"سيتوقف التاريخ كثيرًا أمام ثورة 30 يونيو المجيدة، وستظل حية في ذاكرة كل الأجيال، بما رسخته من مبادئ العزة والكرامة والوطنية والحفاظ على هُوية مصر الأصيلة من الاختطاف".
كانت تلك العبارة المكثفة والدالة في سياق خطاب سابقٍ للرئيس السيسي، احتفاء واحتفالا بذكرى ثورة الثلاثين من يونيو، والتي تحل ذكراها الحادية عشرة الأسبوع المقبل، ليس تذكيرًا بها، فهي راسخة في وجدان هذا الشعب الذي دفع بها كملحمةٍ تاريخية سُطرت بحروفٍ من خوفٍ على الوطن، ومن عرقٍ وكفاح وصبر وعمل وإيمان بالوطن ومقدراته وأبنائه وجيشه، ولكن يأتي الاحتفاء بذكرى 30 يونيو تأكيدًا وامتدادًا لكل قيم التمسك بالوطن في أبهى صوره، كما يستحق، عريقًا وقويًا، بل ورائدًا كعهده على مر التاريخ، حتى صار المشهد الأول من إزاحة الجماعة الإرهابية الغاشمة التي أرادت اختطاف الوطن وإبدال ملامحه من السماحة والتطلع إلى التطور والتقدم إلى الجهامة والانغلاق والتخلف، رمزًا لإزاحات أكبر، إزاحة الرجعية والفقر والمرض، والجهل والتأخر، والكثير من المعاني السلبية التي كان الوطن على وشك الوقوع في براثنها، لولا تلك الثورة الخالدة والواعية والقوية، التي استحالت وقودًا مستمرًا لقطار التحدي الذي تقوده مصر بشعبها وقيادتها وحكوماتها، مطلقًا نفير الشجاعة في تجاوز الحواجز مهما كانت ومهما بلغت.
نعم، ليس هناك أدنى درجة من الشك، في أنه التحدي بالهيئة والملامح المصرية، الذي تفوق على موجة كبيرة وغير مسبوقة من الاضطرابات وتردي الأوضاع الداخلية وعدم الاستقرار وفقدان الأمان، بل إن كل هذه العوامل لم تكن مثبطة لهمة المصريين بقدر ما كانت مقدمة للقيام بالثورة العظيمة، التي حمل القائد بعدها على عاتقه مهمة إنقاذ البلاد من الانقسام والضياع، كأساس ومرحلة أولى من مراحل الانطلاق إلى غدٍ مغاير، لم يخلُ من ظروف قاسية وقهرية، أزكت شعلة الإصرار على البدء في إعادة البناء وإعادة الهيبة، وتأكيد هُوية مصر التي هي أقدم من التاريخ ذاته، فاستحقت واستطاعت أن تبدأ مسيرة التنمية على الأصعدة كافة، وفي الذهن والوجدان ذلك العنصر الأهم في تكوين أي وطن وهو المواطن، فلا وطن بلا مواطن، بل لا وطن بلا مواطنٍ سليمٍ جسديا ونفسيًا واجتماعيًا ووعيًا ومعرفةً، لأن اللبنة الأولى لبيت الأوطان هو المواطن، فكان لابد أن تكون هذه اللبنة صلبة وقادرةً على التحمل في مسيرة تشييد البنيان، فوضعت لذلك البرامج لرفع مستوى معيشة المواطنين، وتم تطبيق البرامج الجادة للإصلاح الاقتصادي، وتحسين خدمات الصحة والإسكان، والتعليم، والنقل، وشبكات الحماية الاجتماعية، ودعم دور القطاع الخاص في التنمية، وكذلك تحفيز وتشجيع إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال، والمضي قدمًا في توفير المسكن الملائم للمواطنين عبر تطوير المناطق غير الآمنة، حتى شهدنا العديد من مناطق الإسكان البديل الآن بالمحافظات المختلفة، مساكن تتوافر فيها مقومات "الحياة الكريمة" المستقرة الآمنة، مما أسهم فى إعلان مصر خالية من العشوائية الخطرة، وتشهد الآن تلك المجتمعات اندماجًا ملحوظًا من السكان في بيئاتهم الجديدة، من الذين أدركوا ووعوا تمامًا معنى وكيفية وإرادة الوصول إلى الجمهورية الجديدة، توازيًا مع تطوير الخدمات والمرافق، وسد جميع الفجوات في البنية التحتية، وتهيئتها على أعلى مستوى وتمهيد الطريق لاستقبال الاستثمار من الخارج والداخل.
ويظل المواطن أهم المحطات في جميع المعادلات، بكل فئاته أطفالا وشبابًا والمرأة وكبار السن، فرأينا وشهدنا المبادرات المختلفة لدعم الطفل المصري، ودعم الشباب والدفع بهم وتشجيعهم، والانحياز للمرأة التي كانت مهدرة الحقوق خلال عقودٍ سابقة، فكانت 30 يونيو وما بعدها نقطة تحول في حياة المرأة المصرية، وقد تغيرت مصائر فتيات وسيدات مصر، وتحققت لهن المكتسبات غير المسبوقة.
وشهدنا مبادرة "حياة كريمة" ذات الدور العظيم في الارتقاء بوضع الإنسان المصري، وتحقيق الأهداف في التنمية المستدامة، والإسهام في خفض معدلات الفقر في كثير من القرى، حتى اعتبرت "حياة كريمة" المشروع الأضخم الذي لم تنفذه أي دولة في العالم في عصرنا الحديث، وتم إطلاق إستراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030، شاملةً 12 محورًا أبرزها التعليم والمعرفة والابتكار والبحث العلمي والعدالة الاجتماعية والثقافة والبيئة والسياسة الداخلية والأمن القومى والسياسة الخارجية والصحة والشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية والتنمية الاقتصادية، وأيضًا التنمية العمرانية والطاقة، وشهدنا المشروعات القومية العملاقة التي غيرت وجه مصر وشهدنا مبادرات إنهاء قوائم الانتظار، و١٠٠ مليون صحة، ومشروع تكافل وكرامة لرعاية الأسر الفقيرة، وتوفير فرص العمل ومواجهة البطالة، وعلى المستوى الخارجي، فكما كانت الثلاثين من يونيو تحولًا في مجرى التاريخ المصري، استلزم ذلك بالضرورة تحولات جديدة وفارقة فى السياسة الخارجية للدولة توازيًا مع ترتيب أوضاع الداخل بصورة قويمة وصارمة وحاسمة، وأسهمت مصر ولا تزال كصوت مؤثر في ميزان القوى السياسية الفاعلة، وصارت كلمة مصر مؤشرًا على الكثير من التدابير والقرارات حيال القضايا الإقليمية والدولية، ونجحت مصر في استقلال طريقها نحو ريادتها المستحقة بالشرق الأوسط، بمبادئ واضحة وراسخة عناوينها القرار المستقل، الندية، الشراكة.
إنه العام الأول من العقد الثاني لثورة 30 يونيو المجيدة، التي التحم فيها الإنسان بالمكان والزمان في ملحمة كبرى، ليشكلوا معادلة المستقبل المصري الآتي بقوة الإرادة المصرية نحو جمهورية جديدة قوية وفاعلة ورائدة لأجيال قادمة بالقوة ذاتها والتحدي تحفظ وتصون الوطن وتنطلق معه إلى أقصى الآفاق.