لا يتحقق أي انتصار "حقيقي" في الحروب في العالم أجمع؛ إلا بعد دفع أثمان باهظة ليس من الدماء فقط، كما يتبادر إلى الذهن، ولكن أيضًا من أعمار، ليس المقاتلين على الجبهات فقط، ولكن معهم الذين بذلوا كل جهدهم وأعمارهم في تطوير إمكانات المقاومة للنيل من العدو، بدءًا من الحجارة ووصولًا إلى صناعة المسيرات والصواريخ..
كما فعلت المقاومة في غزة، وكما فعل حزب الله في لبنان وفاجأ العالم كله قبل الصهاينة بنشر فيديو يبرز فيه "نجاح" مسيراته في اختراق أحدث وسائل الحماية الصهيونية والأمريكية والغربية، وتجولها لساعات في أهم الأماكن العسكرية "وتصويرها" بدقة متناهية ورصد مواقع العدو بمهارة "والاحتفاظ" بها..
ثم في الوقت المناسب تم إعلان أن الهدهد سيأتي بأخبار؛ لينتظر العالم ما سيخبرنا به الهدهد، وفي فيديو مدته 9 دقائق فوجئنا بما أخبرنا به الهدهد، وكانت المفاجأة الأكبر في حديث حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، عندما أعلن أن ما تم نشره هو جزء فقط من ساعات تم تصويرها..
أبرزت وسائل إعلام الصهاينة ما قاله حزب الله أن من يفكر في الحرب معنا سيندم، ارتبط توقيت إعلان ما جاء به الهدهد بزيارة مبعوث أمريكي إلى لبنان "للضغط" على حزب الله ليتوقف عن مساندة غزة عسكريًا..
ما بين التهديد والترغيب في التصريحات الأمريكية والغربية؛ جاء الهدهد ليرد على الجميع بأن الحزب لديه ما يكفيه من بنك أهداف "عسكرية" ضد الصهاينة وليس كما يفعلون بتدمير بيوت المدنيين وقتل العزل، والتباهي بأنهم أعادوا غزة للعصر الحجري؛ حيث لا وقود، وما تبقى من الناس على قيد الحياة يعيشيون في الخيام ويطهون الطعام -إن وجد- على الحطب ويتضورون جوعًا في أخبث حرب تجويع يشهدها العالم المعاصر بالصوت والصورة.
يبرهن التصوير الدقيق لأهداف ومرافق حيوية للعدو على قدرات فائقة على الانتصار على رصد العدو، والتشويش على أجهزة الرصد لديه، والوصول إلى عمق العدو، مع نجاح استخباراتي واضح "وتحدي" لكل ما قيل عن منظومة القبة الحديدية وعدم "السماح" بالانهزام أمام الدعاية الزائدة عنها، واتخاذ "قرار" بالتعامل معها، ونجح حزب الله في اختراقها وإرسال رسالة للصهاينة بأنكم مكشوفون أمامنا، ونستطيع تدميركم متى قمتم بتدمير بلدنا.
من الحرب النفسية "الناجحة" إعلان أن ما تم نشره هو "جزء" فقط مما تم تصويره، ومن بعض الأهداف الحساسة التي صورها حزب الله في شمال فلسطين المحتلة؛ مواقع بطاريات القبة الحديدية في حيفا ومواقع تواجد السفن الحربية الصاروخية "ساعر" الصهيونية في ميناء حيفا، ومواقع صواريخ الدفاع الجوي الصهيونية، ومخازن للجيش، ومخازن كيماوية، ومخازن نووية ومحطة توليد الطاقة في أسدود، ومحطة دوراد لتوليد الكهرباء والطاقة جنوب عسقلان التي تعمل بالغاز الطبيعي والقريبة من غزة، وتبعد عن الحدود مع لبنان بأكثر من 170 كيلومترًا، ومطار حيفا؛ الذي يؤكد "هشاشة" الأجهزة الموكل إليها حمايته؛ فالمعروف أن أي مطار في العالم يرصد أي تحرك حوله ولو كان من الطيور؛ فكيف لم يتنبه الصهاينة وأجهزتهم التكنولوجية الأحدث في العالم للمسيرات اللبنانية "الصنع"؟ وكلها أهداف عسكرية بالغة الأهمية.
قيل عن حق أن سلاح الجو لدى حزب الله والذي كشف عن جزء منه هو معركة في حد ذاته ضد العدو، وقالت "أورنا مزراحي" باحثة الأمن القومي الصهيوني: "رغم الثمن الكبير الذي يدفعه حزب الله؛ فهو يحقق العديد من الإنجازات له ولجبهة المقاومة، ويساعد حماس في الحفاظ على بقائها، ويضمن وضعًا أفضل له في نهاية الحرب"، وأعلنت قناة كان الصهيونية أن إسرائيل طلبت مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية للتصدي لحزب الله.
قال نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني: الهدهد يرى المخبؤء، ويرى الماء تحت الأرض من بعد، وأكد خبراء عسكريون أن أكثر من نصف مليون مستوطن سيكونون تحت المسيرات اللبنانية إذا هاجمت إسرائيل لبنان، ونصف والاقتصاد الصهيوني يمكن استهدافه.
قام هدهد حزب الله بمسح كامل وشامل لأهداف كثيرة في تأكيد للعدو بأنه لم يعد يملك "وحده" قوة الردع، وأشارت قناة “cnn” الأمريكية إلى أهمية المناطق الحساسة التي جاءت في فيديو حزب الله والمنشآت العسكرية التي قام بتصويرها، وأن تحليل الظلال في الفيديو يوحي بأن مهمة الطائرة من دون طيار استمرت ساعات أو تمت على مدار عدة أيام.
جاءت تسمية الهدهد بسبب المسافة البعيدة التي قطعها ولعودته بالنبأ اليقين، وشارك الهدهد في المزيد من تحطيم القوة النفسية للعدو، بعد تزايد صرخاته مما يتعرض له جنوده في غزة الصامدة، والشكوى من "تعمد" المقاومة في غزة "تفخيخ" بعض المنازل لقتل جنود الصهاينة عند اقتحامها!! وكأنهم يريدون استقبالهم بالورود والرياحين.
أنفق الصهاينة وحلفاؤهم الأمريكان والغرب المليارات "لضمان" أمن الصهاينة، واخترقت المقاومة في غزة، في السابع من أكتوبر، التحصينات، وما زالت تكبد الصهاينة الخسائر بأنواعها المادية والعسكرية والمعنوية.
وكبده الحوثيون الخسائر الفادحة بمنع السفن من التوجه إليه، وانضم حزب الله في "كسر" غطرسة الصهاينة وتحطيم "أسطورة" تفوقهم العسكري والمخابراتي بأقل التكاليف وبأصدق الرجال وبأقوى العزائم وبالقوى الشعبية الحاضنة والمضحية والموقنةً بالنصر.
يمتاز الهدهد بالقدرة على التخفي وبمهارة الدفاع عن النفس وبالقابلية الملاحية المتميزة في معرفة الاتجاهات والسرعة الفائقة في الطيران، والقدرة على تحمل الظروف الصعبة، والذكاء والدفاع عن النفس بأساليب سلمية ومختلفة، ويصعب تحديد اتجاهه؛ وكل هذه الصفات تتوافر في صانعي النصر في غزة ولبنان وفلسطين.