ليشهدوا منافع لهم

13-6-2024 | 17:25

الحج، وما أدراكم ما الحج؟ هو ركن عظيم من أركان الإسلام، نعيشه الآن ونحياه، منا من يعيشه بجسده وروحه هناك في الأراضي المقدسة، ومنا من يحياه بقلبه، وروحه، ودموعه، واشتياقه في بلده، هذا الركن الذي أمرنا به نبينا في قوله: "يا أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا فقال: "لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم" ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" (مسلم).

وأعمال الحج كلها من الإحرام حتى الوداع زاد روحي وإيماني عظيم وكبير، تتمثل فى كل حركات وسكنات وأقوال وأفعال الحجيج، حتى شعاره المتمثل فى تلبية وفد الله: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك" نداء بإعلان الحج، ومظهر روحاني يعلن فيه الحاج تجرده وخضوعه لربه، وأنه بهذا قد خرج من مقام الدنيا ليحل داخلا في مقام الضيافة الإلهية، التى فيها خضع بكيانه وحواسه وجسده وروحه للرب العلى، صاحب النعم والفضل، والذي له الحمد والنعمة.

ومن عظم فريضة الحج جعلها نبينا الحبيب تعدل الجهاد في سبيل الله، وينوب عنه لمن لا يقدر عليه ومن لا يكلف به، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: "لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور"، ومن عظمه أنه يهدم ما كان قبله من المعاصي والذنوب، فعن عمرو بن العاص قال: لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله أبسط يمينك لأبايعك، فبسط يده فقبضت يدي، فقال: مالك يا عمرو؟! قال: أردت أن أشترط، قال: تشترط ماذا؟ قال: أن يغفر لي قال: أما علمت يا عمرو! أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ (مسلم).

ومن معجزات الحج أن القلوب تنجذب وتتوق إلى بيت الله الحرام، وتتشوق له شوق الملهوف، فجعل القلوب تنجذب وتهوي إليه بالملايين من كل أنحاء العالم بسبب دعوة أبينا إبراهيم عندما قال: "رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)، ومن جليل مقاصد الحج، إظهار وحدة الأمة والصف الإسلامي، خاصة في وقت الأزمات، وما أحرانا بها الآن، وما نعيشه من تشرذم وتفرق، حتى استباحت بيضتنا الأمم الأخرى، حيث أمرنا الله في قرآننا الكريم بضرورة عدم التفرق والتنازع، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، ومن مظاهر الوحدة والاعتصام المتجلية في فريضة الحج أن الكل يعبد ربًا واحدًا، ورسولهم واحد، وكتابهم واحد، وقبلتهم واحدة، يؤدون الحج في أشهر معلومة، ويحرمون من مواقيت محددة غير مجهولة، كما أن الحج يحقق معنى المساواة بين الجميع حيث يجتمع المسلمون من كل جنس ووطن ولغة ولون في صعيد واحد بلباس واحد، وعمل واحد، ومكانهم واحد، ووقتهم واحد، وحدة في الشعائر والمشاعر، والقول والعمل، والهدف، فالغني والفقير لا يعرف فيهم عظيم من حقير، الكل أمام الله سواسية، ومن ثم تتراجع هنا كل المقاييس والمعايير، إلا مقياس واحد: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.

ولما كان الله تعالى بنا رحيمًا كريمًا جوادًا منعمًا حنانًا منانًا، جعل للحج منافع دنيوية وأخروية مادية ومعنوية، مصداقًا لقوله: ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ...﴾، وهذا لا يتنافى مع نية الحج وأداء النسك الذي هو الأصل والدافع للقدوم، لقوله سبحانه: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ...﴾.

والحج مدرسة ربانية للأمة الاسلامية، يتعلم فيها الحاج التدريب على النظام، فالالتزام بأداء المناسك في موسم الحج في أوقات محددة من اليوم والليلة، تدريب للمسلم على النظام، وخروج على الإلف والعادة لإخضاع نفسه للنظام وأحكام الشريعة، كما فيها يتعلم التذكير بالفراق الأكبر، فتعرض الحاج إلى مفارقة الأهل والأولاد والأوطان يذكره بالفراق الأكبر الذي لا عودة بعده إليهم، فيأخذ العبرة ويستعد لذلك اليوم، ولباسه الإحرام تذكير بأنه يتجرد من كل متاع الدنيا، ومن زينته وثيابه، تذكير له بما يحمله معه من متاع الدنيا عند مفارقته لها للقاء ربه، كما أن وقوفه بعرفة يذكره بالموقف الأكبر يوم الحشر.

أيضا من جوده وإنعامه –سبحانه- علينا أن جعل هناك بشريات لمن عجز عن الحج سواء لمرض أو لفقر تتمثل فى أعمال تعدل أجر الحج في الجزاء منها المكث في المسجد بعد صلاة الفجر حتى الشروق ثم صلاة ركعتين، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "مَن صلى الفجرَ في جماعةٍ ، ثم قَعَد يَذْكُرُ اللهَ حتى تَطْلُعَ الشمسُ ، ثم صلى ركعتينِ ، كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعُمْرَةٍ تامَّةٍ ، تامَّةٍ ، تامَّةٍ". (الترمذي)، والنية للحج والعمرة نية خالصة صادقة لله تعالى، وذكر الله دبر كل صلاة، ومن البشريات كذلك جبر الخواطر وقضاء حوائج الناس حج واعتمار بلا ترحال.. قال الحسن: مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة.. فهنيئا لحجاج بيت الله الحرام، وحجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا، ورزقنا وإياكم حج بيته الحرام.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
رؤساء الهيئات الإعلامية والصحفية.. عندما تتحدث الإنجازات

ثمة حقائق نؤمن بها دائمًا، تكون نورًا وبرهانًا هاديًا لنا فى مسيرتنا الحياتية والعملية، من هذه الحقائق سنة التغيير والتبديل، التي تنتهجها دولتنا المصرية

علو الهمة.. لهيب الحياة ونور الطريق

من الصحابيات الجليلات اللواتي كان لهن مواقف مشهودة فى الإسلام وأكثرهن كذلك- الصحابية الجليلة الشفاء بنت عبدالله القرشية ، هذه المرأة التى شرفت بكونها

اللاجئون في يومهم العالمي

بعد أحداث الحرب العالمية الثانية المفزعة، ونتائجها وتداعياتها التي قلبت مصير العالم، ومنها البؤس الإنساني بشتى وجوهه، التي طال أغلب بقاع الأرض، كان الهرب

الأكثر قراءة