الهند تعرض شراكة "الزمن الجديد"

19-6-2024 | 10:58

ثمة حنين دومًا لأيام عدم الانحياز، وحضور عبدالناصر ونهرو. وكلما ذكرت الهند تجد في أوساط النخبة المصرية شغف وحب، ورغبة في أن تتحقق الأمنيات، وتصبح الهند إحدى القوى العظمى، وأن تنجح مصر في قفزتها الكبرى، و"الجمهورية الجديدة"، وأن تشغل المحروسة بقوة "مقعدها الطبيعي" على مائدة الكبار بوصفها زعيمة مخلصة لقضايا الجنوب، وصوت العالم العربي والعالم الإسلامي وإفريقيا. 

والأمر المؤكد أن هذا السباق على خطب ود القاهرة لم يأتِ من فراغ، وتقول كوريا والصين وأمريكا وروسيا وأوروبا والهند إن "الدور المصري" لاغنى عنه، وخاصة إذا كان الدور يسعى للقاهرة، وتدعوها شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية والإفريقية ألا تنكفئ كثيرًا على قضاياها الداخلية، وأن تعطي مزيدًا من وقتها وجهدها لقضايا الجنوب، والمساهمة في رسم قواعد النظام العالمي الجديد ، بصورة أكثر عدالة، وإنهاء مظالم القطبية الأحادية.

.. وفي الآونة الأخيرة نشهد الكثير من القوى الدولية تدق باب القاهرة، والجميع يعرض شراكة، والآن تعرض "الهند-مودي" تعميق الشراكة، والبناء على الماضي الجميل، ولكن شراكة زمن جديد، والأمر المؤكد أن مصر"راغبة وقادرة" لتأخذ مقعدها وسط الكبار، ترى ما هي الشراكة الجديدة التي تعرضها الهند.
 
.. ولقد جاءت منذ أيام إحدى محاولات الإجابة في ندوة ساخنة بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية بالتعاون مع مؤسسة أوبزيرفر للأبحاث، في إطار شراكة بينهما لتعميق العلاقات بين مصر والهند على المستويين الاقتصادي والسياسي خلال الفترة المقبلة، وقدم د. سمير ساران، رئيس مؤسسة أوبزيرفر للأبحاث، في محاضرة بعنوان "في عالم متقلب چيوسياسيًا، ما الذي يمكن أن تحققه الشراكة الفعالة بين مصر والهند؟"، رؤية لهذه الشراكة، وتكتسب أهمية الرؤية أن صاحبها ومركزه قريب من الحزب الحاكم ورئيس الوزراء مودي.

ويرى ساران أن مصر والهند تسعيان لبناء شراكة قوية مثلما كانت عليه في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، في ظل ظروف عالمية عصيبة، مستعرضًا عددًا من التحديات التي تسيطر على الوضع الراهن والتي تصل إلى حد الكوارث والصدمات، مثل الصراعات الجغرافية، وتأثير الحروب والنزاعات في المنطقة على التجارة والأوضاع الاقتصادية، والصدام بين الواقع والعالم الافتراضي الذي يمكن أن يتسبب في تفكيك المجتمعات، والتغيرات المناخية العنيفة التي تؤثر على جميع دول العالم، وأخيرًا الصدام بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب.

وشدد ساران على أن هذه المشكلات والتحديات العالمية الضخمة، تتطلب منا التعاون والاتحاد بين دول الجنوب؛ لأنه حان الوقت لأن يكون هناك أصوات جديدة تعبر عن شعوب العالم، مشيرًا إلى أن دول إندونيسيا والهند والبرازيل لعبت دورًا كبيرًا فى إنقاذ مجموعة العشرين G20 من خلال الخروج بقرارات قوية، في وقت حرج، فعندما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، كان يصعب على الدول الأوروبية أن تخرج بقرارات لمواجهة المشكلات العالمية، وتمكنت الهند من وضع قضايا احتضان التكنولوجيا والمساواة ضمن أهم عناصر أجندة العمل.

وطالب ساران بإيجاد حلول لمستقبل العولمة والسلام والرفاهية الاقتصادية، وهو ما يمكن أن تلعب فيه مصر والهند دورًا كبيرًا من خلال الشراكة بينهما ليكونوا لاعبين رئيسيين، والانتقال من كونهما دولتين حاضنتين لفكر عدم الانحياز إلى تبني وحماية مفهوم الانحياز متعدد الأطراف، وتمثيل جنوب العالم، وكل من تم استبعاده من طاولة النقاش العالمي، لافتًا إلى أن وجود مصر والهند ضمن تجمع البريكس يجعل منها منصة فعالة.

ودعا ساران لأن تقوم الشراكة بين مصر والهند وفق أجندة خاصة، بالانحياز متعدد الأطراف، تقوم على مبادئ معلنة ومحددة فى مواجهة التحديات العالمية، وعلى رأسها التحول الأخضر والتحول الرقمي والتكنولوجيا الحديثة، وتبني منظومة العولمة بمفهومها الجديد، وحماية الملكية الفكرية، وهي شراكات قائمة على هويتنا وثقافتنا المشتركة.

.. وشهدت الندوة تفاعلًا شديدًا يعكس حرص النخبة المصرية على التفاعل مع الشرق، وترى  الدكتورة عبلة عبداللطيف، المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن الهند تمر بتغيرات كبيرة جدًا لا يمكن إنكارها وهي تغيرات مؤثرة، مؤكدة على ضرورة تعاون البلدين لوجود مصالح اقتصادية وسياسية من هذا التعاون المشترك، وأشارت إلى قيام المركز المصري  بالتعاون مع مؤسسة أوبزيرفر بالتخطيط لإعادة رسم الإطار العام للعلاقات المستقبلية، لإيجاد الطريق لتطوير وحماية نظام التحالف متعدد الأطراف، وإعلاء صوت دول الجنوب العالمي.

... ويرى السفير محمد حجازي مساعد وزير الخارجية الأسبق، ضرورة استثمار العلاقات التاريخية فى البناء للشراكة بالمستقبل، مشيرًا إلى أنه يمكن أن تشكل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس مجالًا للتعاون من خلال جذب الاستثمارات الهندية فى العديد من المجالات، فيمكن أن تكون مصر بوابة الهند إلى إفريقيا، لافتًا إلى أن الوضع الإستراتيجي معقد للغاية، والأوضاع العالمية مرتبكة، وهو ما يتطلب ضرورة التعاون متعدد الأطراف وفق أجندة واضحة.

وأكد حجازي أن مصر والهند قوتان إقليميتان كبيرتان، ومن المهم تعزيز العلاقات، وإعادة صياغة وتوحيد المواقف المشتركة، خاصة ما يتعلق بمواجهة الإرهاب، والقضية الفلسطينية.

.. ويبقى أن دور  مصر بات مطلوبًا أكثر من أي وقت مضى، والقاهرة تحتاج الهند وإندونيسيا والبرازيل للعمل على كبح "الحرب الباردة" الجديدة، والأرجح أن القاهرة والدول العربية ودول الخليج تطمح أن تنتصر الهند للمبادئ مثل أيام نهرو، وأن تدرك نيودلهي حجم المصالح الهندية مع العالم العربي من نفط وأموال العمالة الهندية بالخليج لتشارك في كبح جنون إسرائيل لا تشجيع اليمين المتطرف "بعلاقات دافئة"، وتعاون ضخم في مجالات عسكرية وصناعات المستقبل.

.. والنقطة المهمة هي أن يتم مضاعفة الاستثمارات الهندية المباشرة لترتقي لحجم الشراكة المنشودة، والأرجح أن الكل يعلم أن القاهرة دومًا شريك على قدم المساواة، يعرف ما يريد، وما تريد منه الدول العربية والإسلامية والإفريقية بالضبط. 

ومن هنا فالقاهرة شريك للهند وإندونيسيا والبرازيل في شراكة "قوة الجنوب الصاعدة" على مائدة النظام العالمي الجديد، وبخاصة أن الجميع يتحدث عن طفرة هائلة جديدة بالمنطقة مثل طفرة النفط بعد حرب 73، إذن مصر راغبة وقادرة وفقًا لشروط واقعية واضحة أكثر من مجرد الحنين للماضي.

كلمات البحث