ضيفي لاعب كرة القدم لم يأت إلى برنامجي لكي أنصب له كمينا، فهو ليس مسئولا أو عضوا في اتحاد كرة القدم أو عضو مجلس إدارة في نادي، بينما هو لاعب كرة يُسأل في كل ما يتعلق بكرة القدم وما حولها، أحيانا الإعلامي يعتقد أن شطارته أن يوقع باللاعب في تصريح فتكون النتيجة أن يقع اللاعب مع جمهوره بالكامل، ولكي أجيب عن سؤالك بالتحديد، في حلقة قفشة شعرت أن الرجل مُنفعل إلى حد ما ولديه مجموعة من المشاعر المتداخلة، وبالطبع وأنا داخل الحلقة لا أرى ردود أفعال المشاهدين، ولكني كنت أرى بشكل جيد أن هناك شخصا "هيروح في داهية"، فقررت التعامل مع الموقف بشكل إنساني وليس بالشكل الإعلامي الذي ينتمي للمدرسة الأخرى التي تقول إن الضيف مسئول عن كلامه.
بعد الحلقة بفترة نشر أحد المواقع الصحفية ما وصفوه بـ "البوست الغامض" وأنك كتبت للناس "من الحكمة ألا ترد على المشككين فيك".. فما صحة ذلك؟
هذا لم يكن "بوست"، هذا الكلام كان ضمن حواري مع الكابتن حسام حسن، حينما قال يا جماعة الناس بتشكك فيا وكذا وكذا، فقلت له يا كابتن حسام من الحكمة لما تطلع تتكلم أمام الملايين ألا ترد على فئة صغيرة وهي فئة المشككين خصوصا حينما يكون هناك ٩٠٠ مليون واحد بيحبوك، وهذا كان ضمن كلامي داخل برنامج "الكورة مع فايق" وليس بوست موجه للناس كما نُشر، فهذه ليست لهجتي مع الناس، وعمري ما كتبت لهم عبارات من هذا النوع.
قلت لي بشكل شخصي إنك كنت تحب مهنة الإعداد ولم ترغب يوما أن تعمل كمذيع.. أليس كذلك؟
هذا صحيح، فالثابت أنه لا يوجد مذيع شاطر إلا وفي الأساس هو معد شاطر، وهذا ارتباط شرطي، إذا لم تكن تستطيع إعداد المحتوى الذي تقدمه لنفسك فلن تكون مذيعا متميزا في يوم من الأيام، فأنا أعد حلقاتي لنفسي، فحلقة المواجهة بين عدلي القيعي وميدو قمت بإعدادها بكل تفاصيلها، ولأني في الأساس صحفي ومعد ومراسل فأصبح لدي مجموعة من الخبرات التي تؤهلني لكي أقدم برنامجي بالشكل الذي عليه الآن، وإن كنت لم أتخيل كما قلت لك من قبل أن أصبح مقدم برامج في يوم من الأيام نهائيا ولم أخطط لذلك مطلقا.
قدمت مؤخرا بودكاست "فايق ورايق" والذي بعيد كل البعد عن كرة القدم بشكل مفاجئ وحققت حلقاته نسب مشاهدة مرتفعة جدا أيضا.. بم تصف تلك التجربة؟
تلك التجربة كنت أتمنى خوضها من مدة طويلة، وحينما أتى وقتها وتم تنفيذها شعرت أنها حررتني، وذلك لأني طوال الوقت أرى أنني لدي القدرة على الحديث عن العديد من الأشياء بخلاف كرة القدم، ولدي القدرة على الدردشة فيها بشكل كبير، لذلك فهي تجربة أشعر بالانبساط وأنا في طريقي لتصوير حلقاتها، وأيضا وأنا أعمل بها، وسعيد بنتيجتها ومتوقع لها النجاح الكبير مما حققته بكثير خلال الفترة المقبلة لأنها تمثل جزءا ما بداخل إبراهيم غير مكتشف بعد.
بما أننا الآن على صفحات مجلة "الشباب" وأنت نموذج للشاب الناجح والمكافح.. كيف تصف النشأة التي صنعت النموذج الذي أمامنا الآن؟
أنا من أسرة مستورة والحمد لله، تربيت تربية دينية مثل معظم أبناء جيلي حيث أنتمي لجيل الثمانينات العظيم، تربيت في ظروف بسيطة جدا، الدنيا أيامها كانت أسهل بكثير في كل شىء، حفظت أجزاء من القرآن الكريم خلال طفولتي، والصيام والصلاة في المسجد في سن صغيرة بحكم أن والدي رجل متزن وملتزم دينيا بانفتاح، فتدينه لم يمنعه من سماع أم كلثوم وحب أفلام إسماعيل ياسين وعلي الكسار، فكان مشاهدا للأفلام والمسلسلات، واكتشفت أن تلك النشأة جعلتني في حالة سلام نفسي ولا أعرف التشدد بمطلق معناه، ووالدتي كانت تدعو للأغراب بشكل كان يبدو لي مبالغا فيه لمجرد أنهم فعلوا شيئا جيدا أو أحدهم حقق خطوة جديدة في حياته، وهو ما انعكس عليّ بأنني لا أنظر لما في يد غيري أيا ما كان، وجعلني أحب الخير للناس، وجعلني أحب الناجحين جدا، لأني تعودت أن أحب اجتهاد الناس ورؤية مكافأة ربنا لهم على هذا الاجتهاد.
في حياة كل منا نقطة تحول وعلامة فارقة.. فما تلك النقطة والعلامة في حياتك؟
وفاة والدتي -رحمها الله-، فقبل وفاتها كنت أحزن وأغضب، بعدها لم يعد هناك شيئا يستدعي الحزن أو الغضب أو البكاء، فأول وآخر مرة بكيت فيها في حياتي كانت يوم وفاة والدتي، فأنا لست شخصا بكاء، ولكن وفاة والدتي علمني أن مهما يحدث في تلك الحياة لن يحدث أصعب من فراقها، ولن يحدث من وجيعة مثل هذا الوجع، فبعد وفاتها كل حاجة أصبحت "زي بعضها" مهما حدث، فأي شىء سيئ فالأسوء منه حدث بالفعل، لقد فقدتها.
هل فقدها جعلك أكثر قوة في التعامل مع المواقف ومشاكل الحياة؟
ليس فكرة أقوى، ولكن وفاة والدتي جعلني أعلم جيدا حقيقة هذه الدنيا، وأصبح جزءًا كبيرًا من قوة شخصيتي قائما على قوة الاستغناء، فأنا شخص مستغني جدًا عن أي شىء أشعر أنه سوف يضرني نفسيًا، ولو استيقظت من النوم وشعرت أني أصاب بضرر من مكان ما، أقدم استقالتي فورا وفعلت ذلك من قبل.
ولكن الاستغناء عن مصدر الرزق يحتاج إلى قوة كبيرة تغذيها دوافع تدعم تلك القوة.. أليس كذلك؟
كما قلت لك لقد أتيت من بيت متوسط، ومستور، وليس لدي أي مشكلة أن "أشتغل أي حاجة" هاكل وأشرب، فأنا لست مع فكرة تكنيز الفلوس، ولا أريد أى شىء من الدنيا، وواثق بأن ربنا سوف يرسل لي أكلي وشربي ما دمت أسعى، ولا أريد من رغد الحياة أى شىء، وهذا سر من أسرار قوة الاستغناء التي لدي والتي تربيت عليها، فأنا كرامتي فوق دماغي ولا أسمح لأحد المساس بها.