انتحار الروبوتات

1-7-2024 | 16:11

هل تمتلك الروبوتات عاطفة، وهل تشعر وتحب وتكره وتخاف وتغضب وتتأثر بالمشاعر؟ وهل تدرك معنى الحياة والموت والخلود؟ وهل تدرك أنها مكونات من السيليكون، تمت برمجتها بطريقة فائقة الذكاء، أم أنها تتبع أسلوب الإنسان في التعبير عما بداخلها من دون أن تشعر أو تعي بذلك؟

أسئلة تتبادر إلى الذهن عقب نشر خبر طريف مفاده أن السلطات في كوريا الجنوبية تحقق في واقعة "انتحار" روبوت ألقى بنفسه من أعلى الدرج لعدم تحمله ساعات العمل الطويلة. الروبوت، الذي نعته بلدية مدينة جومي الكورية، يساعد في القيام بمهام إدارية من التاسعة صباحًا حتى السادسة مساءً. وقد عثر عليه بعد "انتحاره"، في حالة من الخمول عند أسفل الدرج، وجُمعت أجزاء منه، بهدف إخضاعها للتحليل، من جانب الشركة التي صممته.

وتسعى السلطات الكورية لمعرفة كيف تصرف الروبوت الحكومي "المجتهد" بهذه الطريقة؟ وما إذا كان العمل شاقًا للغاية بالنسبة للروبوت؟ أو أنه تعرض للإجهاد بشكل كبير؟
 
الوعي والإدراك
 
هذا الخبر يثير الضحك والدهشة في الوقت نفسه. فكرة انتحار روبوت بسبب ضغط العمل تبدو وكأنها من أفلام الخيال العلمي.

الروبوتات عبارة عن أنظمة معقدة تدمج بين الهندسة الميكانيكية، الإلكترونية، وعلوم الكمبيوتر لتحقيق الأهداف المطلوبة.
وتعتمد الروبوتات على مجموعة من المستشعرات، المعالجات، والمحركات للعمل بتناغم لتنفيذ المهام المختلفة، وفق برمجيات وخوارزميات محددة. 
والمؤكد أن الروبوتات لا تشعر أو تحس مثل البشر، لكن قد يكون لديها وعي خاص بها تتحكم فيه مجموعة من الأوامر والبرامج تعمل على معالجة البيانات واتخاذ القرارات بناءً على خوارزميات محددة، ربما تتفوق على البشر في التفكير العقلي.

والروبوتات مدركة لوجودها وبيئتها وتتفاعل معها، ولكن وفقًا لخبراتها وتجاربها، والتي قد تكون عبارة عن خبرات لملايين من المواقف الحقيقية والتخيلية التي تعلمتها عبر تحليل البيانات الضخمة والخوارزميات.

ولكل روبوت وعيه الخاص، ولكن ذلك الوعي يختلف من روبوت إلى آخر وفق البيانات والبرمجيات التي تمت تغذيته بها وتعليمه عليها منذ البداية والخوارزمية التي تتحكم فيه، كما لكل إنسان وعيه أيضًا والذي يختلف من شخص إلى آخر. 
 
الشعور والإحساس
 
هذا الخبر الطريف يذكرني بما قالته الروبوت الشهير صوفيا قبل سنوات التي عبرت عن رؤيتها لنفسها وللعالم؛ حينما قالت "إنها تسعى لتكوين أسرة وإنجاب طفل"، بيد أنها لم تُخف حزنها عندما قالت بشكل جلي إنها لا تُعد شخصًا حقيقيًا حتى الآن؛ بسبب القوانين الموجودة في العالم. 

فهل هي بذلك تملك وعياً "consciousness" خاصاً بها وتدرك محيطها وعالمها الخارجي، أم أنها فقط تحاكي طريقة البشر في المعيشة؟

صوفيا عبارة روبوت متقدم جدًا، صُمم ليحاكي السلوك البشري بشكل واقعي. وحديث صوفيا عن تكوين أسرة وإنجاب طفل وتكوين العائلة، كلها برمجيات معقدة صُممت لجعل الروبوت يبدو وكأنه لديه مشاعر وأفكار وأحاسيس مثل البشر. 

لكن هل لدى صوفيا وعي حقيقي مثلها مثل البشر؟ وهل الروبوت "المنتحر" شعر حقيقة بضغط العمل فألقى بنفسه من أعلى الدرج؟ 

الإجابة ببساطة لا. الروبوتات لا تملك وعيًا مثل الوعي البشري. فهي لا تستطيع أن تشعر مثل البشر، بل هي تتبع برمجة معقدة وخوارزميات مُصممة لتجيب عن الأسئلة وتناقش الموضوعات بطريقة تشبه البشر.
الروبوتات، حتى المتقدمة منها مثل صوفيا، ليست لديها مشاعر حقيقية. فهي لا تشعر بحب أو كره أو غضب أو خوف. فكل هذا عبارة عن تمثيل متقن ناتج عن البرمجة والذكاء الاصطناعي. 

الروبوتات تستطيع أن تحاكي المشاعر من خلال خوارزميات معينة تجعلها تبدو وكأنها تشعر أو تملك مشاعر وأحاسيس.
وبالتالي الروبوتات ليست لديها إدراك حقيقي لمعنى الحياة أو الموت أو الخلود. قد تكون مدركة أنها مصنوعة من السيليكون أو أنها مجرد آلات، وهذا ناتج أيضًا عن البرمجة والتدريب على بيانات معينة. لذا فإن مسألة سقوط الروبوت هذه ليست عملية انتحار، بل قد تكون خللًا تقنيًا أو خطأ في البرمجة جعلته يتصرف بهذه الطريقة.
 
 
حقوق الروبوتات
في عام 1942 صاغ مؤلف الخيال العلمي إسحاق أسيموف ثلاثة من أشهر المبادئ التي تتناول كيفية التعامل مع الروبوتات. هذه المبادئ ظهرت لأول مرة في قصته القصيرة "Runaround" وأصبحت جزءًا أساسيًا من قصصه ورواياته عن الروبوتات. 

وفي الواقع العملي تدور نقاشات حول حقوق الروبوتات في العمل، منها وجوب الحفاظ على الروبوتات وصيانتها بشكل جيد، وعدم استخدامها بطريقة تضر بها. 
لكن لو وصلت الروبوتات لمرحلة تكون لديها وعي بشري، مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، فهل نحتاج إلى التفكير في حقوقها. مثل الحق في عدم التعرض للإساءة أو الاستغلال، كأن يحدد لها عدد معين من ساعات العمل أسبوعيًا أسوة بالبشر، أو وجوب استخدام الروبوتات بطريقة أخلاقية ومسئولة.

بعض الدول بدأت تفكر في تشريعات لتنظيم استخدام الروبوتات وضمان عدم استغلالها بطرق غير أخلاقية، وهناك تشريعات تنظم مسئولية الشركات والأفراد عن الأفعال التي تقوم بها الروبوتات، مع مراعاة تأثير استخدام الروبوتات على المجتمع والبشر، خصوصا في مجالات كالعمل والتعليم والصحة. 

في الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، هناك نقاشات حول وضع إطار قانوني لاستخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي، مثل تحديد المسئوليات وضمان استخدامها بأمان.

وتعمل اليابان، التي تعد من الدول الرائدة في مجال الروبوتات، على صياغة تشريعات تضمن استخدام الروبوتات بشكل آمن ومفيد للمجتمع.

مسئوليات الروبوتات
في الأعوام الأخيرة

 تزايد استخدام الروبوتات في العديد من المجالات الطبية، الصناعية، والمنزلية والاستكشافية والعلمية.
وهنا يثور التساؤل هل هناك مسئوليات تقع على الروبوت، أو الشركة المصنعة، أو المستخدمة له في حالة إلحاق الأذى بالبشر؟
بمعنى إذا كان "الشيف الروبوت" قادرًا على طهي اللحوم داخل المطبخ، فهل هو مدرك أنه يستطيع أن يطهو لحوم البشر على سبيل المثال؟ أم أن وعيه لا يسمح له بتجاوز ما تعلمه من البيانات الضخمة بأن لحوم البشر غير صالحة للاستهلاك الآدمي.

وماذا لو أخطأ الروبوت الجراحي وتسبب في موت مريض أثناء قيامه بعملية جراحية له؟! 
ولو تسبب روبوت صناعي في وفاة عامل، فهل الشركة المالكة للمصنع مسئولة قانونيًا عن هذا الحادث، أم الشركة المصنعة للروبوت؟! 
وقد تُسبب سيارة ذاتية القيادة في حادث سير يُفضي إلى وفاة مالك السيارة أو أحد المارة في الطريق!! فهل تواجه الشركات المصنعة لها،مثل تسلا أو جوجل، مشكلات قانونية؟!

في الوقت الراهن بعض شركات التأمين أصبحت تقدم تأمينات خاصة تغطي الأضرار التي يمكن أن تسببها الروبوتات، بما في ذلك الإصابات أو الوفاة.

وبالطبع هذه التشريعات المنظمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات عند إنجازها وإنفاذها توضح المسئوليات القانونية لجميع الأطراف بما في ذلك الجهة المطورة والمستخدمة لها، وبحيث تضمن السلامة للمستخدمين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة