في البداية دعونا نتفق على أمرين، أولهما أنه لابد من مناقشة الموضوع بمنتهى الموضوعية والمنهجية، ثانيهما أن نتوافق على طرح فكرة "كله تمام يا أفندم" جانبا، وقد قالها فخامة الرئيس، لا تقولوا "كله تمام"، وإنما قولوا لدينا مشكلات ينبغي أن نتكاتف جميعا لحلها.
نطرح سؤالا يحمل ما يحمله من الوجاهة، سؤال على كل الألسنة، ألسنة هذا الشعب الذكي بفطرته، نسمعه في المواصلات العامة، في الأندية، في المنتديات الفكرية، في العمل هذا السؤال ما الذي ينبغي على الحكومة الجديدة فعله لتحقيق آمال وطموحات الشعب؟ وهل ستفي بمتطلباته وتوفر له حياة كريمة تليق به؟!
نعم كثر الحديث عن الحكومة الجديدة خصوصا بعدما قدم الدكتور مدبولي استقالة الحكومة، وأعاد فخامة الرئيس تكليف سيادته بتشكيل حكومة جديدة، وأعتقد أنه، ومن وجهة نظري المتواضعة، تكليف في محله؛ لأن ثمة مشروعات عالقة بدأها مدبولي وينبغي عليه إتمامها، فرب الدار أدرى بمن فيها.
فهل ستكون هذه الحكومة على قدر المسئولية في تنفيذ الخطة الرئاسية للنهوض بالوطن، وتحقيق التنمية المستدامة، التي تضعها في مصاف الدول المتقدمة، وتحقق حلم الرئيس والمصريين في إقامة جمهورية جديدة تتحقق فيها العدالة الاجتماعية، وتحفظ فيها كرامة المواطن، وتحقق له رغد العيش وتلبية متطلباته من تعليمٍ راقٍ يواكب ركب التقدم والتطور الحضاري والمواكبة والمعاصرة.
كذلك اقتصاد قوي متماسك بما ينتفي معه الفقر وما يترتب عليه من بطالة وسوء توزيع الثروات وضبط الرواتب وضمان سوق عمل جيدة للحرفيين، ينتفي معه ظاهرة التسرب من التعليم، وظاهرة العنوسة، وظاهرة التسول، وكل هذه الأمور مترتبة على الاقتصاد الضعيف، لكن لو هناك اقتصاد قوي لن نجد هذه الظواهر، أو على الأقل التخفيف من حدة وطأتها وتأثيرها على حياة المواطنين.
قس على ذلك في مجال السياسة والثقافة وكل مفاصل الدولة المؤسسية الخدمية بما يحقق الاستقرار والأمن والسلام الداخلي لأفراد المجتمع.
لكن ثم سؤال يطرح نفسه بعد هذا العرض؛ هل ستستطيع الحكومة الجديدة تحقيق مخرجات الحوار الوطني؟ وهل ستتوافر لها آليات تنفيذ ملفاته التي توصل إليها المتحاورون، أم ستكون توصيات يصفق لها جميع الحضور وينفض المولد وتوضع حبيسة الأدراج إلى حين ميسرة؟!
إذن السؤال الآن: ما هي مخرجات الحوار الوطني؟!
فبعدما اجتمع المتحاورون بكل أطيافهم وانتماءاتهم الحزبية واللاحزبية توصلوا إلى عدة مخرجات تمخضت عن لقاءات عديدة وجلسات مستمرة وورش عمل، ويمكن حصر هذه المخرجات فيما يلي:
المخرج الأول، ملف الحريات وحقوق الإنسان وضرورة أن يوضع أمام الحكومة الجديدة من أجل تنفيذ بنوده، ففي مجال الحريات حرية الرأي والتعبير عنه مكتوبًا أو مقروءًا أو مسموعًا أو مشاهدًا دونما كبت أو مصادرة، شريطة ألا يخل باللياقة والأدب؛ حتى لا يتحول من نقد بناء إلى نقد سفسطائي مذهبي هدام، هذه واحدة، أما الثانية فهي ملف الحبس الاحتياطي وتجديداته المستمرة، فمن تثبت إدانته يقدم للمحاكمة والعكس وهكذا؛ ضمانًا لآدمية الإنسان، فالمطلوب من الحكومة الجديدة مواجهة هذا الملف الشائك واضعة النقاط على الحروف.
المخرج الثاني، المخرج السياسي والمتمثل في تفعيل دور الأحزاب السياسية تفعيلا يثري واقعنا السياسي، بما يضمن تحقيق وعي سياسي للمواطن، فزمن هز الرأس والتصفيق ولى وذهب بلا رجعة، ليس هذا فحسب؛ بل وإحياء الحياة الحزبية عن طريق انتخابات حرة نزيهة وشفافة، وكذلك إحياء وتفعيل دور الحياة النيابية وعودة انتخاب المحليات، لتمارس دورها الحقيقي في خدمة المواطن -وإذا ما ذكرنا المحليات فحدث ولا حرج - لماذا لأنها هي همزة الوصل بين المواطن والحكومة، فإذا ما صلحت هذه المحليات سينصلح حال الوطن وتنسحق الرشاوى والوساطة والمحسوبية، كذلك إجراء انتخابات برلمانية لاختيار نائب يجمع بين الخيرين، مصلحة أبناء دائرته، وفي نفس الوقت يكون له دور فاعل في وضع وسن القوانين التشريعية والتنفيذية.
المخرج الثالث، والذي تمثل في مخرج الصحة وآليات تفعيل دور وزارة الصحة ومدرياتها ومراكزها المنتشرة في محافظات ومدن وقرى الجمهورية، فكيف يتم هذا التفعيل، عن طريق اختيار وزير واعٍ مستنير مشغول ومهموم بهموم المواطن ينفذ توصيات الحوار الوطني من إنشاء مشافٍ جديدة ومتابعة طواقمها الطبية؛ عن طريق ترك المركزية والتحرر من الجلوس على الكرسي والنزول إلى الشارع في زيارات مفاجئة غير مسبق الإعداد لها، كذلك متابعة منظومة التأمين الصحي والتأمين الشامل، ومتابعة شركات الأدوية والتصدي للخروقات التي تحدث من تلاعب في أسعار الأدوية واحتكارها، فصحة المواطن أولا وقبل كل شيء، ومتابعة تكليفات الرئيس ودعواته المستمرة للحفاظ على صحة المواطنين.
المخرج الرابع، التعليم وآليات النهوض به، سواء التعليم الإلزامي أو التعليم الجامعي وما بعد الجامعي، وهذا المخرج لا ولن يتحقق إلا من خلال اختيار وزير من بني جلدتهم، فأهل مكة أعلم بشعابها، وهذا المخرج يضرب في ثلاثة اتجاهات، أولها، الاهتمام بالمعلم روح العملية التعليمية، عن طريق توفير حياة كريمة له يحقق من خلالها الاكتفاء الذاتي، فلا ينحرف عن الجادة، ويذهب إلى الدروس الخصوصية، وثانيها، الاهتمام بالبنية التحتية للمدارس عن طريق متابعة هيئة الأبنية التعليمية، وإنشاء مدارس جديدة آدمية توفر مناخًا صحيًا للتلميذ وللمعلم ولأولياء الأمور على حد سواء، والقضاء على كثافة عدد التلاميذ في الفصول.
ثالثها، مراجعة المحتوى العلمي الذي يقدم للتلميذ عن طريق أساتذة تربويين متخصصين دونما إفراط أو تفريط، بمعنى تقديم معلومات مركزة مبسطة مفيدة للتلاميذ بعيدًا عن التطرف الديني وازدراء الأديان، وحذف ما هو مكرر وحشو.
من الذي يحقق ذلك وزير يتم اختياره بعناية فائقة، لماذا؟ لأن بناء الأمم أساسه المتين وحجر زاويته التعليم.
المخرج الخامس، المخرج الثقافي بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، فضرورة ملحة الاهتمام بالثقافة، وهذا مخرج غاية في الأهمية، فالثقافة هي البناء الحضاري لأية أمة، ولا يتم ذلك إلا من خلال ممارسة الحكومة دورها المنوط بها من خلال اختيار وزير له باع طويل في هذا المجال، على وعي ودراية بلجان المجلس الأعلى للثقافة وما تقوم به في أروقتها وكيفية اختيار أعضائها، كذلك من خلال الاهتمام بمركز الترجمة ودار الأوبرا وقصور الثقافة وإحياء الثقافة الجماهيرية، وإحياء دور مكتبة الأسرة.
المخرج السادس، المخرج الديني وهذا المخرج يضرب على وتر حساس؛ بمعنى فالاهتمام بالدين ضرورة ملحة، وعلى الحكومة معول رئيس في اختيار وزيرٍ للأوقاف على دراية وفهم جيد بعلوم الدين؛ مما يساعده على اختيار مساعديه ومستشاريه، كذلك عليه دور بالغ الأهمية في إعداد دعاة مفوهين غير مسفسطين؛ لأنهم هم الذين يتولون الخطابة والتعامل المباشر مع جموع الشعب، بعيدًا عن التطرف ونشر خطابات الكراهية، فالدين لله والوطن للجميع، بل وعلى هذا الوزير دور في متابعة المساجد، والوقوف على احتياجاتها ومتطلباتها، فالدين في حاجة ملحة إلى الدولة لترعاه، والدولة في حاجة أكثر إلحاحًا للدين ليرعاها أيضًا.
المخرج السابع، ملف الإسكان والمجتمعات العمرانية والاهتمام بالعشوائيات، فهل يعقل ونحن في القرن الحادي والعشرين أن نرى هذا الكم من المناطق العشوائية التي يتخذها بعض قاطنيها أوكارًا لممارسة الرذيلة وبيع المخدرات والبلطجة، ومن ثم بات الأمر ملحًا أن تلتفت الحكومة إلى هذا الملف الذي دومًا ما نبه عليه السيد رئيس الجمهورية، ولن يتم ذلك إلا من خلال اختيار وزير على وعي ودراية بتقنيات إنشاء المدن الجديدة والمجتمعات العمرانية، وأعتقد أن كليات الهندسة بها من العلماء الأفاضل من يقوم بمثل هذه المهمات، مهندس تنظيري وتنفيذي في آن واحد.
المخرج الثامن، الملف الاقتصادي والصناعي، والزراعي، فإنه ينبغي على الحكومة الجديدة الاهتمام بهذا الملف أيما اهتمام؛ لأن الاقتصاد عصب أي دولة، فإذا ما كان اقتصاد الدولة قويًا فالنتيجة الحتمية ستتحقق المعادلة، التي لا أعتقد أنها صعبة، لماذا؟ لأن الاقتصاد القوي سيقضي على البطالة والتسرب من التعليم، وسيقضي على ظواهر مثل العنوسة والتسول، أما آليات النهوض باقتصادنا فتكون عن طريق الاستثمار وكيفية جذب المستثمر إلى بلادنا الذي يتوفر من خلاله العملة الصعبة، أيضا اختيار وزير اقتصاد فاهم واعٍ مستنير، يضع خطة زمنية للنهوض بالاقتصاد يتعافى من خلاله، ومصر ولادة وتستطيع أن تختار هذا الوزير، وإذا ما ذكرنا الاقتصاد والنهوض به فلابد أن نربطه بالتصنيع والزراعة فهذه الثلاثة هي المقوم الرئيس لبناء دولة قوية، صناعة قوية+زراعة تسد حاجات الشعب ويصدر فائضها إلى الخارج= اقتصاد قوي متين.
هذا اجتهادي الشخصي في تحليلي لهذه المخرجات وكيفية ربطها بالمطلوب من الحكومة الجديدة.
وفقنا الله لما فيه خير البلاد والعباد.
* أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان