نار.. نار.. سخونة حرارة الصيف أشعلت الرأس شيبًا، فأين صيف زمان، كان صيفًا منزوع الرطوبة، كانت الأشجار يفوح منها نسمات الأكسجين، وتنشره في أجواء البلاد، وتحد من هجمات ثاني أكسيد الكربون، التي جاءت من كل صوب وحدب.
ويبدو أن درجات الحرارة كسرت كل الحواجز، وأصابت الحياة بمرض عضال، وطال أرتفاعها النفوس، وصارت نبرة الصوت العالي تفرض سطوتها على لغة الحوار، ولا يمنع أن يتخللها عبارات السباب وألفاظ من العيار الثقيل.
وهذه الخلطة الفاسدة المتشعبة بين ثنايا لغة الحوار لا تقتصر على فئة عمرية محددة، فلا يخجل كبار السن من الإصرار على إدارة حوار بينهم على صفيح ساخن، ولا يجدون عيبًا في الإسراف في استخدام مفردات تحرق حبال المودة.
وكثير من النساء أسدلت ستائر الحياء، فلا يزعجهن أن تتسم لغة الحوار الدارجة بينهن بنبرة بالغة الحدة، ولو كانت داخل مواصلات عامة، أو في أحد جنبات النادي الاجتماعي، أو أمام أبنائهن، ولا يخدشهن التراشق بكلمات قذفت بها حمم الصرف الصحي، وقد تفزع حين تعلم أن الحوار كان في إطار المزاح واللهو.
ناهيك عن انفلات حرارة لغة الحوار السائدة بين الشباب من الجنسين، وحدث ولا حرج عن اشتعال درجات حرارة الانحطاط في تعاملاتهم مع المحيطين بهم، فلا يراعي شاب شيخًا كبيرًا ولا سيدة تحمل على ذراعها طفلًا رضيعًا، وهنا لابد من إضافة جملة اعتراضية، وهي إلا من رحم ربي.
ودرجة حرارة ارتفاع الأسعار في زيادة مطردة، والسبب تجار وشركات لا ترجو رحمة الله، ولا ترق لحال أغلب الشعب المصري، وفوق لسعة أسعارهم، يقدم بعضهم للمستهلك خدمة أو سلعة رديئة غير مطابقة للمواصفات، ويأبى أصحاب الحرف خفض مؤشر الأجرة، ولا يرقبون إلاً ولا ذمة في البؤساء والفقراء.
وتحرق حرارة الفتن المرتفعة الأخضر واليابس في بلاد السودان وسوريا وليبيا، ومن العجب العجاب لا يدرك الجمع في هذه البلاد أن نيران الفتن يمكن أن تطول ثيابهم، فلا تذر لهم لحمًا ولا عظمًا، وكلما طال أمد تأجج الفتن في أنحاء البلاد، لن يقدر أبناؤها على وأدها، وستجرف في طريقها حقوق أجيال قادمة.
ودولة الاحتلال الصهيوني حرائقها من نوع آخر، تسعى حثيثا إلى إبادة شعب على أرضه، ومازالت تشعلها في أهل غزة منذ ثمانية شهور، ولا يتوانى زعيمها نتنياهو في نفخ النار دون انقطاع، واجتمعت حكومات الغربية على البقعة الصغيرة، وسلطوا عليها نيران صواريخهم، وأهل الضفة يعانون في نفس الوقت من شدة درجات حرارة الظلم والإجرام على أيدي جنود المحتل والمستوطنين، وتتسرب حرارتها الحارقة لتجف ينابيع الحياة على الأرض المحتلة.
ونبتهل إلى الله أن يجعل نار الظلم والفتن والحقد والطمع والجهل بردًا وسلامًا على عباده، برغم كيد الطغاة الضالين.
[email protected]