أواخر شهر أكتوبر من عام 2022 شهد انطلاق قناة مصرية جديدة غيرت شكل الخريطة الإعلامية بشكل ملفت وواضح، إنها قناة "القاهرة" الإخبارية.
بدءًا من شكل اللوجو البسيط المعبر عن القاهرة، دائرة حرف القاف، كنقطة مركزية فى قلب دائرة الكون، أو كأنها محور بث فى دائرة تتسع لتشمل دائرة داخلية إقليمية، ثم تتسع أكثر لتغطي الدائرة العالمية الأكثر اتساعًا وضخامة.
ثم اختيار القاهرة ليكون اسمًا لقناة ذات أصول مصرية خالصة كعاصمة ضاربةً جذورَها فى أعماق التاريخ.
والآن قد تجاوز عمر القناة عاماً ونصف، ورغم هذه الفترة البسيطة التي لا تُعد شيئاً فى عمر المؤسسات الكبرى، إلا أنها استطاعت أن تفسح لنفسها مكاناً متميزاً، بل واستطاعت تغيير خريطة الإعلام المصرية كخطوة من خطوات التحديث والانتقال لإعلام مصري ذي تواجد إقليمي وعالمي مؤثر.
فوق التوقعات
حققت القناة خلال فترة قصيرة ما لم تحققه مؤسسة إعلامية فى نفس الزمن من قبل.. إذ بات لها موطن قدم وسط منافسة إعلامية شرسة داخل مصر وخارجها؛ بسبب وجود عدد كبير من القنوات العربية والخليجية ذات التمويل اللامحدود، فكيف تَحقَّق لقناة االقاهرة مثل هذا النجاح فى مثل هذا الزمن الذي لا يمثل شيئاً بحسابات المؤسسات حديثة الإنشاء؟!
ثمة مبادئ ومرتكزات اعتمدت عليها القناة لتحقيق نجاح مضمون إعلامياً، وهي تدور فى إطار من المهنية والاحترافية، لعل أهمها مبدأ المصداقية في نقل الخبر، والبعد عن الانسياق للشائعات والأنباء غير الموثقة، وما أكثرها اليوم بين وسائل الإعلام المختلفة.
لقد اعتمدت القناة منذ إنشائها على الصدق والدقة في نقل الخبر من قلب الحدث، ثم التحليل والتعليق العميق للحدث وما وراءه من كواليس وإرهاصات وظروف، معتمدةً على مصادر موثوقة وشهود عيان. وقد ساهم فى تحقيق ذلك الهدف كوادرها المنتقاة بدقة من جانب الإعلامي (أحمد الطاهري) رئيس القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ثم نخبة من أبرز وأهم الإعلاميين الذين كونوا النواة الصلبة للأداء الإعلامي القوى والمتميز، ومعهم وجوه شابة واعدة، هم بمثابة فريق الناشئين الذين لن يلبثوا أن يتحولوا لنجوم إعلام فى المستقبل القريب كما نتمنى لهم.
أما عن الفرق المعاونة من فنيين ومعدي برامج فحدث ولا حرج. بالإضافة لعدد كبير من المندوبين داخل المحافظات لتغطية الأخبار الداخلية، والمراسلين المنتشرين فى بقاع الأرض لمتابعة الأحداث خارج الحدود أولاً بأول.
كل هذا الطاقم الهائل جعل أداء القناة يرقى سريعاً لمستوى التنافس الصعب خلال زمن قصير. ولعل من أهم العوامل التي ساهمت فى سرعة تحقيق الهدف تغطية القناة لأحداث غزة..
قناة على مستوى الحدث
عندما بدأت أحداث السابع من أكتوبر فى قطاع غزة، كان قد مرَّ على إنشاء قناة القاهرة الإخبارية نحو عام كامل، فلم يباغتها الأمر، بل كانت مستعدة بكوادرها من المراسلين والإعلاميين لمتابعة الأحداث ساعةً بساعة..
لم يكن للقناة تحيزات أو توجهات خاصة، وإنما رسالة إعلامية رصينة متزنة لا تكتفي بنقل البيانات والأخبار الرسمية، وإنما تتحقق منها وتتأكد من موثوقيتها من خلال مصادر متعددة قبل عرض بيانات مغلوطة أو شائعات كاذبة على المشاهدين.
ثم حدث الاجتياح البري للجيش الإسرائيلي على القطاع، وبدأ اسم قناة القاهرة يظهر كصوت محايد يستهدف الحقيقة المجردة. لم تنسق القناة لأية شائعات، بل حرصت على الدقة والمصداقية رغم كثرة الشائعات وتواترها من هنا وهناك.
لقد حافظت القناة على استقلاليتها وحيادها، فلم تسمح بأن تكون منبراً لتمرير أجندات سياسية أوأيديولوجية، بل ظلت متمسكة بقيم المهنية والحياد التي تميزت بها منذ انطلاقها وحتى الآن.
خلال تسعة أشهر هي زمن الحرب على قطاع غزة، استطاعت قناة القاهرة الإخبارية إثبات ذاتها بين عدد من المنابر الإعلامية الأقدم والأكثر تمويلاً.
ربما بسبب التزامها بالمعايير المهنية والاحترافية بشكل ينم عن كفاءة كوادرها ومديريها.
ليس هذا رأيي، وإنما رأي المراقبين محلياً وعالمياً، ومن بين هؤلاء الذين أثنوا على قناة القاهرة مواقع تصنيف عالمية وإعلاميون وسياسيون ومشاهدون مصريون وعرب.
ما زال في جعبتها الكثير
عام ونصف فقط أوصلوا قناة القاهرة الإخبارية لمدى أوسع مما كان مخططاً له. وهذا معناه أنها قادرة في المستقبل القريب أن تحدث فارقاً في الأداء والشهرة والانتشار..
لقد استفادت القناة بكوادرها وخبراتها فى صناعة الأخبار وتحريرها بأساليب عصرية تستثمر تكنولوجيا الإنتاج الإعلامى، ومقومات لغة الصورة فى عصر الثقافة المرئية، إلى جانب قادة وإعلاميين شباب مسلحين بالعلم والتميز في مجالاتهم وتخصصاتهم الدقيقة الحديثة.
فالإعلام صناعة بينية وعلم ورسالة وإنتاج؛ فلم يعد يناسب ما كان يطلق عليه one man show فى الإعلام المهنى، أو الأداء الفردي المعتمد على إعلامي أو محاور واحد.
لهذا اعتمدت القناة بشكل رئيسي على شبكة من مراسليها في مناطق الأحداث ومندوبيها المؤهلين لنقل الأخبار وإتاحة الأحداث بما يعكس سياستها، لا أن تصير بوقاً يردد الصدى عن الآخرين.
في ظني أن القناة قد تجاوزت مرحلة تثبيت الأقدام، وربما حان الوقت لتقفز قفزتها التالية نحو مرحلة جديدة توسعية؛ لاسيما وأن العالم الآن مقبل على تحولات خطيرة ومنعطفات تاريخية تحتاج لكل أشكال التفاعل الإعلامي بمختلف مستوياته، من تقارير وتعليقات وتحليلات سياسية ورؤى استشرافية ولقاءات وحوارات ترتقي بالأداء الإعلامي للقناة وتدفع به دفعة قوية فى اتجاه الأداء التنافسي والفعل الريادي.
القناة لديها ثوابت فى السياسة التحريرية هي نفسها ثوابت السياسة المصرية. وهو ما لا يمنع تحليها بالمرونة الكافية لتصبح رائدة فى اتجاهها الوسطي المتزن. ثم فى استثمار مكتسباتها الحالية ومضاعفتها من خلال استثمار طاقة كوادرها من الشباب في مجالات الإعداد الصحفي ونقل الخبر وفنيات التصوير والبث وكل ما يخدم الرسالة الإعلامية لتصل إلى المتلقي فى أفضل صورة ممكنة.
السياسة التحريرية للقناة بدأت تتخذ شكلاً واضحاً، قوامه عدم التدخل فى سياسات الدول الأخرى واحترام الشعوب والتعددية الثقافية مع الحفاظ على الأمن القومى للبلاد ثم تركيزها على الملفات المصرية والإقليمية والدولية بموضوعية، ما يجعلها نموذجاً يحتذى فى الممارسة الإخبارية المتزنة المنحازة لقضايا أمتها باستخدام آليات احترافية فائقة الجودة مما جعلها صوت مصر المعبر عنها وعن رؤيتها.
[email protected]ا